نبذة تعريفية عامة حول عملية “الغوص” تحت الماء
2002 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثالث عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
عملية الغوص العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
الغوص يعني الدخول تحت الماء، والمغاص هو المكان الذي يستخرج منه المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ. والغوص مهنة قديمة جدا.
إن أجمل اللالئ هي التي تستخرج من الخليج العربي حيث تكثر فيه المغاصات، فهناك مغاصات الكويت مثل: عارض يوسف، وأبو ظلام، وعفيصان وغيرها، إلى جانب مغاصات عمان، والبحرين، والقطيف، وقطر.
ومن المهم أن نعرف أنه لا توجد حدود فاصلة بين المغاصات، لكن بالطبع يختلف القعر في المغاصات المختلفة، ويظهر الاختلاف في الأعشاب الموجودة، والصخور، والرمال.
تسمى المغاصات أيضا «هيرات». ويذكر المؤرخ الكويتي المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت» أن هيرات تحريف لكلمة «هجرات»، لأن الغواصين يهجرون الهير الذي يستخرجون منه المحار ويتجهون إلى هير (مغاص) آخر.
وكان لحرفة الغوص أهمية كبيرة في بلدان الخليج العربي وذلك قبل اكتشاف النفط، فقد كان أهم مصادر الدخل، وهو من أصعب الأعمال وأخطرها، ويتطلب الشجاعة والصبر، والعمل الجماعي.
وللغوص مواسم أهمها موسم الغوص الكبير الذي يبدأ في شهر مايو عندما تصبح المياه دافئة، وتسمى «الركبة»، وينتهي في شهر سبتمبر، وتسمى النهاية «القفال».
لكن إذا صادف حلول شهر رمضان، كانت سفن الغوص تعود إلى أرض الوطن لتأدية فريضة الصوم، وبالتالي تتأخر العودة النهائية إلى شهر أكتوبر.
وللغوص مواسم محددة:
موسم الخانجية: يبدأ في شهر أبريل حيث تتوجه بعض السفن إلى المغاصات القريبة.
موسم الردة: ويتم في شهر أكتوبر، وتتتوجه السفن إلى المغاصات القريبة أيضا.
وموسم الرديدة: يبدأ في أعقاب عودة الغاصة (أي: الغواصين) من الغوص الكبير.
وتستغرق رحلة الغوص نحو أربعة أشهر، وخلالها تذهب السفن إلى بعض المواني القريبة للراحة ولشراء بعض ما يحتاجون إليه في رحلة الغوص.
العاملون في سفينة الغوص
يطلق على العاملين في السفينة اسم «بحرية»، وهم على النحو التالي:
1- النوخذا: رئيس أو ربان السفينة، وله خبرة بمسالك البحار وأماكن المغاصات واتجاهات الريح؛ ويعمل الجميع تحت إمرته ولا يخالفون رأيه وأوامره.
2- الجعدي: وهو الشخص الذي يحل محل النوخذا، عند الضرورة.
3- المجدمي (المقدمي)» رئيس البحرية، والمسؤول عن إدارة السفينة من الداخل.
4- السيب: وهو الذي يقوم بسحب الغواص بواسطة حبل النجاة من البحر بالإضافة إلى قيامه ببعض الخدمات الأخرى.
5- الرضيف: ويقوم أحيانا بمهام السيب.
6- التباب: وهو من صغار السن ويكون الهدف من وجوده في رحلة الغوص هو التدرب على العمل وركوب البحر، ويقوم ببعض الخدمات على ظهر السفينة.
7- النهام: وهو مغني السفينة ويردد الأغاني التي تتناول بعض ما سوف يتعرض له البحارة في رحلتهم، ويشجعهم ويدعوهم إلى التوكل على الله، سبحانه وتعالى، ويشترك البحارة معه في الغناء.
هذا إلى جانب العزال الذي يغوص لحسابه الخاص.
عملية الغوص:
إن عملية الغوص شاقة وخطيرة، ويتعرض خلالها الغواص للخطر بسبب بعض الأسماك مثل سمك القرش (الجرجور)، واللخمة، والدجاجة، إضافة إلى ما تتعرض له السفينة من العواصف.
أما عملية الغوص فإنها تبدأ بنزول الغواص إلى قاع البحر. بمعدات بسيطة جدا. لكن السؤال هو: كيف تكون البداية؟
يصدر النوخذا أمره عندما تصل السفينة إلى المغاص، فيبدأ كل بحار عمله، بعد شروق الشمس بساعة تقريبا يبدأ عمل الغواص.
فهو أداة الإنتاج المهمة وعماد الغوص. يمسك السيب الحبل المربوط في وسط جسم الغواص الذي ينزل إلى قعر البحر، وهو يرتدي «الشمول»، وهو قطعة من القماش الخفيف الأسود، كثيرا ما كان يغوص عاريا إلا مما يستر عورته.
ويأخذ الغواص معه سلة «الديين»، ويعلقها في رقبته ليضع فيها المحار الذي يجمعه من قعر البحر. أما الحجر فهو قطعة نسيج من الرصاص الثقيل تساعد الغواص على النزول في أعماق البحر.
وهنا نود أن نذكر ما كتبه المرحوم عيسى القطامي في كتابه «دليل المحتار عن عملية الغوص».
«يوجد في الحجر حلقة من الحبال ينفذ من ثقب فيها، وقد لف حول الحلقة قطعة من القماش الناعم لئلا تؤذي رجل الغواص التي يدخلها في هذه الحلقة.
ويتصل بالحلقة حبل رقيق يسمى «زيبل». وهناك معدات الغوص، وهي: الفطام أي مشبك الأنف، وهو عبارة عن قطعة من عظام الحيوانات. وهناك أيضا الديين وهو سلة صغيرة. أما أصابع اليد فلها قطعة من جلد البقر».
يبقى الغواص في القاع نحو دقيقتين، وفي حالات نادرة يرفعه السيب إلى سطح الماء للراحة، ثم يعود إلى القاع مرة أخرى. ويطلق على كل مرة يغوص فيها اسم «تبه» بينما يطلق على العشر مرات «قحمة».
وعندما يحين وقت الصلاة يتوقف الغواص عن الغوص ويخرج من البحر لأداء الفرض، ويبدأ عمله من بزوغ الشمس إلى غروبها.
أما بالنسبة للوجبات فقد كانت بسيطة، محدودة؛ وتتكون من التمر والأرز والسمك والشاي والقهوة، واللحم أحيانا.
إن الحياة على سطح السفينة تحتاج إلى الصبر والإرادة والعزيمة، كما أن الغوص في قاع البحر يتطلب الشجاعة والقوة، وتحمل الأمراض التي قد تصيب الغواص، مثل أمراض الأذن والعيون والجلد.
فلق المحار:
يا لها من لحظات سعيدة، ولكنها تثير القلق، لأن الغواص يبحث خلالها عن ثمرة جهده في داخل المحار.
يبدأ البحارة عملهم هذا في الصباح الباكر قبل الغوص، حيث ينقسمون إلى عدة مجموعات، فيمسك كل بحار المفلق، وهي آلة حديدية تشبه السكين، يفلق، (أي يفتح) بواسطتها المحارة تحت إشراف النوخذا الذي يتسلم حبات اللؤلؤ من البحارة ويضعها في قطعة قماش، ويحفظها في صندوق معد لها.
وبعد انتهاء موسم الغوص تعود السفن إلى الكويت، وأحيانا يكون النوخذا قد أتم بيع اللؤلؤ على صغار الطواشين (تجار اللؤلؤ)، وهم الذين يشترونه عند المغاصات. وهناك طائفة كبار الطواشين، وهم الذين يشترون اللؤلؤ من الطائفة الأولى.
وبعد ذلك تتم عملية توزيع إيراد رحلة الغوص، وذلك بعد أن يخرج منه الخمس لمالك السفينة وقيمة الزاد.
ثم يقسم الباقي على العاملين في السفينة، فالنوخذا له ثلاثة أسهم، والغواص ثلاثة أسهم، والسيب سهمان، والرضيف والنهام والطباخ لكل منهم سهم واحد ويستقطع نصيب الحكومة، أي ضريبة الغوص، وهي ثلاثة أسهم.
ويتراوح مقدار السهم بحسب حصيلة الرحلة وثمن بيع اللؤلؤ. وعلى الرغم من الجهد والتعب وألم فراق الأهل، فإنه ليس بالضرورة أن تكون ثمرة الرحلة وفيرة وتعين البحار على ديونهم.
فمن المعروف أن بعض النواخذة يقترضون من التجار لتمويل رحلة الغوص. كذلك يقوم النوخذا في الشتاء بتسليف بحارته مبلغا من المال يسمى تسقام، وأحيانا يكون عبارة عن أرز وتمر.
وقد يعطي النوخذا البحارة «سلفة» قبل رحلة الغوص، لكي يقوموا بتوفير الزاد وغيره لأهاليهم، وبالتالي يكون على البحارة إعادة هذه المبالغ بعد انتهاء الموسم، حيث يكون النوخذا قد سجلها في دفتر خاص بالحسابات. وتتراكم هذه الديون على البحار الذي يسعى بكل طاقته لتسديدها.
والحقيقة أن للغوص نظامه وتقاليده المتعارف عليها، كما كان للغوص آثاره وانعكاساته الكثيرة على المجتمع الكويتي والخليجي بشكل عام.
فكان العمل الجماعي، والتعاون، وازدهار السوق قبل موسم الغوص ثم الركود الذي يصيبه، وبعد ذلك الانتعاش عندما تعود السفن. هذا إلى جانب انعكاساته على الفن والأدب وجميع مظاهر الحياة.
لقد تعرضت مهنة الغوص لبعض النكبات بعد ابتكار اللؤلؤ الياباني الصناعي، والأزمة الاقتصادية العالمية في عامي 1929 و1930، واكتشاف البترول، ومن ثم تحول الكثير من العاملين في الغوص إلى العمل في مجالات أخرى.
وبعد ذلك أصبح النفط المورد الأساسي للدخل القومي في الكويت، ولم يعد للغوص أي وجود منذ أواخر الخمسينيات من هذا القرن، لكن في السنوات الأخيرة اهتمت دولة الكويت بإحياء الغوص وتذكير أهل الكويت بما كان يقوم به الآباء والأجداد.
ولكن ما زال الغوص مطلوبا في العصر الحاضر. وذلك لأغراض أخرى: كالبحث العلمي في أعماق البحار، وإصلاح السفن وتعويمها، والبحث عن الكنوز والآثار القديمة الغارقة.
ولكن تتخذ أدوات حديثة، كحلة الغواص وأنابيب الأكسيجين للتنفس تحت الماء. هذا فضلا على الأشكال المتنوعة من الغواصات.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]