الفنون والآداب

مظاهر تطور واستخدام “الزخرفة” عبر العُصور والحضارات

1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الزخرفة استخدام الزخرفة عبر العصور مظاهر تطور الزخرفة عبر العصور الفنون والآداب المخطوطات والكتب النادرة

الزَخرفةُ في اللغَةِ تعني تَزيين الأشياءِ بالنقْشِ أو التطريز أو التطعيم.

وانسجاماً مع هذا المعنى، تُعدُ الزَخرفةُ عُنصًراً من عناصر الفنِّ يُصاحبُ كلَّ أنواعِ تشكيلاته التي تُستَخدمُ لإضفاءٍ الجمال على الأشياء. وقد عرفَ الإنسانُ الفنّانُ فنَّ الزّخرفةِ منذُ بدايات الحياة القديمة.

ويُرجعُ عُلماءُ الآثارِ معرفةَ الإنسانِ لهذا الفنِ إلى العصرِ الحجريِّ القديم، وتحتفظُ المتاحفُ الكبرى ببعض نماذجِ الزّخرَفةِ التي نَقلها الإنسانُ عن الطبيعةِ عندما رأى التجويفات التي يحدثُها ماءُ المطرِ على الأرض.

 

وعِندَما وضعَ أغصانَ الأشجارِ في تشكيلٍ عبَّرَ فيهِ عن إحساسهِ الِفطريِّ بجمالِ الطبيعةِ. وأدركَ الإنسانُ بفطرَتِهِ أيضاً أنّهُ عندما يُكرّرُ شكلَ أيِّ شيءِ يجدُ إيقاعاً زُخرفيّاً جميلاً.

وقد اتّخذت الزّخرفَةُ بعدَ ذلك عدة أشكالٍ بحسب العناصرِ المُستخدمةِ فيها، فظهرتْ الزخرفةُ النباتيةُ وعناصِرها أوراقُ الأشجارِ والأغصانُ والزهور، والزخرفةُ الهندسيّةُ التي يمكنُ تشكيلها عن طريقِ الخطوطِ الهندسية والدوائر والمربّعاتِ وغيرها.

والهندسةِ العُضويةِ التي تتكرّرُ فيها أشكالُ الطيور والحيوانات والحشراتِ والكائناتِ البحريةِ وغيرها، في إيقاعٍ منتظمٍ وباستخدام النُّورِ والظِّلالِ.

 

وبمرور الزّمَنِ وتَقدُمِ الفنونِ والعلومِ في الحضاراتِ اليونانيةِ والرومانيةِ والآشوريّةِ والبابليةِ أصبح للزخرفةِ قواعدها الأساسيةُ في الفن، ومن أهمِّ هذهِ القواعد:

– التوازُنُ في الشكلِ وتناسُقُ العناصِرِ الزخرفية.

– التّكرارُ بحيثُ يتمُّ الجمعُ بينَ أكثرِ من وحدةٍ مُتشابهةٍ.

– التماثُلُ ويكونُ نصفياً عن طريق التطابق بين نصفين، أو كُلّياً عن طريق وضع شكلينِ مُتكاملين مُتقابلين.

 

وتوجدُ في الفنِّ المصريِّ القديم كثيرٌ من الأشكالِ الزخرفية التي تنُمُّ عن فكرٍ إنسانيِّ مُتقدّمٍ في صياغةِ الوَحَداتِ الزخرفيةِ باستخدام العناصر النباتية، مثل زهور البّردي واللُّوتس.

والعناصرِ العضوية، مثل الحيواناتِ والطيور والحشرات. وقد استطاع الفنّانُ في العُصورِ المصريةِ القديمة نقشَ هذه الزَّخارفَ على الذهبِ والفضّةِ.

وبعدَ ظُهورِ الإسلامِ واتِّساعِ الفتوحات الإسلامية عرفَ المسلمون الكثير عن فنِّ الزخرفة مما شاهدوه في البلادِ التي تمَّ فَتحها.

