إسلاميات

نبذة تعريفية عن “الشَّريعَةُ الإسْلامِيَّة” ومميزاتها

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الشَّريعَةُ الإسْلامِيَّة مميزات الشريعة الإسلامية إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

كَلِمَةُ الشَّريعَةِ في اللُّغَةِ تَعْنِي: الطَّريقَ الظَّاهِرَ الّذي يُوصَلُ مِنْه إلَى الماءِ. ومثلها كَلِمَتَا «الشَّـرْعِ» و«الشَّرْعَةِ».

ولكنْ عِنْدَما نقولُ: «الشَّريعَةُ الإسْلامِيَّةُ» فَمَعْناهَا: ما سَنَّهُ اللهُ لِعبادِهِ مِنَ الدِّينِ، وأَمَرَهُمْ باتِّباعِهِ.

ويقرِّرُ القُرْآنُ الكريمُ أَنَّ مَصْدَرَ الشَّرائِعِ لجَميعِ الرُّسُلِ واحِدٌ، وهُوَ اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى، وأَنَّهُ لا خِلافَ في أُصولِ الدِّينِ الّتي بَعَثَ اللهُ بها رُسُلَهُ: فاللهُ واحِدٌ لا شَريكَ لَهُ، وهُوَ وَحْدَهُ المستحِقُّ للعِبادَةِ، وقَدْ أَرْسَلَ رُسُلاً لهِدايَةِ البَشَرِ، وأَمَرَهُم بمَحاسِنِ الأَخْلاقِ مِنَ العَدْلِ، والصِّدْقِ، والأَمانَةِ، والإحْسانِ، والرَّحْمَةِ، والبِرِّ، وغَيْرِها.

 

ومن أَرْكانِ الإيمانِ: التَّصديقُ بالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وبالحِسابِ، وبالجَزاءِ، حَيْثُ يَدْخُلُ الأَبْرارُ الجَنَّةَ، ويَدْخُلُ الفُجَّارُ النَّارَ.

ولكنَّ شَرَائِعَ الرُّسُلِ تَخْتَلِفُ في الأَحْكامِ والتَّكاليفِ، لاخْتِلافِ العُصورِ والبُلْدانِ والأَقْوامِ. ونَضْـرِبُ بَعْضَ الأَمْثِلَةَ الّتي تُوَضِّحُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الاخْتِلافِ:

 

1- في شَريعَةِ يَعْقوبَ، عَلَيْه السَّلامُ، أَنَّ السَّارِقَ الّذي تَثْبُتُ عَلَيْهِ السَّـرِقَةُ، يَصيرُ عَبْدًا لِلْمَسْروقِ مِنْه.

وفي شَريعَةِ مُوسَى، عَلَيْه السَّلامُ، أَنَّهُ إذا ضُبِطَ لِصٌّ أو سارِقٌ فَعَلَيْه أَنْ يُعَوِّضَ ضِعْفَيْ المَسْروقِ؛ وإذا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا علَى ذَلِكَ فكانَ يُباعُ عَبْدًا ويَظَلُّ كَذَلِكَ حتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ جَمْعِ التَّعْويضِ.

 

2- وفي شَريعَةِ يَعْقوبَ، أَيْضًا، كانَتْ تَحِيَّةُ المُلوكِ وأُولِي الأَمْرِ السُّجودَ.

 

3- وفي الشَّريعَةِ اليَهُودِيَّةِ تَحْريمُ جميعِ الأَعْمالِ في يَوْمِ السَّبْتِ، وقَدْ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْهُم خَالَفَ ذَلِكَ بِلا رَحْمَةٍ.

حرَّمَ اللهُ علَى بني إسْرائيلَ بعضَ المَأْكولاتِ الحَلالِ، عقوبةً لَهُمْ عَلَى مَعاصِيهِمْ المُتَكَرِّرَةِ كالرِّبا والكَسْبِ الحَرامِ.

قال تعالى(بِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) (النساء: 160-161)

وقَدْ بَيَّنَتْ الآيَةُ 146 من سورَةِ الأَنْعامِ هَذِهِ المُحَرَّمَاتِ.

 

4- مالَ فَريقٌ مِنْ أَتباعِ عيسَى، عَلَيْهِ السَّلامُ، إلى التَّشَدُّدِ في العِبادَةِ، فشُرِعَتْ لَهُمْ الرَّهْبَانِيَّةُ، وهي تَعْنِي: التَّفَرُّغَ لِلْعِبادَةِ بعيدًا عن النَّاسِ، والانْقِطاعَ عَن الدُّنيا وشَهَواتِها، فَلا يَتَزَوَّجُ الرُّهْبَانُ، وطَعامُهُمْ بَسيطٌ زَهيدٌ، ومَلابِسُهُمْ خَشِنَةٌ.

فلمَّا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا، صلَّى الله عليه وسلَّم، بالرِّسالَةِ الخَاتِمَةِ، أَلغَى كثيرًا من الأَحْكامِ المُتَشَدِّدَةِ في الشَّرائِعِ السَّابِقَةِ، وجَاءَ بأحكامٍ جَديدَةٍ مِنْ عِنْدِ الله. 

كما قال سبحانه(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).

ولا خِلافَ بَيْنَ المُسْلمينَ في أنَّ المَصْدَرَيْنِ الأَساسِيَّيْنِ للشَّريعَةِ هُما: القُرْآنُ الكَريمُ، والسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ. وطَريقُ اسْتِخراجِ الأَحْكامِ مِنْهُما هُوَ الاجْتِهادُ الّذي يَقْدِرُ عَلَيْهِ العُلَماءُ مِنْ أَهْلِ الاخْتِصاصِ.

 

يقولُ ابنُ القَيِّمِ: «الأَحْكامُ نَوْعانِ:

نوعٌ لا يَتَغَيَّرُ عَنْ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ هُوَ عَلَيْها، لا بِحَسَبِ الأَزْمِنَةِ ولا الأَمْكِنَةِ ولا اجْتِهادِ الأَئِمَّةِ، كَوُجوبِ الوَاجِباتِ، وتَحْريمِ المُحرَّماتِ، والحُدودِ المُقَدَّرَةِ بالشَّرْعِ عَلَى الجَرَائِمِ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا لا يَتَطَرَّقُ إلَيْه تَغْييرٌ ولا اجْتِهادٌ يُخالِفُ ما وُضِعَ عَليهِ.

والنوعُ الثَّاني: ما يَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ اقْتِضاءِ المَصْلَحَةِ لَهُ: زَمَانًا ومَكانًا وحالاً، كمَقادِيرِ التَّعْزيراتِ وأَجْنَاسِها وصِفَاتِها، فإنَّ الشَّارِعَ ينوِّعُ فيها بِحَسَبِ المَصْلَحَةِ». والمَقْصودُ بالتَّعزيرَاتِ العُقُوبَاتُ الّتي لَمْ يَأْتِ فيها نَصٌّ في القُرآنِ أو السُّنَّةِ.

 

ومِنْ مُمَيِّزاتِ الشَّريعَةِ الإسْلامِيَّةِ ما يَأْتِي:

1- التَّحْليلُ والتَّحْريمُ للهِ وَحْدَهُ، لا مَدْخَلَ فيهِما لِلْبَشَرِ ولا للآراءِ والاجْتهاداتِ.

 

2- أَحْكامُ الشَّريعَةِ الإسْلامِيَّةِ تَحْرِصُ عَلَى «الواقِعِيَّةِ» وعَلَى «التَّوازُنِ»، تَتَعامَلُ مع حَقائِقِ الكَوْنِ، وتَسْتَجيبُ لِطَبيعَةِ الإنْسانِ، فَسُموُّ العِبادَةِ لا يَمْنَعُ المُسْلِمَ من الزَّواجِ والمُتَعِ الحَلالِ؛ والعَدْلُ في الواجباتِ والحُقوقِ لا يُمْنَعُ من الفُروقِ الفَرْدِيَّةِ، فَلَيْسَ النَّاسُ دَرَجَةً واحِدَةً من المَقْدِرَةِ والعَزْمِ.

 

3- كُلُّ الأَحْكامِ والقَوانينِ في الشَّـريعَةِ الإسْلامِيَّةِ مُرْتَبِطَةٌ بالصِّبْغَةِ الأَخْلاقِيَّةِ، المُسْتَنِدَةِ إلَى مُراقَبَةِ اللهِ وتَقْواه.

فالعَلاقَةُ مع أَفْرادِ المُجْتَمَعِ، وبَيْنَ الزَّوْجِ وزَوْجَتِهِ، كَذَلِكَ كلُّ العَلاقاتِ الإِنْسانِيَّةِ يَحْكُمُها مَعَ القَوانينِ وقَبْلَ القَوانينِ: سُمُوُّ الأَخْلاقِ. قالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في الحَديثِ المُتَّفَقِ عَلَيْه «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». وقالَ الفُقَهاءُ: يَحْرُمُ علَى إنْسانٍ لَهُ دَيْنٌ علَى آخَرَ، يَعْلَمُ أنَّه عاجِزٌ عَنْ السَّدَادِ، أَنْ يَرْفَعَ عَلَيْهِ قَضيَّةً بِقَصْدِ الفَضيحَةِ والتَّشْهِيرِ، لا بِقَصْدِ إِثْباتِ الحَقِّ.

 

4- شَرْطُ كلِّ أَحكامِ الشَّريعَةِ الاسْتِطَاعَةُ، فَغَيْرُ المُسْتَطِيعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بالحُكْمِ؛ ولا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلاَّ وُسْعَها.

 

5- تَتَّجِهُ أَحْكامُ الشَّريعَةِ الإسْلامِيَّةِ عامَّةً إلى الإيجابِيَّةِ، فشُـرِعَتْ لِلْعاصِي التَّوْبَةُ باسْتِمرارٍ، حتَّى لا يَظَلَّ أَسِيرَ الذَّنْبِ، ويُفَضَّلُ الإتْيانُ بالأَوامِرِ، عَلَى مُجَرَّدِ الكَفِّ عَنِ النَّواهِي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى