نبذة تعريفية عن حضارة الخليج العربي القديم
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
حضارة الخليج العربي القديم التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
تؤكِّد التنقيباتُ الحضاريةُ عن وُجود حضارةٍ في الخليج العربي تَرجعُ إلى الألف الثالثِ الميلادي، حيثُ تكشفُ التنقيبات عن نشاطٍ سُكَّانيِّ على شواطئ الخليج العربي.
ولا شكَّ أنَّ الساميّينَ في هِجراتِهم إلى بِلادِ الرافدين قد مَرُّوا في طَريقِهم إلى الشمالِ على مِنطقة الخليج العربيِّ.
كما تكشفُ النُقوش الآشورية عن وُصول الملك الآشوري سرجونِ العظيم سنة 2872 قبلَ الميلادِ إلى شواطئِ الخليجِ العربي.
وتُثبتُ النقوشُ السومريةُ وُجودَ علاقاتٍ تجاريةٍ بينَ بلادِ الرافدينِ ومنطقة الخليج العربي، كما تُبرهِنُ الآثارُ التي عُثِرَ عليها في جزيرة فيلكا عن علاقاتٍ بين بلاد الرافدين في فتراتِها المختلفة وبين الخليج العربي.
وقد عثرت البعثةُ الدانمركيةُ التي بدأتْ أعمال التنقيب في الكويتِ سنة 1985م على آثار في جزيرة فيلكا تكشفُ عن علاقات متينة بين المنطقة بلاد الرافدين في العصر الكلداني ثم البابلي ثم الآشوري في القَرنش الثامنِ قبلَ الميلاد.
وقد كانتْ بَعضُ جُزُر الخليج العربي مثل جزيرة دلمونَ (البحرين) تحوي مقابر لسكانِ الساحلِ الشرقي منَ الجزيرةِ العربيةِ أي سواحل الخليج العربي.
كذلك تؤكّد النقوش السومريةُ عن وُجود علاقاتٍ بين منطقة جنوب الخليج العربي (ملوخةِ) وبلادِ الرافدينِ.
وتشيرُ اللوحاتُ والنقوشُ السومريةُ كذلك إلى قيام أهل بلاد الرافدين بنقل الرُخام الأسود من منطقة ماجان (عُمانَ) أقصى جنوب الساحلِ الغربيِّ للخليج العربي، حيثُ استخدموُه في بلاد الرافدين.
كذلك جاء ذكرُ دِلمونَ في الأساطير السومريةِ والبابليةِ؛ باعتبارها مكاناً مقدّساً تتوفّرُ فيه مُواصفاتُ جنةِ الفِردوس.
وتصفُ أسطورةٌ سومريةٌ شهيرة دِلمون بأنها أرضٌ طاهرةٌ نظيفةٌ مشرقةٌ، لا موتَ فيها ولا مرضَ ولا عُدوانَ، حيث جاء في أبياتِها الأولى:
– أرضُ دلمون مطهَّرةٌ… أرضُ دلمونُ نقيةٌ
– أرضُ دلمون نظيفةٌ … أرضُ دلمونَ مُشرقةٌ
– في دلمونَ لا ينعِقُ الغُرابُ
– ولا تصيح الحَدأةُ
– ولا يقتلُ الأسدُ
– ولا يفترسُ الذئبُ الحَمَل
– ولا يُوجدُ فيها كَلبٌ يقتُل جِدْياً
– أو خِنزيرٌ يسطو على غَلَّةٍ
– لا أحدَ يقولُ عيني تُؤلِمُني
– ولا أحد يقولُ رأسي تَصدعنُي
– فيها لا تقولُ المرأةُ العجوز: أنا عجوز
– ولايقول الشيخُ: أنا طاعنٌ في العُمر
عِلاوةً على ذلك قامت علاقاتٌ حضاريةٌ بينَ أهلِ دلمون (البحرين) والفينيقيين؛ حيثُ تؤكّدُ الآثارُ التي عُثِرَ عليها بينَ المقابرِ في دِلمونَ (البحرين) على وُجودِ هذه العلاقات في ذلك الوقت.
وقد كان الخليجُ العربيُّ في العُصور القديمةِ مَعبراً مِلاحياً مُهمّاً، وبناءً على نشاطِهِ المِلاحي قامت العلاقاتُ التجاريةُ الواسعةُ بينَ مناطقِ الخليج العربي في شَرق شبه الجزيرة العربية ومصر وبلاد الرافدين.
كما تَدلُّ على ذلك الحفائرُ التي عُثر عليها في جزيرة إيكاروس (فيلكا) بالإضافة إلى ذلك أثبتَت الحفائرُ والاكتشافات الأثريةُ أنّ هناك علاقات تجارية وطيدة بين أجزاء منطقة الخليج العربي تعودُ إلى العُصور القديمة، خاصةً بين فيلكا والبحرين (ايكاروس ودلمون).
وتدلَّ الآثارُ أنَّ دِلمونَ (البحرين) استطاعتْ أنْ تُؤسّس وحدةً سياسيةً وحَضاريةً كبيرةً تشملُ عدةَ جُزُر، مثل البحرين وفيلكا وأمِّ النار وتاروت، وكانت هذه الجُزُر بمثابة مراكز تجاريةٍ تمتدُّ على طُول الساحل الغربي من الخليج العربي.
وساعدَ هذا النشاطُ التجاريُّ لهذِهِ الجُزر على قيام حركةِ تبادُل تجاري واسعة بين بلاد الرافدين ووادي السِّند وإفريقيا وفارس.
ومن أهمّ الموادّ التي دخلت ضمنَ التبادلِ التجاري – بصفة عامة – الحبوبُ والصوفُ والفِضةُ والذهبُ والنحاسُ والأحجارُ والخَشَبُ والرُّخامُ واللؤلؤُ.
وقد استمرتْ هذه العلاقاتُ التجاريةُ بينَ هذه المناطق زمناً طويلاً شَملَ الألف الثالثِ والثاني والأول قبلَ الميلاد، كما تدلُّ على ذلك وثائق المُلكيةِ والعُقودُ وكتابات المعابد والمخلفات الأثرية التي عُثِرَ عليها في هذه المناطق.
ولكنَّ حركةَ الملاحةِ في الخليجِ أُصيبت بنكسةٍ حادةٍ إبّان القرنين السادس والرابع قبلَ الميلادِ على عهد أسرة الأخمينيين في الامبراطوريةِ الفارسيةِ.
وقد خفَّ النشاطُ الملاحيُّ لمملكة بابل في الخليج مع فُتوحات الإسكندر الأكبر خلالِ الجزءِ الأخير من القرنِ الرابع قبلَ الميلادِ .
وابتداءً من ذلك التاريخ تجمَّعت لدينا الأدلةُ القاطعةُ عن حركةِ التبادلِ الملاحيّ فيما بين موانئ الخليج والهند وشرق إفريقيا، إلاّ أنه في عهد سيطرة الرومان كانت امبراطوريتهم تحتلُّ الصّدارةُ في المياه الشرقية، وكان البحرُ الأحمرُ هو الطريق الرئيسُ للاتصالات بين الشرق والغرب.
وقد احتفظ بذلك المركز حتى سُقوط الإمبراطوريةِ الرومانية في نِهاية القرن الخامس بعدَ الميلادِ ( سنة 476 م ) .
وأكَّدَت التنقيبات الأثريةُ في جزيرة فيلكا عن وجود آثار تعود إلى الألف السادس قبلَ الميلاد، وإن أهمَّ المناطق الأثرية هي: القرينيةُ، القصورُ، العوازمُ، الصباحيةُ، وسعدُ وسعيدُ.
وقد أعطتْ الأهميةُ الجغرافيةُ والمناخيةُ أهميةً كبيرةً لجزيرة فيلكا؛ فتمتعت بمكانةٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ في التاريخ القديم.
وتُشبه الأدوات وقطعُ الفخّار والتماثيل التي وُجدتْ في جزيرة فيلكا تلك التي وجدت في البحرين. وكذلك الاختامُ التي صُنِعتْ من حَجَر الاستيتاتِ الهشّ، فهي تشبهُ كثيراً الأختامَ التي اكتُشِفَت في البحرين، ولكنَّها في نفس الوقت تختلفُ كثيراً عن تلكَ الأختام التي وجِدَتْ في العراق والهند.
علاوةً على ذلك عُثِرَ في فيلكا على كتابات مسماريّة تشيرُ إلى الإله دِلمونَ. إلى جانب كثير من الآثار التي تعودُ إلى عَهدِ الإسكندر الأكبر.
كما اكتُشِفَ عمود من حجرٍ مصْقول، وقاعدةُ عمودٍ مُزخرفة ومعبد فيه عددُ من التماثيل، وتاجٌ عليهِ رُسومات على شكل أوراقِ النخيل، ودلَّت الكِتابات التي وجدت منقوشةً على بعضَ أثار فيلكا أنها كانت مركزاً ثقافيا وإدارياً؛ خاصةً في منطقة تلّ سعيد.
وقد أطلق على جزيرة فيلكا في عهد الإسكندر الأكبر اسم جزيرة (إيكاروس). أمّا المنطقة التي تشملها اليوم الكويت، فقد كانت تسمّى حسب أطلس بطليموس في القرن الثالث قبل الميلاد (لارسا) وفي جنوب الساحل الغربي من الخليج يُلاحظُ أنَّ هناك تشابها في الآثار التي عثر عليها هناك، مع آثار الحضارة السومرية جنوب بلاد الرافدين.
وتعودُ تلكَ الآثارُ في المنطقة المعروفة اليوم بدولةِ الإمارات العربية المتحدة إلى فترةِ الألف الرابع قبل الميلاد. ولعلّ المدافنَ الحجرية هي أهمُّ تلك الآثار، وهي كالآتي:
1- مدافنُ جزيرة أمّ النّار، وقد دلّت الحفرياتُ على وجودِ رسومٍ بارزةٍ تُزيَّنُ مداخلَ القُبور الصخريةِ، ومنها رسومٌ لِحيواناتٍ كالثور الاحدب، والغِزلان، وحيوان المها، والجِمال، وصورٌ أخرى للأفاعي.
وهذا يدلُّ على وُجودِ طريق تجاري مهمّ يربطُ بين حضارةِ وادي الرافدين بحضارةِ مصرَ القديمةِ، والذي يمُرُّ عبرَ هاتين المنطقتين، مُتَّجِهاً إلى جَنوب الجزيرة العربية، وفي نهايةِ الأمر إلى مصرَ القديمةِ.
2- مدافنُ هيلي في مدينة العَينِ وتَعودُ إلى الفترةِ ما بين عامي 2700 و 2500 قبلَ الميلادِ.
3- مدافنُ بديعةَ بنتِ مسعودٍ (1000 ق.م .
4- مدافنُ القصيص (نهاية الألف الثانية – وبدايةَ الولى قبلَ الميلادِ).
5- موقِعُ المليحة (في الشارقة).
6- مَوقِعُ الدورِ (في أم القوين).
علاوةً على ذلك تدلُّ الآثار التاليةُ لهذه الفترة الزمنية على قُدوم الفينيقيين إلى سواحلَ دولةِ الإمارات، والإقامةِ فيها بعضَ الوقت.
ثم بلغ الساحلُ الغربيّ في الخليج شأناً كبيراً في العصرِ اليوناني مع قُدوم الاسكندر الأكبر، الذي طَمَحَ إلى السيطرة على شبه الجزيرة العربية كلِّها، ولكنَّ وفاتَهُ المبكرةُ حالتْ دُونَ ذلك.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]