مُصمم ليفشل.لنسامح التصميم تفهم الفشل
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
من المفهوم أن يعتبر الفشل عند وقوعه حالة سلبية في الهندسة، كما في الحياة، – وهو شيء يجب تفاديه مهما كانت التكلفة. فبعدما نسمع أن جهازاً ما قد تعطّل أو أن منظومة ما قد فشلت، نبدأ، حال وقوع العطل أو الفشل بالتفتيش عن الأسباب والمسببين، بالرغم من انشغالنا بالبحث عن الضحايا أو التخلّص من الحطام. نريد أن نعرف كيف ولماذا حصل كلّ عطل لكي نستطيع تحاشي وقوعه ثانية في المستقبل. هل كان التصميم خاطئاً؟ هل المواد المستخدمة ذات نوعية رديئة؟ هل حصل إهمال في عملية البناء أو التصنيع؟ هل الأجزاء المستخدمة فيها خلل أو متصدّعة؟ هل وقع إهمال في الصيانة؟ هل تعدّى الاستخدام الحدود المتوقّعة؟ هل حدث تخريب أو إرهاب؟ هذا هي نوع الأسئلة التي تعتبر محورية في حالة تحليل الفشل للوقوف على الإجابات، وهي الأسئلة التي يجب أن تُسأل وأن تجاب إذا أردنا الوصول إلى حقيقة الأمر لكي نضع اللوم والمسؤولية بالاتجاه الصحيح، وحسب المناسب وحسب الحالة، فالأجهزة والمنظومات يمكن أن يعاد تصميمها وتُعاد إلى الخدمة، وعلينا كذلك طرح الأسئلة المناسبة لتبرئة الأشياء التي تفشل ومصمّميها عندما لا يكونون مخطئين.
هناك جانب آخر من الفشل، والذي يضع المدلول الازدرائي لكلمة (الفشل) تحت ضوء إيجابي. فنحن نريد بعض الأشياء أن تتعطّل، وإلا سنكون محبطين في استخدامنا لها، بل حتى قد نتضرّر من ديمومة هذه الأشياء. ففي بعض الأحيان يتعطّل الجزء لإنجاح المنظومة الأكبر الذي هو جزء منها، أو على الأقل يقاوم إساءةً ما لضمان سلامة المنظومة، والتحدّي للمهندس في هذه الحالة هو تصميم أجهزة ومنظومات تتميز بحالات معرّفة جيّداً ومتوقّعة من الفشل ونقاط العطل (Breaking Points) لكي تحصل الأعطال والانهيارات في وقت متوقّع لها أن تحصل، وهذا هو الحال في السقوف المصنوعة من الخيش للمسارح الخارجية. تصمم هذه السقوف لكي تحتوي على وصلة ضعيفة متصلة بالسقف تكون معرّضة للفشل عندما تشتدّ الريح [قبل السقف]، لكي لا يكون ضغط الهواء على الهيكل أكبر مما يمكن تحمّله. في مهرجان ولاية إنديانا صيف 2011 عندما انفصلت الوصلة الضعيفة قبل ابتداء الحفلة الموسيقية، ويبدو أنه أعيد ربطها بطريقة قاومت فيه الريح الذي بلغت سرعته 70 ميلاً في الساعة، وهذه السرعة هي أعلى بكثير من السرعة التصميمية البالغة 20 ميلاً في الساعة، لذا انهار المسرح بكامله، وقتل 5 اشخاص وجرح 45 لأن الفشل المحتسب في التصميم لم يحصل.
يعترض بعض المهندسين على ربط كلمة فشل بأي شيء يعمل كما هو مصمم، ولكن، في الواقع، إن بعض الأجزاء تُصمّم لكي تفشل حسب تسلسل محسوب، عند ذلك يمكن اعتبار ما حصل من فشل متوقّع هو فشل ونجاح في آنٍ واحد، وقد يكون من السخرية تسمية فشل ما نجاحاً أو تسمية نجاح ما فشلاً، ولكن هذا ما يحدث احياناً. ففي مهمة أبولو 13 التي كان من المخطط أن ترسو على القمر، لكن المهمة أوقفت وسميت "بالفشل الناجح" لأنه بالرغم من الانفجار الذي حصل عندما قطعت المركبة يومين في مسارها، استطاع الرواد إنقاذ المنظومة والعودة بها سالمين إلى الأرض، وقد صُوّر الحادث بشكل دراماتيكي في الفلم أبولو 13 حيث نطق الممثل توم هانكس (Tom Hanks) عبارته التي أصبحت مشهورة " هيوستن، لدينا مشكلة".
المصطلح "فشلٌ أُحسنت إدارته" (Managed Failure) تم استخدامه في حالات تكون أنواع معيّنة من الفشل قد صُمّمت ضمن ما يعتبر منظومةً متينة التصميم لكي تكون "قادرة على تحمّل سوء استخدام ناجح". فعلى سبيل المثال، يمكن للزجاجة الأمامية للسيارة أن تتعرّض للكسر في ظروف غير متوقّعة، ولكنها ظروف محتملة، كتعرّضها لضربة حجر، أو أن تصطدم برأس أحد الركّاب، ويمكن للزجاجة أن تصمم لكي تتحمّل ضربة الحجر، ولكننا لا نريدها أن تُصمّم بحيث تتحمل ضربة رأس الراكب عند الاصطدام. فتصميم الزجاجة الأمامية لتكون ضدّ التشظّي كي لا تتفتت إلى قطع زجاجية جارحة، هي إحدى الطرق في إدارة الفشل من خلال آلية للتضحية. فمن الأفضل بعد حادث السيارة أن يتمّ استبدال زجاج مكسور (غير مشظّى) بدلاً من التعامل مع جمجمة مكسورة.
تعرض الطبيعة نماذج عديدة لجوانب هندسية، فهي تقدّم أمثلة عديدة لفشل ذي نتائج مرغوبة. فقشر البيضة هيكل رائع لمقاومة الضغوطات الخارجية التي تتعرّض لها البيضة خلال عملية التبيض. بعد ذلك قد تكون القشرة سبباً لانقراض الدجاج إن لم تكن سهلة الانكسار من الداخل بمنقار الفرخة الضعيفة، وسواء كان ذلك بسبب، أو بأثر التطوّر الوراثي، فقشرة البيضة تعمل [بنجاح]، وسواء من خلال التصميم أو من طريق الصدفة، يمكن كسر قشرة البيضة من الخارج أيضاً بصدمة بسيطة بأرض صلبة، أو من خلال منقار حادٍّ، أو مخالب حيوان مفترس، أو بضربة على حافة مقلاة لتوفير غذاء لأجناس أخرى. فالخطُّ الفاصل بين النجاح والفشل، بين تصميم ناجح وآخر فاشل، يمكن أن يكون رقيقاً كقشرة البيضة، أو برقة شقّ تصعب رؤيته. فمن منّا لم يكن حذراً عند التسوّق في فحص دزينة البيض التي نختارها للتأكّد من خلوّها من بيضات مكسورة، نضعها بتأنٍّ في عربة التسوق حريصين ألّا نضع فوقها أكياساً ومواد أخرى، ثم نحذر في سياقة السيارة من الحُفر والمطبّات التي قد تؤثّر في البيض عند العودة، ثم نقْلُ البيض من الكارتون إلى مواقعها في الثلاجة، لنفاجأ ببيضة مكسورة أو أكثر، وبينما تعتبر هذه الحالة تجربة مزعجة، لكنها لا ترقى إلى اعتبارها كارثة.
لكن إغفال شقّ على جسم طائرة، يراها المهندسون كقشرة من نوع آخر، قد يؤدي إلى تبعات كارثية: ففي عام 1988 كان الحال مع الرحلة 243 لطيران ألوها (Aloha Airlines) التي كانت في رحلة من هايلو (Hilo) إلى هونولولو في هاواي. كانت الطائرة بوينك 737 على ارتفاع 24000 قدم عندما تقطّع بشكل متفجّر جسم الطائرة وأدّى إلى تخلخل الضغط داخلها، ورمى مضيف الطائرة إلى خارجها، ومزّق جزءاً كبيراً من سقفها. هذا الفشل الكارثي كان قد بدأ بشقٍّ بالتأكيد، واستمر بالتوسّع إلى حدود حرجة من خلال اندماج الصدأ والتحميل والتفريغ المتكرّر – ويطلق على هذه الظاهرة الإجهاد المعدني (Metal Fatigue) وقد لاحظ أحد الركاب عند ركوبه الطائرة الشقّ الموجود على جسم الطائرة، لكنه لم يخبر أحداً بذلك ظنّاً منه بأن المفتشين ربما قد لاحظوا الشقّ واعتبروه غير مؤذٍ، وبالرغم من أن جزءاً كبيراً من سقف الطائرة قد تحطم، الإ أن الطائرة استطاعت الهبوط بسلام في ماوي (Maui)، ونبّه هذا الحادث قطاع صناعة الطائرات لأهمية اكتشاف الشقوق والإبلاغ عنها.
حصلت حادثة مماثلة في ربيع عام 2011 ولكن دون ضحايا. فقد كانت الرحلة 812 من خطوط ساوث-ويست (Southwest Airlines) في طريقها من فينكس (Phoenix) إلى ساكرامنتو (Sacramento) عندما حصل انخفاض ضغط متفجّر أدّى إلى انحدار الطائرة بسرعة إلى ارتفاع أكثر انخفاضاً ثم هبوطها اضطرارياً في يوما (Yoma). وقد عزي سبب التمزّق الذي طوله 5 أقدام في جسم الطائرة إلى وجود شقوق على طول جسم الطائرة في قشرة الألمنيوم المنفصلة سبّبها الإجهاد، وقد اجتازت الطائرة البوينك 737 40.000 دورة من الإقلاع والهبوط، ولم يكن متوقّعاً أن يبدأ ظهور الشقوق في قشرة الطائرة لحين الوصول إلى 60.000 دورة تقريباً، وتبيّن من الفحوصات التي أجريت على الجزء المتأثّر من جسم الطائرة وجود عيوب تصنيعية في المفاصل المبرشمة، واعتُبر أن ذلك هو السبب الأكثر احتمالاً لحصول الشقوق المبكرة في قشرة الهيكل والتمزّق الذي تبعه. فقد وجد أن ثقوب البرشام "بيضوية بدلاً من أن تكون دائرية"، لذا فهي لم تستقم بشكل مناسب، مما أدى إلى تحمّلها قوة مركزة أكبر مما كان متوقّعاً لها من قبل مصمّمي الطائرة. يدلّ الحادثان اللذان وقعا لألوها وساوث-ويست ولم يؤديا إلى الانهيار الكامل وفقدان جميع من هم على متن الطائرتين، على مدى تقدّم الجهود التصميمية للطائرات منذ الحوادث الغامضة التي كانت تقع في الخمسينات لطائرات دي هافيلاند كومت(de Havilland Comets) وهي الطائرات النفّاثة الرائدة التي أدّت شبابيكها المربعة الشكل إلى حدوث شقوق تفاجأ بها الجميع، والدروس التي تم تعلمها من حالات الفشل هذه قادت صناعة الطائرات إلى النجاحات المتحقّقة في طائرات اليوم.
على عكس البيض، فالمكسّرات [كالجوز والبندق وسواهما] معروفة بصلابة قشرتها، وبعضها لا يمكن استخراج ما بداخلها إلا باستخدام الضغط واستعمال آلات ميكانيكية – كسّارة البندق – صممت خصيصاً لتُحدث شقّاً وفشلاً في القشرة، وفي الواقع تستخدم العبارة "جوزة صعبة الكسر" للدلالة على مسألة صعبة الحلّ، أو لغز غير واضح الحل، وبعض أنواع المكسرات الصعبة والكبيرة، كالجوز، يمكن أن تكون صعبة الكسر حتى باستخدام كسّارة اليد ذات النابض المحمّل (Spring-Loaded Nutcracker). والعديد منّا اكتشف أن استخدام اليد البشرية، خاصة إن كانت اليد كبيرة الحجم، بوضع جوزتين مع بعضهما والضغط عليهما يؤدّي إلى خضوع إحداهما ولضغط الحافة القوية للأخرى. فكتلتان من نفس النوع والصنع قد لا تكونا متساويتين في المقاومة والفشل، وأي من الجوزتين ستنجح في أن تكسِرَ الأخرى يعتمد على العديد من ظروف خارج – التصميم (Extra-Design)، بضمن ذلك كيف تمّ تركيب الجوزتين في اليد، وأي من قشرتيهما قد تحتوي على شقّ خفيف ربما قد حدث جرّاء محاولة سابقة لصراع جوزة وأخرى.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]