مقالات “من يمتلك الحياة؟” حول سياسيات براءة الاختراع
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
ثمة مسألة بالغة الأهمية محلّ خلاف، وهي من يمتلك الجينوم؟ من يُسمح له بالاستفادة من علم مموّل بأموال الشعب؟ وأسئلة كثيرة ذات علاقة ومصالح كثيرة متنافسة وكثير من الردود التي يمكن أن تعتبر إجابات.
توجد من جهة "الأرض المرتفعة" للحرية العلمية في الاستقصاء. فعلى العلماء، وفقاً للتقاليد، أن يجروا الأبحاث، ويحقّقوا الاكتشافات، ثم يتقاسموا هذه الاكتشافات علناً مع الآخرين. ولا تصبح البيانات العلمية "دليلاً" على أي شيء، ولا يمكن أن تعدّ "خبرة" إلى أن تتأكّد صحتها بمزيد من النتائج العلمية وإلى أن يوثّقها المجتمع العلمي.
العلم وفقاً لهذه الرؤية يجب أن يكون معرفة لخير الجميع ويمتلكه الجميع. وعلى العلماء أن يعملوا من أجل الصالح العام وليس من أجل الكسب الشخصي الذي يتجاوز كسب لقمة العيش، لا سيما عندما يموّلون من الأموال العامة.
في الجانب الآخر توجد مجموعة أخرى من القيم. يشير هذا الجانب إلى الكسب العلمي المحتمل ويرى أن تطوّر الأفكار الجيدة يتطلب الاستثمار. فنحن بحاجة إلى شركات أميركية قوية للاستثمار، ولكي تكون راغبة في الاستثمار وتطوير المنتجات لصالحنا جميعاً، يجب أن تعرف أنها تستطيع أن "تمتلك" المعرفة، أو الملكية الفكرية، التي يتوقّف عليها التطوّر.
وبناء على هذا التفسير، الملكية الخاصة ليست شيئاً جيداً فحسب، بل ضروري أيضاً. كما بدا من المهم، ومن مصلحتنا الوطنية، التنافس بنجاح مع الشركات الأوروبية واليابانية بحيث نحافظ على التفوّق الأميركي.
بإقرار مرسوم قانون تعديلات البراءات والعلامات التجارية، أو قانون باي – دول لسنة 1980، أصبحت الطريق ممهّدة للملكية الخاصة للمعلومات العلمية ما دام يمكن تصوّر أنها تقع في فئة الملكية الفكرية أو الاختراعات.
وفي حين كانت من قبل نتائج البحوث التي تجرى بتمويل عام أو الجامعات التي لا تتوخّى الربح تعتبر ملكية للشعب، فإن قانون باي دول شجّع العلاقات بين الجامعات والصناعة.
وقدّمت الحجّة أنه لا يمكن أن تتطوّر الأفكار من دون هذه الشراكات لأن الشركات لا تحتمل تكاليف الاستثمار في التطوير من دون ضمان الملكية، لا سيما في المجالات ذات التكلفة المرتفعة مثل تطوير الأدوية. واستجابة لذلك، دعا هذا لتشريع إلى مزيد من "نقل التكنولوجيا" من علماء البحوث إلى مجال الصناعة والأعمال.
أمام جزع العديد من العلماء بل شعورهم بالصدمة، كانت "معاهد الصحة الوطنية" بإدارة برناديت هيلي أول مؤسسة تسعى لحماية سلاسل الجينوم التي ينتجها علماؤها ببراءة اختراع.
في حزيران/ يونيو 1991، سعت "معاهد الصحة الوطنية" لأول براءات الاختراع. ردّ العلماء بالتعبير عن الخوف والاهتمام، وكذلك عامة الناس. وساد عالم الأعمال الاهتمام أكثر من الخوف بطبيعة الحال.
وأوضحت هيلي أنه من دون الحصول على براءات الاختراع "فإن مترابطة الجينات الغامضة يمكن أن تسبّب لدافعي الضرائب الأميركيين وشركات التكنولوجيا البيولوجية خسارة الثروة التي ينتظر تدفّقها من الاكتشافات الجينية المتعاقبة". وعلّلت ذلك بأن هناك من سيحصل على براءات الاختراع إذا لم تتقدّم "معاهد الصحة الوطنية" للحصول عليها.
كان ذلك مثالاً واضحاً على ما يمكن أن يحدث في غياب السياسة المدروسة للعلوم البيولوجية والقيادة القوية ذات الرؤية.
تقدّمت "معاهد الصحة الوطنية" لتسجيل براءات الاختراع، وحصلت عليها. وكما أشار محلّل السياسات روبرت كوك–ديغان (Robert Cook-Deegan) مرات عديدة، لا يجدي توجيه أصابع الاتهام إلى "معاهد الصحة الوطنية" والإيحاء بأنها لو لم تفعل ذلك، لظلّت البيانات الجينومية حرة ومفتوحة للجميع.
بل إن طلبات "معاهد الصحة الوطنية" السريعة أثارت الاهتمام بقضية تسجيل براءات الاختراع باكراً ووضعتها في إطار عام. ولعلها بقيامها بذلك تركت مزيداً من الخيارات مفتوحة وخلقت وعياً عاماً أوسع مما يمكن أن يحدث لو أن شركة خاصة سعت بهمّة وهدوء للحصول على ملكيتها لمصالح مربحة.
وعلّل بعضهم، لماذا لا ندع القطاع العام يحقّق الربح؟ لكن عندما تترسّخ السابقة بالسماح بتسجيل براءات سلاسل الدنا، فإن القطاع العام لن يكون الرابح الوحيد. وكيف يمكن تبرير هذا الاندفاع للمطالبة بالخيرات للأميركيين عندما تواصل معاهد الصحة الوطنية الإصرار على وجوب أن يكون مشروع الجينوم البشري مسعى تعاونياً دولياً تماماً؟
في مقالة تأمّلية تنظر في عقد من مشروع الجينوم، لاحظ جون بوريس (John Burris) وروبرت كوك–ديغان وبروس ألبرتس أن إحدى أعظم المفاجآت بشأن المشروع تتعلّق بتسجيل البراءات والتمويل.
وتأمّل المساهمون في مجموعة من المقالات بعنوان "من يمتلك الحياة؟" (Who Owns Life?) في سياسات براءات الاختراع المتطوّرة التي شكّلت سياق هذه المناقشات وتواصل التأثير فيها.
لقد أحسنت اللجان التي خططت للمشروع تقدير المدة التي سيستغرقها، وكم سيكلّف، وسرعة ظهور التقنيات الجديدة ومقدار فعاليتها، وكيفية إدارة الكميات الكبيرة من المعلومات. لكنها لم تتوقّع تسجيل براءات الاختراع.
في سنة 1994 فاق الاستثمار الخاص التمويل العام للمشروع. وقد تم تسجيل براءات عدة آلاف من الجينات ومترابطة الجينات، وعدة آلاف من الجينات الكاملة الطول، وأكثر من ربع مليون رابطة دنا.
افترضت لجان الخبراء أن براءات اختراع مثل هذه الأجزاء من البيانات غير قابلة للتسجيل. في النهاية، لماذا تقرّر الولايات المتحدة ثم البلدان الأخرى تسجيل براءات سلاسل الدنا أو مترابطة الجينات التي ليس لها تطبيقات أو تعريفات وظيفية معروفة؟ لم تكن تلك نتيجة واضحة.
وبالعودة إلى الوراء، يبدو من الحماقة أن اللجان تكوّنت إلى حدٍّ كبير من العلماء المشتغلين في البحوث، إلى جانب قليل من محلّلي السياسات أو اختصاصيي الأخلاقيات من دون خبراء في الملكية الفكرية أو خبراء قانونيين.
وثمة درس هنا يتعلّق بما يجب أن يعدّ خبرة ذات صلة بصنع السياسات. وبالنظر إلى أننا لا نستطيع إشراك الجميع، كيف يمكننا القيام بأفضل جهد ممكن لنغطي أهم الاحتياجات؟ وكيف يمكننا أن نضمن ألا نكرّر الأخطاء نفسها ثانية؟
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]