موضوعات الكندي في مجال الفيزيقا
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
للكندي في الفيزيقا مؤلفات كثيرة إلا أن أغلبها قد فقد وتبقى بعضها في المكتبات الغريبة، وبمعنى أدق إن ترجمات هذه المؤلفات هي التي حفظت بينما ضاع الأصل، كما لا يزال بعضها باللغة اللاتينية.
وقد تناول الكندي موضوعات فيزيقية عديدة بالبحث والدراسة، ووصل فيها إلى نتائج أصاب في بعضها وأخطأ في البعض الآخر، ومن هذه الموضوعات:
– الضوء:
فقد عرف أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة لتكون الرؤية مباشرة إذا كان المحيط يسمح للضوء بالمرور خلاله.
كما أوضح أن الرؤية تتم من خلال الزجاج لأنه شفاف، أي أن الزجاج يسمح بمرور الضوء في خطوط مستقيمة كذلك، لذا كانت الرؤية فيه تامة على نقيض الأجسام المعتمة أو غير الشفافة التي لا تسمح بمرور الضوء.
وقد عرف الكندي سير الضوء وزوايا السقوط والانعكاس، إضافة إلى خداع الأجهزة البصرية كالعدسات والمرايا غير المستوية أي المحدبة أو المقعرة، غير أن ملاحظاته كانت كيفية وليست كمية، أي أنه أدرك انعكاس الضوء وانكساره، وعرف الزوايا معرفة غير مقاسة.
ويستطرد الكندي في بحثه في الضوء فيقول: إن الضوء سرعته جد عظيمة، لذا يتم الإبصار دون ما حاجة إلى وقت !
ويقع الكندي في الخطأ الذي وقع فيه علماء حضارة وادي الرافدين، ومن بعدهم من اليونانيين، في تقرير مكان خروج الحزم الضوئية أهو العين أم الجسم المنظور؟
يقول: تبعث العين بحزمها الضوئية على هيئة مخاريط تتسع في قواعدها كلما بعدت عن العين، وتحيط بالأجسام التي تتعرض لهذه الحزم، وبذلك تتم عملية الرؤية لجزء الجسم الذي تعرض لها.
لذا خص الكندي العين بميزة تجعلها تختلف عن الحواس الأربع الأخرى، ذلك أن العين هي التي تُرسل الضوء لترى به الأجسام، بينما تتأثر الحواس الأخرى الأصح بِوَقع أو بوقوع الأشياء عليها: فالصوت يؤثر في الأذن، والطعم في اللسان، والرائحة في الأنف، والصلابة أو الليونة والخشونة أو النعومة في حاسة اللمس!.
– الحرارة:
تكلم الكندي عن تمدد الأجسام بالحرارة وانكماشها بالبرودة. يقول: (وكل جسم برد انقبض واحتاج إلى مكان أصغر من مكانه قبل برده، وكل جسم حمى انبسط واحتاج إلى مكان أعظم من مكانه قبل حميه).
– حركة الرياح:
يعلل الكندي حركة الرياح إلى ظاهرة تمددها وانقباضها، يقول في هذا الخصوص : (إذا كانت الشمس في الميل الشمالي حميت المواضع التي في الجهة الشمالية وبردت التي في الجهة الجنوبية، فسال الهواء الشمالي واتسع لحرارته إلى الجهة الجنوبية لانقباض الهواء الجنوبي ببرده؛ لذا تكون أكثر رياح الصيف شمائل وأكثر رياح الشتاء جنائب) وهو تعليل ينطبق على جو العراق حيث عاش الكندي ..
ومن الواضح أنه قد عبر عن الضغط المنخفض والضغط العالي نتيجة للحرارة والبرودة باتساع حجم الهواء الساخن وانقباض حجم الهواء البارد . وهكذا جعل سير الهواء المتمدد إلى جهة الهواء المنقبض حيث يتكون تخلخل نتيجة لانقباض الحجم فيسد الهواء الساخن المتمدد فراغ تمدد الهواء البارد المنقبض.
ويستدرك عالمنا فيأتي ببعض الشواذ عن القاعدة العامة التي بينها، بسبب طوارئ عارضة كجريان الوديان والفيضانات والمستنقعات والمروج، فإنه بهذه الأسباب وما شابهها تحدث علل يكون سيل الهواء إلى جهات مختلفة.
– ظاهرة المطر:
أوضح الكندي هذه الظاهرة، استطراداً لما ذكره عن حركة الرياح، بقوله: (فإذا تناهى البخار إلى موضع، بعده من سمت الشمس بعد يبرد جوه بالمقدار الذي يحصر ذلك البخار ويغلظه ويكثفه، استحال ما سد من الهواء ماء فانجلبت أمطار سائلة إلى الأرض ما كان فيه من البخار المائي وأرضٌ ما كان من البخار الأرضي فزحم الهواء بثقله وخفره إياه فصيَّره رياحاً، إذ إن سيلان الهواء ريح وإنما يعرض تمام انحصاره، إذا وقع ذلك البخار السائل في أغوار أو بين جبال تحجبه من السيلان عنها موافقة البرد الحاصر له هناك أو لقيه سيلان هواء يضاد سيلانه فحبسه وحصره عن السيلان).
وقد علَّل جفاف مصر وعدم هطول الأمطار فيها إلا نادراً، بأن الأبخرة التي تتصاعد بتأثير حرارة الشمس في المياه وتسير باتجاه الشمال لا يصدها هناك جبال مرتفعة باردة تحصر البخار وتكثفه وتحيله ماء. لذا نرى أن البخار يتحول إلى ندى ليلاً، أي بعد أن يبرد سطح الأرض ويتكرر هذا كل يوم تقريباً.
– ظاهرة الضباب:
تطرق الكندي إلى شرح الضباب وأسباب تكونه وأنواعه في رسالة (في علَّة كون الضباب) ولم يكتف بشرح الضباب على الأرض المنبسطة فحسب وإنما في ذروة الجبال أيضاً، وقد ميَّز بين هذين النوعين من الضباب بصورة عامة، كما أشار إلى تشابههما أحياناً بتعرضهما لظروفٍ متماثلة.
وإليك قوله في تعريف الضباب: (إن الضباب ليس هو شيء غير غمام منحط إلى وجه الأرض، يتحلل بحمى الهواء المماس للأرض، لذا إذا كان الضباب تاماً عظيماً كان دليل صحو، لأن العلَّة التي حطَّته من العلو تعدمه الموضع الأعلى من الجو الذي يمكن أن ينعقد فيه الغمام ويتحلَّب منه الماء).
هذا ما قاله عالمنا عن الضباب الذي يتكون ليلاً وفجراً ثم يتبدَّد بعد بزوغ الشمس بمدة قصيرة، وهو قول دقيق ربما لم يزد عليه أحد حديثاً إلا بتعيين نسبة الرطوبة بعد استخدام الأجهزة اللازمة لذلك!.
ثم يتكلم عن النوع الثاني من الضباب الذي لا يعقبه صحو بل يبقي الجو غائماً بعد زوال الضباب الملاصق للأرض.
ويعلل الكندي ذلك بقوله: وربما عرضت الريح العارضة في جوف الغمام في الجزء الأقرب من الأرض منه بضغط البرد للغمام من علٍ ومن جوانبه، فتزحم تلك الريح المحصورة من علٍ من إحدى الجهات المضادة للغمام إلى جهة الأرض، فينزل منه الجزء العظيم إلى الأرض، ويبقي باقيه في محله من الجو، فما عرض من الضباب بعد الدوي في الغمام وبقاء الغمام الذي في الجو الأعلى على حاله لم يكن دليلاً على صحو).
ويشير الكندي في رسالته (في علة الثلج والبرد والبرق والصواعق والزمهرير) إلى سبب تكون البرد بقوله : (فإن البرد إنما هو ماء جامد بشدة البرد) ويفرِّق بين البرد النازل من مكان قريب من سطح الأرض وبين الذي هو نازل من أماكن عالية في الجو.
فيكون الأول كبير الحجم ذا حدود أي أنه شكل هندسي ذو أوجه عديدة، لأن حدوده لا تذوب عند نزوله بسبب قربه من الأرض وعدم احتكاكه بالهواء مدة طويلة.
أما البرد الذي يتكون في طبقات الجو العليا فيكون صغير الحجم في الغالب، لمروره خلال الطبقات السفلى التي هي أكثر حرارة من الطبقات العليا، وبذا تنعدم حروفه لذوبانها نتيجة تعرضها للحرارة مدة طويلة.
وقد يكون في بعض الأحيان كبير الحجم لشدة برودة الطبقات السفلي من الغيوم، إضافةً إلى الطبقات العليا فلا يتعرض لحرارة تذيبه فيبقى حجمه كبيراً
– الكهرباء الساكنة (الاستاتيكية):
اهتدى الكندي إلى معرفتها إلا أنه لم يعرف كنهها ولم يذكر تعليلاً لها، بل جعل منها مثالاً لنورٍ ضعيف لا يُرى إلا في الظلام الدامس. يقول : ( إذا دلكت فراءً فإن ضوءاً خافتاً ينبعث منه ولا يُرى إلا في الليل المظلم).
– لون السماء:
في رسالته عن لون السماء اللازوردي، كما دعاه، يعزو الكندي هذا اللون إلى انعكاس الضوء المنبعث من الأرض باتجاه السماء، حيث تقوم ذرات البخار ودقائق الأتربة المحيطة بالأرض بعكس ذلك الضوء، لأن الظلام يحيط بها.
ويعلل ذلك بأن الهواء لا لون له ولا يُرى، ويمكن تعميم هذا على جميع الأجسام الشفافة (عديمة اللون) أما إذا لُون الزجاج وما شابهه بلونٍ ما فيكون هذا اللون عارضاً، وتُرى الأجسام التي وراءه بلونٍ مزدوج من لون الجسم الشفاف ولون الجسم المرئي، وهكذا يبدو اللون اللازوردي لأنه خليط من الظلام وضوء الأرض والكواكب.
ومن الممكن إثبات قول الكندي عن انعكاس الضوء من المحيط الشفاف إلى الرائي إذا وقع ظلامٌ وراء الجسم الشفاف.
ويبدو هذا واضحاً عندما نضع جسماُ معتماً خلف قطعة زجاجية، فإن قطعة الزجاج تقوم مقام المرآة فتعكس الضوء الصادر عن الأجسام المتعرضة لها لعدم نفاذه في الجسم المعتم كما يبدو للعين، فإذا جلست في غرفة ذات شباك زجاجي كبير وكان الوقت نهاراً ويأتي الضوء من خارج الغرفة إلى داخلها فإنك ترى كل شيء خارج الغرفة بكل الوضوح، ولا تري أثراً لانعكاس الضوء الصادر من الأجسام الموجودة في الغرفة.
أما إذا مكثت في مكانك وحل الليل واشتدت الظلمة، ثم أنرت الغرفة بمصباح، فإنك ترى زجاج النافذة الذي كان شفافا تماما أثناء النهار قد غدا مرآة في الليل، ذلك لأن النور الذي ينبعث من المصباح ينعكس في الظلمة (أي الجسم المعتم) الواقعة خلف الزجاج ويبدو زجاج النافذة كمرآة، لذا فإنك ترى صورة الغرفة وصورتك في الزجاج.
ولو أمعن عالمنا النظر في علل لون السماء لاهتدى إلى ما اهتدى إليه ابن الهيثم، إذ لو كان النور ينبعث من العين، لبدَّد هذا النور الظلمة التي تحيط بطبقة الهواء المملوءة بدقائق البخار وذرات الغبار.
– ظاهرة المد والجزر:
عالج الكندي هذه الظاهرة علاجاً علمياً مقبولاً، وعزاها إلى سمت القمر من موضع المد والجزر. وقد أصاب فيما كتب في هذا الخصوص، إذ جاءت نتائجه متفقة مع ما يحدث تماماً، إلا أنه ربط هذه الظاهرة بحرارة القمر بدلاً من جاذبيته!.
– المنظومة الشمسية:
تطرق الكندي في رسالته (في العلة التي لها تكون بعض المواضع لا تكاد تمطر) إلى علاقة الكواكب ومنها الأرض بأمها الشمس.
وقال: إن الكواكب تدور حول الشمس من المغرب إلى المشرق. وهي حقيقة ربما لم يهتد إليها أحد من قبله. ولعل النص يوضح قصده أكثر (لانحراف فلك البروج الذي هو الدائرة العظمى من كرة الشمس التي تدور جميع الكواكب من المغرب إلى المشرق على سمتها بحركتها الأولى العامة لها).
كما حاول تعرف نسبة كتلة الشمس إلى كل من الأرض والقمر، وقال إن الشمس أكبر من الأرض بست وستين ومائة مرة، بينما الأرض أكبر من القمر بأربعين مرة!. وهو كلام إن صح من الناحية الوصفية، إلا أنه خاطئ تماماً من الناحية الكمية. إذ الشمس أكبر من الأرض مثلاً بنحو 1.320.000 مرة من جهة الحجم و 333.000 مرة من جهة الكتلة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]