مواقف حياتية تثبت مدى تواضع وأخلاق مدام “ماري كوري” وزوجها
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
حياة ماري كوري وزوجها التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
أخلاق
كانت القاعدة المتبعة مع من يتسلمون جائزة نوبل هي أن يذهبوا لاستلامها بأنفسهم في استوكهلم.
ولكن الكوريَّين كانا غير قادرين على ذلك فقد كانا مريضين. وهكذا استمرا في عملهما في هدوءٍ وتواضع كما استمرا في الحرمان والعوزْ، وأنفقا كل نقودهما على تجاربهما الجديدة متناسيين، في تسامٍ روحي مجيد، مصالحهما الشخصية .
وعندما تقرَرت قيمة الراديوم العلاجية ووجدا أن له تأثيراً فعالاً في معالجة أمراض كثيرة من بينها السرطان، حثّهما اصدقاؤهما على ان يسجِّلا لنفسيهما عملية استخلاصه.
ولو فعلا لضمنا لنفسيهما ثروة طائلة، حيث كان ثمن الجرام الواحد من الراديوم يقدَّر إذ ذاك بنحو 150,000 دولار. ولكنهما رفضا الحصول على أي ربح من اكتشافهما قائلين : "إن الراديوم هو أداة للرحمة وليست للتجارة!" .
البحث … عن معمل !
لم يرفض الكوريان الأرباح فحسب وإنما رفضا التكريم أيضاً. وكان كل ما يطلبانه من دنياهما هو أن تُعطى لهما حجرة معمل جيدة للقيام بتجاربهما.
وعندما كتب مدير السوربون إلى بيير يخبره بأن الوزير قد قدَّم اسمه للحصول على وسام جوقة الشرف. رد بيَّير – تؤيده زوجه ماري : "أرجوكم التكرم بشكر سعادة الوزير وتبليغه أنني لا أشعر بأقل رغبة في الحصول على أوسمة، ولكنني في أشد الحاجة إلى معمل" .
ومع ذلك فقد سمح بيير، في مناسبة واحدة فقط، بأن يقدَّم اسمه لنيل منصب رفيع. فقد أصر زملاؤه العلماء على أن يرشح نفسه لعضوية المجمع العلمي، ولم يكن قبوله لهذا الأمر رغبةً منه في الحصول على ذلك التكريم في حد ذاته، إنما لأن ذلك سيعطيه الفرصة ليحصل على منصب أستاذ في السوربون ومن ثم يكون له الحق بالتالي في الحصول على معمل! .
للضرورة … أحكام !
شرع بيَّير في القيام على مضض بجولته على أعضاء المجمع العلمي، إذ كانت العادة المتبعة أن يقوم كل مرشح بمثل هذه الجولة يطنطن فيها عن مؤهلاته لذلك الشرف.
وإليك وصف أحد الصحفيين الباريسيين لتلك "الحملة" التي قام بها بيير لدخول المجمع العلمي : "كان بيير يشعر بالخجل رغماً عنه كلما اضطر إلى تلك الأشياء الحقيرة مثل ارتقاء السلالم ودق الأجراس ثم دخول المنازل لكي يشرح السبب في حضوره.
ولكن مما يزيد الطين بلة أنه كان مضطراً لأن يتحدث عن نفسه وعن تفوقه وأن يتباهى بعلمه واكتشافاته.
ولما كان كل ذلك يبدو محنة وعذاباً، فقد كان يُعظَّم من شأن خصمه ويمدحه بإخلاصٍ وإسهابٍ وكأنه يدعو لانتخابه قائلاً أن مسيو أماجا لديه مؤهلات أفضل مني شخصياً للدخول إلى المجمع العلمي" . وانتخب المجمع مسيو أماجا! .
درسٌ للصحفيين !
كان بيير بارعاً في محاولاته الهروب من الشهرة وكذلك كانت زوجه. وكانت وسيلتها البسيطة للتخفي هي الاّ تلجأ للتخفي! .
فلم يكن أحد يظن أبداً من النظرة الأولى لهذه السيدة الريفية الشابة وهي في ردائها الأسود المتواضع، أنها هي نفسها العالمة الشهيرة الحائزة على جائزة نوبل مرتين !!.
وذات يوم كان أحد مراسلي الصحف الأمريكية يتتبع آثار الكوريَّيْن بحماس. وسمع أنهما يقضيان إجازتهما في إحدى قرى الصيادين. وعندما وصل إلى القرية سأل عن الطريق إلى كوخهما. وعند الكوخ ألفى سيدة شابة تجلس حافية القدمين لدى الباب. سألها : هل أنت مديرة هذا المسكن ؟
– أجل
– هل السيدة موجودة بالمنزل؟
– كلا . إنها بالخارج .
– هل تنتظرين رجوعها قريبا ؟ .
– لا أظن ذلك .
وعندئذ جلس المراسل الفضولي، كعادة الصحفيين ، على عتبة الباب بجوارها وقال لها : "هل يمكنك أن تخبريني أي شيء عن أي شيء من أمورها الخاصة؟"
فأجابته : "لا شيء عندي إلاّ رسالة واحدة طلبت مني مدام كوري أن أنقلها إلى مراسلي الصحف، وهي أن تُقلِّلوا من فضولكم بحثاً عن أخبار الناس وأن تتطلعوا إلى ما هو أجدى". ولم تكن المتحدِّثة غير مدام كوري ذاتها! .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]