 

فقد اقتبسَ الفنانونَ المسلمونَ في العصرِ العبّاسيِّ بعضَ الأصولِ الزُخرفيةِ الموجودةِ في فنونِ الحضارات التي سبقت الحضارةَ الإسلاميةَ، ولذلكَ غلبَ الطابَعُ الساسانِيُّ والبيزَنطيُّ على أنماطِ الزّخرفةِ الإسلاميةِ في هذا العصر.

وقد التزم الفنانُ العربيُّ المسلمُ بتعليماتٍ دينيةٍ حرّمت تناوُلَ الأشكال الآدمية فاتّجَهَ بإبداعهِ إلى الأشكال النباتيّةِ والهندسية، كما استخدم الخطَّ العربيَّ بعدَ مَزجهِ بتلك الأشكالِ في تكويناتٍ في غايةِ الإبداع.

 

واستطاع الفنانون في العصور الإسلاميّةِ ابتكارَ نمطٍ جديدٍ من الزخرفة اعتمدَ على الخطِّ الديواني والكوفيِّ بعد إضافةِ الزخارف الهندسيةِ والنباتيةِ وسُمِّيَ بالكوفيِّ المُزهر، والديوانيّ المُزهر.

 

ويمكنُ مشاهدةُ أشكالِ هذا النّمطِ من الزخرفةِ في أسقُفِ وجدرانِ المسجد الأموِيِّ في دِمَشقٌ والمساجدِ التي أُنْشِئَتْ بالكوفةِ وسامرّاءَ في العصرِ العباسيِّ.

واستخدم الفنانون في العصر الإسلاميِّ كذلك الخشبَ في صُنعِ الأشكال الزخرفيّةِ التي عٌرفَتْ بـ«الرَّقشُ العربيُّ» (الأرابيسْك).

وقد زُيِّنتْ بها واجِهاتُ المباني وجُدرانُ المساجدِ وأسقفها وعقودُ أَعمدَتِها.

 

والتَزَمَ الفنانون في صُنع هذهِ الأشكال بقواعد الزّخرفةِ التي توفَّر لها التوازُنُ والتَّقابلُ والتماثُلُ.

وبعدَ مُرورِ فترةٍ زمنيةٍ أخرى، توصّلَ الإنسان إلى استعمالِ بعضِ العناصر الطبيعيةِ الجيولوجية، ومن بينها الأحجار والجبسُ.

ويمكنُ مشاهدةُ كثيرٍ من الأنماط الزخرفيةِ الجبسيةِ في أسقُفِ وجدران المساجد والقصّورِ التي مرَّ على إنشائِها سنونَ طويلةٌ وما زالّت في رَوْنَقِها وجَمالها.            

 

وفي دُولِ الخليج العربيّةِ نشطتْ أعمالُ الزّخرفةِ في بداية الثلاثينياتِ نتيجةَ انتقالِ بعض الخبراتِ الفنيةِ على يدِ البستكيّةِ إلى إمارتي دُبيّ وأبو ظبي، وعلى يّدِ العوضيّةِ إلى جزيرةِ المنامة في البحرين.

ونجد أن أعمالَ هذهِ الفرقِ الفنية تنتمي إلى أنماط الزخرفةِ التي عُرفَتْ في الفَنِّ الإسلاميِّ. وفي وقتنا الحاضرِ تمتلئُ واجهاتُ المباني بنماذج الزخرفة الحديثة.

 

وبوجهٍ عامِّ نَجدُ أنّ الزخرفةَ، في كلِّ العُصورِ وفي جميع الحضارات، تَعكسُ العلاقةَ التي قامت بينَ البيئةِ والعقلِ الإنساني.

كما تُوضِّحُ إلى أيِّ مدى أثّرتْ هذهِ العلاقةُ في تفكيرِ الإنسان الفنّان وإبداعاتهِ بجانبِ التأثيراتِ الحضاريّةِ الأخرى.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى