العلوم الإنسانية والإجتماعية

مفهوم “المخططات العقلية” لدى بياجيه

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

المخططات العقلية بياجيه العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

بداية نشير إلى أن هذا المفهوم من المفاهيم الأساسية عند بياجيه لم يتم الاتفاق على مصطلح مقابل له في اللغة العربية – حسب علم الباحث – حتى الآن ، حيث تنتشر ترجمات مثل "الصور الإجمالية العامة ، التصورات العقلية ، المخططات الانتهاجية وغيرها "

 ويفضل الباحث استخدام ترجمة " المخططات العقلية" على اعتبار أنها أكثر وفاء بالمعنى الدقيق الذي يستخدم فيه بياجيه المصطلح ولسهولة تداوله عن أي من الترجمات المطروحة .

وقد يكون من السهل تناول مفهوم المخططات العقلية عند بياجيه ، بعد أن تناولنا كلاً من المحتوى المعرفي ، الوظائف العقلية من تنظيم وتكيف واستيعاب ومواءمة وخاصة بعد تناول البنى المعرفية.

ذلك لأن مفهوم المخططات العقلية ليس إلا امتداداً لنظرة بياجيه في التراكيب العقلية المقابلة للتراكيب البيولوجية التي تتصف عامة بالقابلية للتغيير والتكيف وعلى هذا الأساس تعرف المخططات العقلية بانها " تركيب عقلي يشير إلى مجموعة من الأفعال المتشابهة والتي تكون بالضرورة وحدات تامة قوية محددة تترابط فيها العناصر السلوكية المكونة لها ".  (غنيم، 1974: 137). 

 

ويتحدث كل من (Bobrow & Norman 1975) عن نشأة المخططات العقلية موضحين أنه " كلما كان تتابع الأحداث أكثر ثباتاً ، كلما كانت المعرفة المخططة منه اكثر قدرة على ضبط وتوجيه سرعة ودقة العمليات المعرفية الناتجة عنه.

وكلما أمكن الخروج بتوقعات من حادثة معينة كلما أسهمت هذه التوقعات في توجيه العمليات بالأسلوب المفاهيمي الصحيح " وهذه العبارة تشير إلى أن المخططات العقلية تتكون على أساس ما يعيشه الفرد من خبرات منتظمة في البيئة مثل اشياء مع بعضها او تعاقب اصوات معينة وراء بعضها البعض.

وهذا ما يؤيده (Mandler, 1979) ويتناول (Rumeihar, 19800 الدور الذي تلعبه المخططات العقلية بين ما لدى الفرد من معرفة وما يتعرض له من معلومات حين يقول : " المخططات العقلية هي اسلوب تقديري نشيط ، يقيم مدى التناسب بين معرفة الفرد وما سوف يحصل عليه من معلومات في موقف ما.

فإذا كان التناسب جيدا فإن عدداً قليلاً من العمليات المتصلة يكون كافياً ، وإذا كان التناسب محدوداً يبحث الفرد عن إمكانية الاستعانة بمخطط آخر ، وإذا كان الموقف جديداً ، ومعرفة الفرد عنه محدودة فإن عمليات أكثر لا بد أن تحدث " (P.217) ومن خلال هذه المناقشة يتوصل (Man-dler, 1983, p. 100) إلى القول بأن " المخطط العقلي عبارة عن بنية معرفية (اي كم منظم من المعرفة) تضبط وتوجه أنواعاً مختلفة الأداء ، الإدارك ، والتفكير.

 

وهي تتكون من مجموعة من الوحدات المتصلة بالعلاقات الزمانية والمكانية التعي تعلمها الفرد من خبراته عبر قائع مترابطة الحدوث في الزمان والمكان" لكنه يعود ليقرر مناقشة هذا التعريف بالتفصيل أنه بسبب الدائرة الواسعة التي يستعمل فيها بياجيه مصطلح المخططات العقلية أنه "يصعب تقديم تعريف محدد لما استعمله بياجيه" (Mandler, 1983)

ولعل هذه الصعوبة التي اعترف بها ماندلر هي التي تدفعنا للنظر ، مرة أخرى عند بياجيه بحثاً عن طبيعة هذه المخططات العقلية وعن قابليتها للتغيير ودورها في العمليات المعرفية .

