نبذة تعريفية عن أجزاء “الطائرة” وآلية عملها وكيفية تغيير مسارها
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الطائرة أجزاء الطائرة آلية عمل الطائرة كيفية تغيير مسار الطائرة أدوات الفيزياء
جَذَبَتْ الطُّيورُ أَنْظارَ الإنْسانِ منذُ القِدَمِ، بِتَحليقِها في السَّماءِ في رشاقَةٍ وسُهولَةٍ تَشْهَدُ علَى إبداعِ الخالِقِ، سُبْحانَهُ وتعالَى. فَقَدْ حَباها اللهُ بطبيعَـةٍ مُتَفَرِّدَةٍ مـن خِفَّـةِ الــوَزْنِ وانْـسيــابِ الشَّكْـلِ.
وفي المُقابِلِ يَبْدو الإنْسانُ ثقيلاً جِدًّا، ما إِنْ يَعْلو فَوْقَ سَطْحِ الأَرْضِ قليلاً حتَّى يعودَ إليْها ثانيةً بِقُوَّةِ الجاذِبِيَّةِ الأَرْضِيَّةِ.
ولِقُرونٍ عَديدَةٍ ظلَّ الطَّيرَانُ تَحَدِّيًا يُراوِدُ الإنْسانَ ويُثيرُ هِمَّتَهُ تارةً بالتَّأَمُّلِ والخَيالِ، وأُخْرَى بِمُحاوَلَةِ التَّقْليدِ.
وتعودُ أُولَى مُحاولاتِ الطَّيرانِ إلَى عَبَّاسِ بنِ فرْناسِ الّذي رَكَّبَ جَناحًا في كلٍّ من ذراعَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لم يَكُنْ كافِيًا لِكَيْ يُحَلِّقَ باتِّزانٍ. وأَعْمَلَ المُبْتَكرُونَ الفِكْرَ والدِّراسَةَ والتَّجْريبَ لِعِدَّةِ قُرونٍ حتَّى لاحَتْ بَشائِرُ النَّجاحِ.
وكانَ «أوتو ليليْنِثيل» أَوَّلَ مَنْ طارَ بِطائِرَةٍ أَثْقَلَ مِنَ الهواءِ عامَ 1891، وكانَتْ بِجَناحَيْن وبدونِ مُحَرِّكٍ، ويَتِمُّ التَّحَكُّمُ فيها من خِلالِ حَرَكَةِ جِسْمِ الطَّيَّارِ.
ثمَّ تَلاه الأَخَوَانِ «رايْت» في عام 1903، فكانا أَوَّلَ مَنْ حَلَّقَ بطائِرَةٍ بِمُحَرِّكٍ تَرَدُّدِيٍّ ولها أَسْطُحٌ للتَّحَكُّمِ، ولَمْ تَدُمْ أَوَّلُ مُحاوَلَةٍ سِوَى 17 ثانيةً فَقَطْ.
وأَثْمَرَتْ الجُهودُ المُتَّصِلَةُ عُلومًا مُتَخَصِّصَةً وصِناعَةً مُتَطَوِّرَةً، حتَّى إِنَّ المُدَّةَ من 1940 إلَى 1980 جَديرَةٌ بأنْ تُسَمَّى «عَصْرَ الطَّيرانِ».
وتُعْطِي الطّائِرَةُ «إف 14» مَثَلاً لِطائِرَةٍ مُقاتِلَةٍ حَديثَةٍ مُتَعَدِّدَةِ المَهامّ، يُمْكِنُها الإقْلاعُ منْ السُّفُنِ حامِلَةِ الطّائِراتِ، وتَبْلُغ أَقْصَـى سُرْعَةٍ لها 2550 كيلومتر/ ساعة (أيْ 204 قَدْرَ سُرْعَةِ الصَّوْتِ) علَى ارْتِفاعِ 15 كيلومترًا.
ولنَبْدَأ بِوَصْفِ الأَجْزاءِ الأَساسِيَّةِ للطَّائِرَةِ المُعْتادَةِ:
«الجِسْمُ» هو الّذي يَحْوِي في داخِلِهِ حُمولَةَ الطّائِرَةِ من رُكّابٍ وبَضائِعَ أو أَسْلِحَةٍ وقَنابِلَ وصَواريخَ. ولِكَيْ يُؤَدِّيَ مُهِمَّتَهُ تُهَيَّأ فيه الظروفُ المُناسِبَةُ للاسْتِعْمالِ مِنْ دَرَجاتِ حَرارَةٍ وضَغْطٍ.
وفي مُقَدِّمَةِ الجِسْمِ تَقَعُ «غُرْفَةُ القِيادَةِ»، حيثُ يُمْكِنُ للطَّيّارِ أنْ يَتَحَكَّمَ في حَرَكَةِ الطَّائِرَةِ، وبها العديدُ من وَسائِلِ مُراقَبَةِ بياناتِ الطَّيرانِ، وكذَلِكَ بياناتِ أَنْظِمَةِ الطَّائِرَةِ المُخْتَلِفَةِ كالمُحَرِّكاتِ والمِلاحَةِ الجَوِّيَّةِ والتَّحَكُّمِ.
ويُثَبَّتُ في الجِسْمِ العديدُ من أَجْزاءِ الطَّائِرَةِ الأُخْرَى، لَعَلَّ أَهَمَّها هو الجَنَاحُ. وهو المسؤولُ عن تَوْليدِ قُوَّةِ الرَّفْعِ الّتي تُمَكِّنُ الطَّائِرَةَ من الارْتِفاعِ في الهواءِ، كما يُمْكِنُ أنْ يحوِيَ في داخِلِهِ خِزاناتِ الوَقودِ.
ومِنْ هذهِ الأَجْزاءِ أيضًا «مَجْموعةُ الذَّيْلِ» بِجُزْأَيْها الأَساسِيَّيْن: «الموازِنِ الرَّأْسِيِّ» و«الموازِنِ الأُفُقِيِّ»، وهي مَسْؤولَةٌ عنْ اتزانِ الطَّائِرَةِ.
ومِنَ الأَجْزاءِ الرَّئيسِيَّةِ «المُحَرِّكاتُ»، وهي تَقومُ بِدَفْعِ الطَّائِرَةِ وإكْسابِها السُّـرْعَةَ المطلوبَةَ. ويَتِمُّ تَرْكيبُ المُحَرِّكاتِ عادَةً تَحْتَ أَجْنِحَةِ الطَّائِرَةِ كَما في مُعْظَمِ الطَّائِرَاتِ المَدَنِيَّةِ، وفي داخِلِ جِسْمِ الطَّائِرَةِ فِي الكثيرِ مِنَ الطَّائِرَاتِ الحَرْبِيَّةِ.
وفي أَسْفَلِ الطَّائِرَةِ توجدُ «مجموعاتُ العَجَلِ» (في الغالِبِ ثلاثةٌ وقَدْ تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ في الطّائراتِ الضَّخْمَةِ)، وبواسِطَتِها تَسيرُ الطَّائِرَةُ علَى المَدْرَجِ، وهِيَ أَوَّلُ ما يُلامِسُ الأَرْضَ في أثناءِ هبوطِ الطَّائِرَةِ.
وفي مُعْظَمِ الطّائراتِ تُطْوَى مَجموعاتُ العَجَلِ في داخِلِ تجاوِيفَ مُخَصَّصَةٍ في الجِسْمِ أو الأَجْنِحَةِ بَعْدَ الإقْلاعِ بِقَليلٍ، ثمَّ تعودُ إلَى مكانِها الأَصْلِيِّ قُبَيْلَ الهُبوطِ.
ولكنْ كَيْفَ تَسْتَطيعُ هَذِهِ الطَّائراتُ الثَّقيلَةُ أَنْ تَطيرَ؟
يُمْكِنُنا أَنْ نَحْصُرَ أَرْبَعَ قُوًى رَئيسِيَّةً تُؤَثِّرُ في الطَّائِرَةِ، هي: الوَزْنُ، والرَّفْعُ، والمُقاوَمَةُ، والدَّفْعُ. وأَوَّلُ ما تَحْتاجُ إليهِ الطَّائِرَةُ هِي قُوَّةُ "رَفْعٍ" تَسْتطيعُ أَنْ تَتَغَلَّب بِها علَى ثِقَل "الوَزْنِ".
ولا شَكَّ أنَّ أَهمَّ أَسْرارِ الطّيرانِ تَكْمُنُ في الجَناحَيْنِ، فإنَّهما مَصْدَرُ قُوَّةُ الرَّفْعِ هَذِهِ. لِنبدَأْ بتَجْرِبَةٍ بَسيطَةٍ تُبَيِّنُ كَيْفَ يَقومانِ بِذَلِكَ. أَمْسِكْ وَرَقَةً خَفيفَةً (5 سم × 20 سم) مِنْ حافَتِها؛ سَتَنْثَنِي الوَرَقَةُ وتَتَدَلَّى لأسْفَلِ.
وقَرِّبْ الوَرَقَةَ من شَفَتَيْكَ وانْفُخْ بِقُوَّةٍ فَوْقَ سَطْحِها العُلْوِيِّ؛ سَتَرْتَفِعُ الوَرَقَة حتَّى يَنْتَهِيَ خُروجُ الهواءِ مِنْ فَمكَ فَتَعودَ الوَرَقَةُ إلَى حيثُ كانَتْ. فما تَفْسيرُ ذَلِكَ؟
قَبْلَ نَفْخِ الهَواءِ كانَ ضَغْطا الهواءِ علَى سَطْحَيْ الوَرَقَةِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ مُتَساوِيَيْن، ولِذَلِكَ انْثَنَتْ الوَرَقَةُ تَحْتَ تأثيرِ وَزْنِها. أمَّا عِنْدَ نَفْخِ الهواءِ، فَقَدْ حَدَثَتْ ظاهرةٌ جديدةٌ؛ لَقَدْ اكْتَشَفَ العُلَماءُ منذُ وَقْتٍ بعيدٍ أنَّ الهواءَ المُنْسابَ إذا زادَتْ سُرْعَتُه قَلَّ ضَغْطُهُ.
وعلَى هذا فإنَّه عِنْدَ نَفْخِ الهواءِ فَوْقَ السَّطْحِ العُلْوِيِّ لِلْوَرَقَةِ اكْتَسَبَتْ طَبَقَةُ الهواءِ المُلاصِقَةُ لهذا السّطحِ سُرْعَةً، وبالتَّالي قَلَّ ضَغْطُها.
وهكذا أصبحَ ضَغْطُ الهواءِ فَوْقَ سَطْحِ الوَرَقَةِ العُلْوِيِّ أَقَلَّ من ضَغْطِهِ تحتَ سَطْحِ الوَرَقَةِ السُّفْلِيِّ. وهذا الفَرْقُ في الضَّغْطِ هو الّذي وَلَّدَ قُوَّةَ رَفْعٍ تَغَلَّبَتْ علَى وَزْنِ الوَرَقَةِ فرَفَعَتْها.
إنَّ هذه الظّاهِرَةَ نفسَها هي الّتي تُمَكِّنُ الجناحَ مِنْ تَوْليدِ قُوَّةِ الرَّفْعِ، ولَكِنَّها تَحْدُثُ بِأُسْلوبٍ آخَرَ مُبْتَكَرٍ. إنَّه الشَّكْلُ الانْسيابِيُّ الّذي يُمَكِّنُه من أنْ يُوَظِّفَ هذه الظاهِرَةَ كأَحْسَن ما يكونُ.
فَلَوْ أَخَذتَ مَقْطَعًا من جَناحِ طائِرَةٍ ونَظَرْتَ إليْه لوَجَدْتَ لهُ شَكْلاً خاصًّا. يَتَمَيَّزَ هذا الشَّكْلُ بأنَّ الهواءَ المُنْسابَ فَوْقَ سَطْحِهِ العُلْوِيِّ يَقْطَعُ مَسَافَةً بَيْنَ النُّقْطَتَيْن أ، ب (بطولِ 10 وَحَداتٍ)، وهي أَطْوَلُ مِنْ تِلْكَ الّتي يَقْطَعُها الهواءُ المُنْسابُ تَحْتَ السَّطْحِ السُّفْلِيِّ، بَيْنَ النُّقْطَتَيْنِ ج، د (بطولِ 9 وَحَداتٍ).
ولِكَيْ يَقْطَعَ كلاهُما المسافَةَ في الوَقْتِ نفسِه، فإنَّ سُرْعَةَ الهواءِ علَى السَّطْحِ العُلْوِيِّ لابُدَّ أنْ تَزيدَ علَى سُرْعَتِهِ علَى السَّطْحِ السُّفْلِيِّ.
ولَوْ طَبَّقْنا القاعِدَةَ الّتي أَشَرْنَا إليْها فإنَّ الهواءَ الأَسْرَعَ يَقِلُّ ضَغْطُه، وهكذا فإنَّ ضَغْطَ الهواءِ فَوْقَ الجَناحِ يكونُ أَقَلَّ مِنْ ضَغْطِهِ تَحْتَ الجناحِ. وتَتَوَلَّدُ عنْ هذا الفَرْقِ في الضَّغْطِ قُوَّةُ الرَّفْعِ.
وبِتَجْميعِ هَذه القُوى لِتَشْمَلَ كلَّ سَطْحِ الجناحِ تَنْشَأ قُوَّةُ رَفْعِ الجناحِ الكُلِّيَّةِ، وهِيَ الّتي تَحْمِلُ الطَّائِرَةَ وتُمَكِّنها مِنَ التَّحْلِيقِ في الهواءِ.
ولكنْ لِقُوَّةِ الرَّفعِ هذه ثَمَنٌ. إنَّه بِبَساطَةٍ إعاقَةٌ (مقاومَةٌ) صغيرةٌ يسبِّبُها الجناحُ لِمُرورِ الهَواءِ حَوْلَه. أَتُحِبُّ أَنْ تَشْعُـرَبِـقُوَّةِ المُـقَاوَمَـةِ هـذهِ؟ لَـعَلَّـكَ فَـعَـلْـتَ ذَلِكَ مِـرارًا. إذا أَخْرَجْتَ يَدَكَ من نافِذَةِ السَّيَّارَةِ وهي تَسيرُ بِسُرْعَةٍ دَفَعَها الهواءُ لِلْخَلْفِ.
ولَوْ أَدَرْتَ كَفَّكَ ليُصْبِحَ في مُواجَهَةِ الهواءِ زادَتْ المُقاوَمَةُ. أَتَعْرِفُ لِماذا؟ لأَنَّ كَفَّكَ لها شَكْلٌ غَيْرُ انْسيابِيٍّ في مُواجَهَةِ الهواءِ.
وهذا يُضيفُ أَهَمِّيَّةً أُخْرَى لِلْشَّكْلِ الانْسيابِيِّ لِمَقْطَعِ الجَناحِ، وهي تَقليلُ المُقاوَمَةِ لِلْهَواءِ إلَى أَصْغَرِ ما يُمْكِنُ في أثناءِ تَوليدِهِ لقُوَّةِ الرَّفْعِ.
وهُناكَ مَلْحوظَة أُخْرَى مُهِمَّةٌ. عِنْدَما كانَ الهواءُ ساكِنًا لَمْ تَكُنْ هناكَ لا قُوَّةُ رَفْعٍ ولا قُوَّةُ مُقاوَمَةٍ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ للطّائراتِ العادِيَّةِ وهي تَبْدَأُ حَرَكَتها مِنْ سُكونٍ أَنْ تَرْتَفِعَ؟
تحتاجُ الطّائراتُ إلَى أَنْ تَجْرِيَ مِسَافةً علَى مَدْرَجِ المَطارِ حتَّى تَكْتَسِبَ السُّرْعَةَ اللاَّزِمَةَ لِتَوليدِ قُوَّةِ رَفْعٍ كافِيَةٍ، وعندئذٍ يُمْكِنُها أنْ تَرْتَفِعَ وتَتْرُكَ الأَرْضَ.
فما هي القُوَّةُ الّتي تُكْسِبُها هذه السُّرْعَـةَ؟ إنَّها قُوَّةُ «دَفْعِ» المُحَرِّكاتِ. وفي أثناءِ الطَّيرانِ تَسْتَمِرُّ حاجَةُ الطَّائِرَةِ لِقُوَّةِ الدَّفْعِ هَذهِ لِتُواجِهَ «مُقَاوَمَةَ» الهواءِ لِحَرَكَتِها، كما أَنَّها تَحْتاجُ إلَى المَزيدِ مِنْ القُوَّةِ كُلَّمَا أَرَادَتْ أَنْ تَزيدَ سُرْعَةَ طيرانِها أو ارْتِفاعَها؛ تمامًا كما يَحْدث لِلْسَّيَّارَةِ إذا أَرادَ قائِدُها أَنْ يُسْرِعَ أو عِنْدَما يواجِهُ طريقًا صاعِدًا.
المُحَرِّكُ: هناكَ صِنْفانِ منَ المُحَرِّكاتِ الّتي تُسْتَعْمَلُ عادَةً في الطّائراتِ. الصِّنْفُ الأَوَّلُ هو المُحَرِّكاتُ التَّرَدُّدِيَّةُ، وهي شائِعَةُ الاسْتِعْمالِ في الطّائراتِ الصَّغيرَةِ جِدًّا.
وهذه المُحَرِّكاتُ تكونُ عادةً رُباعِيَّةَ الأَشْواطِ، وهي شَبيهَةٌ بِتِلْكَ المُسْتَعْمَلَةِ في السَّيَّاراتِ العائِلِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ مُحَركَ الطَّائِرَةِ يَعْمَلُ علَى إدارَةِ المِرْوَحَةِ بدلاً من عَجَلاتِ السَّيَّارَةِ.
والصِّنْفُ الثاني هو المُحَرِّكاتُ التِرْبِينِيَّةُ بأَنْواعِها المُتَعَدِّدَةِ (كالمُحَرِّكِ التِرْبونَفَّاث والمحرِّكِ التِرْبوتَحويلِيِّ والمحرِّكِ التِرْبومِرْوَحِيِّ،…) وهِيَ المُسْتَعْمَلَةُ في غَالِبِيَّةِ الطّائراتِ الحديثَةِ سواءٌ مِنْها الّتي تُسْتَعْمَلُ في النَّقْلِ الجَوِّيِّ (نَقْلِ الرُّكَّابِ أو البَضَائِعِ) أو تِلْكَ المُسْتَعمَلَةُ في الأَغْراضِ الحَرْبِيَّةِ.
وسَنُرَكِّزُ هُنا علَى شَرْحِ فِكْرَةِ المُحَرِّكِ التِّربِينِيِّ النَّفَّاثِ، لأنَّ هذا النَّوْعَ يمكنُ اعتبارُه الأَساسَ لِبَقِيَّةِ المُحَرِّكاتِ التِرْبينِيَّةِ الحديثَةِ الواسِعَةِ الانْتِشارِ.
لَعَلَّ أَبْسَطَ مَثَلٍ لِفِكْرَةِ هذا المُحَرِّكِ هي البَالونُ. إذا نَفَخْتَ البالونَ وتَرَكْتَهُ فإنَّهُ يَنْطَلِقُ مُحَلِّقًا في الهواءِ، ثمَّ لا يَلْبَثُ أن يَقَعَ عِنْدَ نَفادِ ما به من هواءٍ.
إنَّ انْطِلاقَ الهواءِ بِسُرْعَـةٍ من داخِلِ البالونِ بِفِعْلِ فَرْقِ الضَّغْطِ في داخِلِ البالونِ عن الهَواءِ الخارِجِيِّ يَنْشَأُ عَنْهُ رَدُّ فِعْلٍ (قُوَّةُ الدَّفْعِ) تُسَبِّبُ حَرَكَةَ البالونِ في الاتِّجاهِ المُعاكِسِ. وتَعْتَمِدُ فِكْرَةُ الدَّفْعِ النَّفَّاثِ علَى هذا النَّفْثِ (تَدَفُّقِ الغازاتِ) المُنْدَفِعِ مِنَ «المُحَرِّكِ».
إنَّ أَهَمَّ الملاحظاتِ علَى هذهِ التَّجْرِبَةِ هي أَنَّه عِنْدَما نَفِدَ مُعْظَمُ الهواءِ من البالونِ لَمْ تَعُدْ هناكَ قُوَّةُ دَفْعٍ، وعنْدَها سَقَطَ. إنَّ المُحَرِّكاتِ التربينِيَّةَ النَّفَّاثَةَ تُعَوِّضُ النَّفْثَ الخارجَ مِنْها بِسَحْبِ تَيَّارٍ مِنَ الهواءِ الجَوِّيِّ، وبذَلِكَ لا تَقَعُ في مُشْكِلَةِ البالونِ.
ويُسَمَّى الجزءُ الّذي يقومُ بذَلِكَ «الضاغِطَ» حيثُ يَتَلَقَّى الهواءَ الخارِجيَّ ويقومُ برَفْعِ ضَغْطِهِ، وهو تَمامًا ما يحتاجُ إليهِ مَلْءُ البالونِ بالهواءِ.
ولهذا يَتِمُّ ضَخُّ الوَقودِ وحَرْقُهُ في «غُرْفَةِ الاحْتِرَاقِ» وبذَلِكَ تَرْتَفِعُ دَرَجَهُ حَرارَةِ الهواءِ ارْتفاعًا كبيرًا ويَنْطَلِقُ بِسُرْعَةٍ خِلالَ المُحَرِّكِ.
ولنَعُدْ إلَى الضَّاغِطِ وكَيْفَ يَتِمُّ تزويدُهُ بما يَحْتاجُ إلَيْه من طاقَةٍ لِيَرْفَعَ ضَغْطَ الهواءِ؟ إنَّ ذَلِكَ يحتاجُ إلَى جزءٍ آخَرَ، وهو «التِّرْبينُ» الّذي يَكْتَسِبُ جزءًا من طاقَةِ الغازاتِ المُنْدَفِعَةِ مِنْ غُرْفَةِ الاحْتِراقِ وبِذَلِكَ يَدورُ. وعَنْ طريقِ عَمودِ إدارَةٍ يَصِلُ إلَى الضَّاغِطِ يَعْمَلُ علَى إدارَتِهِ.
وبَعْدَ مغادَرَةِ التِّرْبينِ، تَظَلُّ الغازاتُ مُحْتَفِظَةً بِضَغْطٍ مُرْتَفِعٍ، ويَرْجِعُ الفَضْلُ فيه إلَى الطَّاقَةِ الّتي زُوِّدَتْ بها في غُرْفَةِ الاحْتِراقِ.
ويؤدِّي هذا إلَى انْدِفاعِ الغازاتِ من «المُنَفِّثِ» (الفُتْحَةِ الانْسيابِيَّةِ الخاصَّةِ الّتي تَقَعَ في آخِرِ المُحَرِّك) بِسُرْعَةٍ، وتَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ قُوَّةُ الدَّفْعِ.
وأَخيرًا كَيْفَ يَسْتَطيعُ الطَّيَّارُ أنْ يُغَيِّرَ مِنْ مَسارِ طائِرَتِهِ؟
هناكَ ثَلاثُ حَرَكاتٍ أَساسِيَّةٍ، هي: الخَطَرانُ (تَحَوُّلُ المُقَدِّمَةِ إلَى أَعْلَى أو إلَى أَسْفَلَ)، والانْعِطافُ (الدَّوَران يمينًا ويَسارًا)، والدَّوَرانُ دَوَرانُ الطَّائِرَةِ حَوْلَ نَفْسِها).
ولِلْحُصولِ علَى هذه الحَرَكاتِ، تُزَوَّدُ الطَّائِرَةُ بِثَلاثَةِ أَسْطُحِ تَوْجيهٍ رَئيسِيَّةٍ، وهي: الرَّافِعُ، والدَّفَّةُ والجُنَيْحُ.
ولنُوَضِّحْ الآنَ طريقَ عَمَلِ أَسْطُحِ التَّحَكُّمِ:
1- الرَّافِعُ: يَتَحَكَّمُ الرَّافِعُ في تَحَوُّلِ مُقَدِّمَةِ الطَّائِرَةِ إلَى أَعْلَى أو إلَى أَسْفَل.
ويوجدُ عندَ مُؤَخِّرَةِ المُوازِنِ الأُفُقِيِّ، ويَتَكَوَّنُ من جُزْأَيْن، أَيْمَنَ وأَيْسَـرَ، علَى جَانِبَيْ المُوازِنِ الرَّأْسِيِّ.
يَتَحَرَّكُ الجُزْآن معًا إمَّا إلَى أَعْلَى أو إلَى أَسْفَلَ. فإذا دارَا إلَى أَعْلَى ارتَفَعَ مُقَدَّمُ الطَّائِرَةِ، وإذا دارا إلَى أَسْفَلَ انْخَفَضَ مُقَدَّمُ الطَّائِرَةِ.
2- الدَّفَّةُ: وتَتَحَكَّمُ في الدَّوَرَانِ إلَى اليَمينِ أو اليَسَارِ، وتوجدُ في مُؤَخِّرَةِ الموازِنِ الرَّأْسِيِّ. وهي تُشْبِهُ دَفَّةَ السَّفينَةِ في أُسْلوبِ عَمَلِها.
وتَعْتَمِدُ في ذَلِكَ علَى أنَّ قُوَّةَ دَفْعِ الهواءِ تُحاوِلُ دائِمًا دَفْعَ الأَجْسامِ الّتي تَعْتَرِضُ طريقَها مِمَّا يُسَبِّبُ دورانَ هذهِ الأجْسامِ حَوْلَ نَفْسِها (حَوْلَ مَرْكَزِ ثِقَلِها).
ويُمْكنُ مُلاحَظَةُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى من تَجْرِبَةِ إِخْراجِ يَدِكَ من السَّيَّارَةِ وهي مُسْرِعَةٌ فسيحاوِلُ الهواءُ إدارةَ يَدِكَ إلَى الخَلْفِ، وهذا ما يَحْدُثُ تَمامًا في دَفَّةِ الطَّائِرَةِ، فإذا تَحَرَّكَتْ لِلْيَسارِ يَصْطَدِمُ بها الهواءُ فيعملُ علَى دورانِ الطَّائِرَةِ إلَى اليسارِ أَيْضًا، والعَكْسُ صحيحٌ.
3- الجُنَيْحُ: ويقومُ التَّحَكُّم في دَوَرانِ الطَّائِرَةِ حَوْلَ نَفْسِها، ويَتَكَوَّنُ من سَطْحَيْن صَغيرَيْن علَى الطَّرَفَيْنِ الأَيْمَنِ والأَيْسَرِ لِجَناحِ الطَّائِرَةِ، وحَرَكَتُهُما مُتعاكِسَة (إذا تَحَرَّكَ أَحَدُهُما إلَى أَسْفَلَ تَحَرَّكَ الثاني إلَى أَعْلَى، والعَكْس صحيحٌ).
ويُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى عَزْمٍ يَعْمَلُ علَى خَفْضِ ناحِيَةِ الجُنَيْحِ المُرْتَفِعِ ورَفْعِ ناحِيَةِ الجُنَيْحِ المُنْخَفِضِ، وبِذَلِكَ تدورُ الطَّائِرَةُ حَوْلَ نَفْسِها.
ويَجدُرُ بنا أن نَذْكُرَ أَنَّ الحوَّاماتِ، أيْ الطائراتِ المِرْوَحِيَّةَ العَموديَّةَ (الهليكوبتر) تختلفُ في آلِيَّات طيرانِها عن هذا الّذي ذكرناهُ عن الطّائراتِ المُعْتادَةِ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]