نبذة تعريفية عن ابن عم النبي موسى عليه السلام “قارون”
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
النبي موسى عليه السلام قارون إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
وَرَدَ ذِكْرُ قَارونَ في القُرْآنِ الكَريمِ في أَرْبَعَةِ مَواضِعَ من ثَلاثِ سُوَرِ: وهي: القَصَصُ، والعَنْكَبوتُ، وغَافِرُ. وجَاءَتْ قِصَّتُه مُفَصَّلَةً في سَورَةِ القَصَصِ (الآيات:76-83).
كانَ قارونُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، عَلَيْه السّلامَ، وابْن عَمَّه.
وكانَ يَطْلُبُ العِلْمَ حتَّى حَصَّلَ عِلْماً كَثيراً. كَذَلِكَ وَهَبَ اللّه تعالَى قارونَ كُنوزاً وأَمْوالاً كثيرَةً، حتَّى إنَّ مَفاتِيحَ خَزائِنِها يَثْقُلُ حَمْلُها علَى مَجْموعَةٍ مِنَ الرِّجالِ.
ولكنَّ قارونَ فَرَحَ بِما آتاهُ اللّهُ تعالَى ولَمْ يَشْكُرْهُ، وتَكَبَّرَ علَى قَوْمِهِ، وتَعالَى عَلَيْهِم.
فَنَصَحهُ بعضُ الصَّالحينَ من قومِهِ، وقالوا لَهُ: لا تَفْرَحْ، بِمَا أَنت فيه من المالِ، ولا تَكفُرْ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْك، فإنَّ الله لا يُحبُّ الّذينَ لا يَشْكُرونَهُ علَى نِعَمِهِ، ويَتَكَبَّرونَ علَى النَّاسِ ويتَسَلَّطٌونَ عَلَيْهم.
والأَصْلَح لَكَ أَنْ تَحْمَدَ الله، وتُسخِّرَ هذه الأْموالَ في نَفْعِ النَّاسِ، وعَمَل الطَّاعاتِ الّتي تَجْعَلُكَ تنالُ مثوبَةَ اللهِ في الآخِرَة. ومع ذَلِكَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَنْعَمَ بِحَياةٍ طيِّبَّةٍ في الدَّنيا.
ومَضَى الصَّالحونَ في نُصْحِهِمْ إِيَّاه، قائلينَ له: يا قارونُ، إنَّ الله أَحَسَن إِلَيْكَ، فالواجِبُ عَلَيْكَ – مقابِلَ هذا – أنْ تُحْسِنَ إلَى النَّاسِ. واحْذَرْ يا قارونُ منْ أَنْ تَسْتَعْمِلَ أمْوالَكَ في إيذاءِ النَّاسِ والإفسادِ في الأَرْض، فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدينَ.
ولَكِنَّ قارونَ قابلَ هذا النُّصْحَ الحَكيمَ بِعَدمِ المُبالاةِ وردَّ بأنَ ما عِنْدَهُ من ثَرْوَةٍ قَدْ حَصَّلَهُ بِعِلْمِهِ واجْتِهادِهِ، ولَمْ يَعْتَبِرْ بأنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنَ الطُّغاةِ المُتَكبِّرينَ مَنْ كانوا أكثَرَ مِنه قُوَّةً وأَتْباعاً.
ودَفَع الغُرورُ قارونَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ علَى قَوْمِهِ في كامِلِ زِينَتِه، في مَوْكبٍ فخيم من أتْباعِهِ الكثيرينَ رُكباناً مُتَحَلَّينَ بِمَلابِسِ الذَّهَبِ والحَريرِ، حتَّى إنَّ بَعْضَ الّذينَ غَرَّتْهَمْ الحياةُ الدُّنْيا قالوا: يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارونُ، فإنَّه لذو حَظٍّ عظيم في الدُّنْيا
فَرَدَّ عَلَيْهم الّذينَ أُوتوا العِلْمَ الحَقَّ قائِلين: لَقَدْ أخْطَأتُمْ فإنَّ ثَوابَ اللهِ في الآخِرَةِ لِمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ قارونُ في الدُّنْيا، ولكنًّ هذا الثَّوابَ لا يَحْصُل عَلَيْه إلا الصَّابرونَ علَى الطَّاعَةِ. وفي النهايَةِ كانَتْ نتيجةُ تَكَبُّرِ قارونَ أَنْ خَسَفَ اللّهُ بِهِ وبِدارِه الأَرْضَ، ولَمْ يَجِدْ أحداً يستطيعُ أَنْ يُنْقِذَه من عِقابِ الله.
فَلَمَّا رَأَى الّذينَ كانوا يَتَمَنَّوْنَ أنْ يكونَ لَهمْ مِثْلُ حَظِّ قارونَ وثَرائِه قالوا: يا لَلْعَجَبِ، إنَّ اللهَ يُوَسِّعُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ويُضَيِّقُ علَى مَنْ يَشَاءُ، ولَوْلاَ أَنْ منَّ اللهُ عَلَيْنا بالإيمانِ لَخَسَفَ بِنَا الأَرْضَ مَعهَ.
ونَحْنُ نَتَعَلَّمُ مِنْ قِصَّةِ قارونَ أَنَّهُ عَلَيْنا أن نَسْعَى ونَجْدَّ في طَلَبِ العِلْمِ والثَّرْوَةِ بالوسائِلِ الطَّيِّبَةِ المَشْروعَةِ. ثمَّ يَنْبغي عَلَيْنا أَلا نَغْتَرَّ بما يُوَفَّقُنا اللهُ إِلَيْهِ في ذَلِكَ، وألا نتكبَّرَ بهِ علَى النَّاسِ وأَلاَّ نَسْتَغِلَّهُ في إيذاءِ النَّاسِ والإفْسادِ في الأَرْضِ.
وعَلَيْنا دائِماً أَنْ نَشْكُرَ الله، سبحانه وتعالَى، علَى ما وَفَقًّنا إِلَيْه من ثَرَوَاتِ، وأَنْ نوَظِّفَها فِيما يَنْهَضُ ببلادِنا وينفعُ أَبْناءَ أُمَّتِنا، مُرَدَّدينَ دائماً قولَ سَيِّدِنا شُعَيْبٍ، عَلَيْه السَّلامُ: (