أعتقد بياجيه أن العقل له بنى بنفس الطريقة التي يكون فيها للجسم بنى ، والمخططات العقلية هي البنى التي يتكيف من خلال الفرد عقلياً وينظم بيئته ، فالمخططات العقلية إذن هي النظير أو النسخة المطابقة عقلياً للأساليب البيولوجية في التكيف ، وهي ليست شيئاً عادياً مثلها مثل المعدة بالنسبة للجسم.

لكن ينظر إليها على انها مجموعة من العمليات التي تتم من خلال الجهاز العصبي ، والمخططات بهذا الشكل يمكن التفكير فيها ببساطة على أنها مفاهيم أو تصنيفات أو قائمة فهرس فيه كل بطاقة تمثل مخططاً عقلياً معيناً يمكن أن يستخدمه الفرد في التمييز بين الأحداث او المثيرات (Wadsworth, 1989, p.11) والمخططات العقلية بهذا الشكل أيضاً لا تتوقف عن التغيير ولا عن الصقل والتحديد منذ المخططات الحسحركية عند مولد الطفل وحتى المخططات الشكلية عند المراهقة.

 

فملف البطاقات المحفوظ في رأس الطفل والذي لا يحتوي إلا على عدد محدود من البطاقات لا يتوقف عن التزايد .  والحقيقة ان موضوع تغير ومرونة المخططات العقلية شغل بياجيه في كثير من كتاباته لمحاولة الإجابة عن عن سؤال : كيف تنمو وتتطور المخططات العقلية .

يزعم بيايجه ان كل المخططات العلية أياً كانت حركية أو معرفية تميل لان يطبقها الفرد أن يخبرها بشكل تلقائي ، وهذا ما يوفر نقطة البداية للتغيير فالمخططات العقلية لم تكن لتتغير ابداً لو أنها لم تات في اتصال مع المعلومات الجديدة ، إن تكرارها التلقائي يؤكد التغيير.

لو أن تتابع سلوك معين لا يحدث بتكرار فإن بياجيه لا يراه مناسباً للاستدلال على كون مخط عقلي ما فيه.  هذا الميل للتكرار يسميه بياجيه " خاصة إعادة الإنتاج الوظيفي" للمخططات العقلية .

 

وطالما أن المخطط العقلي يطبق مكرراً في مواجهة المعلومات المستدخلة ، فإن الفرصة تصبح متاحة لأن يعمم استخدام هذا المخطط العقلي ليشمل صيغاً متعددة من المعومات ولأن يتم التمييز بين المعلومات المرتبطة داخلياً.

هذا الاستخدام المتزايد تعميماً وتمييزاً على ما يتعرض له الفرد من سلوكيات متتابعة يقدم البرهان على بزوغ مخططات عقلية نمت أو تطورت من المخططات العقلية الأصلية ، وإذا كان هناك من يدعي بأن تزايد المخططات العقلية على مسار النمو العقلي يمكن أن يجعلها تميل إلى أن تصبح منعزلة وتنقسم إلى أجزاء او فئات مستقلة مع مرور الزمنن إلا أن بياجيه يرد على ذلك بتوضيح أن المخططات العقلية.

وإن اكنت تتوالد مع الخبرات المتزايدة للفرد ، وإن كانت بداياتها كجزر منعزلة بالفعل ، إلا أنها تدريجياً تصبح منضوية تحت أبنية كلية من خلال عملية يطلق عليها بياجيه اسم الاستيعاب المتبادل Reciprocal Assimilation .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى