نبذة تعريفية عن خصائص وأنواع حيوان “الظربان”
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
حيوان الظربان أنواع الظربان خصائص الظربان الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة
الظَّرابينُ، أو الظّرابيُّ، ثَدْييَّاتٌ لَواحِمُ صغارُ الأحجامِ، تُجيدُ فنونَ الحربِ الكيميائِيَّةِ؛ تَزْدَهي بفِرائِها وتَعْتَدُّ بِسِلاحِها، ولكنَّها لا تَضُرُّ ولا تُهاجِمُ إلاَّ مِنْ بَعْدِ إنذارٍ! وهي من فصيلَةِ السَّراعيبِ الّتي تضمُّ أيضًا السَّمّورَ، والغُرَيْرَ، وابنَ عِرْسٍ («العرسة»).
ومن الظَّرابينِ ما يعيشُ في العالَمِ القديمِ ومنها ما يَخْتَصُّ بالأمريكتيْن. وتَشْتركُ جميعُها في خصائِصَ وخِصالٍ في دِراستِها كثيرٌ من المُتْعَةِ والفائِدَةِ.
وهي في حجمِ القِططِ المَنْزِلِيَّةِ، ولكنَّها تتميَّز بقِصَرِ أَرْجلِها وفكَّيْها وأُذُنَيْها، وحِدَّةِ مخالِبِها.
وتكتسـي الظّرابيّ بفراءٍ كثيفةٍ ملساءَ لامِعَةٍ طويلةِ الشَّعْرِ، فاحِمَةِ السَّوادِ أو ذاتِ لونٍ بُنيٍّ قاتِم، وتُخَفِّفُ دُكْنَتَها خطوطٌ أو بُقَعٌ بيضٌ واضِحةٌ، كما أنَّ لها أَذنابًا كِثافًا تكادُ تبلغُ نِصْفَ طولِ أَجْسامِها.
ومن ظرابيِّ العالَم القديمِ الظَّرِبانُ المُخَطَّط الّذي يَمْتَدُّ انتشارُه من أَفريقيا إلى آسْيا الصُّغرَى ويُعرفُ باسم «الزُّوريلاَّ (وهي لفظةٌ أسْبانيَّةٌ، معناها: الثَّعْلَبُ الصّغيرُ).
والظّرِبانُ الحبشيُّ، والظّرِبانُ اللّيبيُّ الّذي يستوطنُ مِصرَ ويمتدُّ توزيعُهُ إلَى تونِس ويُعرفُ أيضًا باسمِ «أبي مُنْتِن» أو «أبو عَفَن». وأمّا الأنواعُ الأمريكِيَّةُ فأشهرُها الظّرِبانُ الكَنَدِيُّ ذو الشَّريطيْن، والظَّرِبانُ الصّغيرُ الأَرْقَطُ.
ولعلَّ أبرزَ خصائِصِ الظَّرابينِ وسرَّ ذُيوعِ صيتها هو طريقتُها في الدفاعِ عن نَفْسِها، إذْ إنَّ للحيوانِ غُدَّتيْن عندَ قاعِدَةِ ذيْلِهِ كأنَّهما المِدْفعان.
وذلِكَ أنَّه إذا ما أثيرَ الحيوانُ فتملَّكهُ الغضبُ أو الخَوْفُ، تنقبض العضلاتُ المحيطةُ بهما، قاذفةً إفرازَها السائِلَ رذاذًا دقيقًا مسافةً قد تبلغُ نحوَ أَرْبَعَةِ أمتارٍ، بل ربّما سبعةَ أمتارٍ إذا كانَ القذفُ معَ اتِّجاهِ الرِّيحِ.
والسائِلُ الّذي تفرزُه الغُدتان طيّارٌ له رائِحَةٌ خانِقَةٌ كريهةٌ لا تُحْتمَلُ تَزْكُمُ الأَنفَ وتُقَزِّزُ النَّفسَ وتثيرُ الغثيانَ.
هذا فضلاً علَى أنَّه كاوٍ يُحْدثُ التهابًا شديدًا إذا لامسَ أغشيةَ العينِ أو الأنفِ أو الفمِ، بل إنَّه قَدْ يصيبُ العينَ بعمىً مُؤَقَّتِ أو مُستَديمٍ.
وهذانِ المِدْفعانِ – أو الغدَّتانِ – على أُهْبَةِ الاستعدادِ على الدوامِ. وقَدْ يُطْلِقُ الظّرِبانُ منهما ستَّ قَذَفاتٍ متوالياتٍ حتَّى يَفْرُغَا، ولكنه سَرعانَ ما يعيدُ تَعبِئَتَهما بالذَّخيرةِ اللاَّزِمَةِ.
وبعدَ أنْ يفعلَ الظربانُ فَعْلَتَهُ يَمْضي في طريقِهِ «طاهرَ الذَّيلِ»، كما يقولون، إِذْ إنَّه حريصٌ على ألاَّ يلوِّثَ ذيلَهُ أو جِسْمَهُ بشيءٍ من إفرازِهِ الكريهِ.
ولا يستخدمُ الظّرِبانُ سلاحَهُ البغيضَ إلاَّ إذا أُكْرِهَ على ذلكَ، بل إنَّه لا يستخدمُهُ غَدْرًا، وإنّما بعدَ إِنذارٍ وتحذيرٍ. فالظّرِبانُ الكَنَدِيُّ، مثلاً، إذا ما أَحْدَقَ به عدوّ دَقَّ الأرضَ بأقدامِهِ في قلقٍ وصَبْرٍ نافِدٍ.
فإذا لم يُفِدْ هذا في ردِّ عَدُوِّهِ استدارَ ورفعَ ذيلَه منشورًا، ولكنَّ القذيفةَ لا تنطلقُ ما دامَ طَرَفُ الذّيلِ لم يَزَلْ مُرْتخِيًا.
فإذا ما تمادَى العدوُّ في عِنادِهِ وتقدَّم خُطوةً واحدَةً انتصَبَ طرفُ الذّيلِ وانطلقَتْ مُسَدَّدَةً بإحكامٍ نحوَ وجهِهِ.
وكذَلِكَ الظّرِبانُ الصَّغيرُ الأَرْقَطُ، من عادَتِهِ الوقوفُ على رِجْلَيْه الأمامِيَّتينِ لَحَظاتٍ رافعًا عَجُزَهُ كالبَهْلَوانِ. وكثيرًا ما يكونُ ذلكَ من بابِ الرِّياضَةِ أو اللَّهْوِ، ولكنَّهُ أيضًا علامَةُ إنذارٍ مؤكَّدَةٌ، إذْ إنَّ ذلكَ هو وضعُ «ضَرْبِ النّارِ».
وقَدْ يكونُ ذلِكَ راجعًا إلَى صِغَرِ حجمِهِ، فهو يَرْفع مُؤَخِّرَتَهُ حتَّى يُحْكِمَ تسديدَ قذيفتِهِ. والواقعُ إنّ الظّرابينَ لا تكتفي بهذه الإنْذاراتِ، فهي تَبْدُو وكأنَّها تتعَمَّدُ إِظهارَ أَنْفُسِها بهزِّ أَذنابِها، فكأنَّها تقول: «هأنَذَا فاعْرِفوني، إذْ لا جَدوَى لكم في مطارَدَتي ومحاولَةِ افتراسي».
يضافُ إلَى هذا ألوانُها اللاَّفِتَةُ للأنظار، بِجَمْعِها بين الأَسودِ الفاحِمِ أو البنيِّ الأدْكَنِ والبَياضِ النَّاصِعِ. وفي ذلِكَ حِكْمَةٌ واضِحَةٌ، إذْ فيه تجنيبٌ للطَّرفيْنِ تَكَبُّدَ خَسَائِرَ لا مبرِّرَ لها، ولا فائِدَةَ تُرْجَى منها.
والظَّرابينُ تَعْرِفُ جيِّدًا أَنَّها مَرْهوبَةُ الجانِبِ، فهي شديدَةُ الوُثوقِ بأَنْفُسِها: تمشـي في تُؤَدَةٍ، وتمارِسُ صيدَها ونشاطَها بلا مُبالاةٍ، ولا تُفْسِحُ الطّريقَ لأيّ كائنٍ حيٍّ يعترضُ سبيلَها.
ولكنَّها قَدْ تتمادَى في غُرورِها فلا تنحرفُ عنْ طريقِ السَّيَّاراتِ المُسْرِعَةِ، ومِنْ ثَمَّ يلقَى عددٌ كبيرٌ منها مصـرَعَهُ. هذا إضافةً إلى الآلافِ الّتي يَصيدُها الإنسانُ ابتغاءَ فِرائِها الفاخِرَةِ.
وليسَ من العجيبِ أن تَزْهُوَ النِّساءُ بفراءِ الظّرابينِ الجميلَةِ الأنيقةِ، ولكنَّ العجيبَ حقًّا أنْ يكونَ في إفرازاتِ الظّرابينِ الكريهَةِ شيءٌ تطلبُهُ الحِسانُ!
والسِّرُّ في هذا أنّ بعضَ مُنْتِجي العُطورِ قَدْ انتبهُوا إلَى أنَّ هذه الإفرازاتِ تَتَمَيَّزُ بثباتٍ شديدٍ، فهي لا تزولُ منَ الملابِسِ الّتي تتلوَّثُ بها إلاَّ بعدَ زمَنٍ طويلٍ وغَسْلٍ متكرِّرٍ، ومن ثَمَّ عَمَدُوا إلَى الكيميائيينَ في مَعامِلِهم يُنَقُّونها من رائِحتها الكريهَةِ فيحيلونها بذلك إلَى مادَّةٍ مُثَبِّتَةٍ للعطورِ الفاخِرَةِ.
واعتدادُ الظّرابيِّ بأَنْفُسِها يجعَلُها، من ناحيةٍ أُخْرَى، وديعةً تألفُ العيشَ بجوارِ مساكِنِ الإنْسانِ في بعضِ البلادِ، إذْ إنَّها لا تهابُه ولا تُؤذيهِ إلاَّ إذا ضايقَها.
كذلِكَ يمكنُ استئناسُ الظَّرِبانِ إذا ما أُسِرَ صغيرًا، فيصبحُ حيوانًا مدلَّلاً محبوبًا كالقطِّ، ينظِّفُ المنزلَ الرِّيفِيَّ من الحشـراتِ والفئرانِ والجُرذانِ ونحوِها (ولكنَّ الظّرابينَ تأكلُ أيضًا بَيْضَ الطّيورِ وبعضَ الثّمارِ). ولكنْ يحسُنُ، على أيَّةِ حالٍ، إزالَةُ غُدَّتَيْهِ الكريهتيْن بجراحَةٍ صغيرَةٍ تجنُّبًا لمفاجَأةٍ غيرِ سارَّةٍ.
ووسيلةُ الظّرابينِ للدّفاعِ عن أَنْفُسِها تبتليها بِسُمْعَةٍ سيِّئَةٍ. فالجاحظ يزعم في «كتابِ الحيوانِ» أنَّ الظّرِبانَ يَسُدُّ مَدْخَلَ جُحْرِ الضَّبِّ برِجْليْهِ، ثمَّ يُطْلِقُ في الجُحْرِ «ريحَهُ» ثلاثَ مرَّات حتَّى يُغْشَى على الضَّبِّ فيأكلَهُ، ثم يُقيم في جُحْرِه حتَّى يأتيَ على آخِرِ بَيْضِهِ أو صِغارِه.
والعربُ تَصِفُ الظَّرِبانَ بأنَّه «مُفَرِّقُ النَّعَمِ» (أي: الإبلِ)، وذلِكَ أنَّ الظّرِبانَ يتوسَّطُ جماعةً كبيرةً من الإبِلِ، فما إنْ يطلقُ بينها رائِحتَهُ حتَّى تفِرَّ وتَشْرُدَ وتتفرَّقَ فلا يردُّها راعيها إلاَّ بجُهدٍ جهيدٍ.
كذلِكَ الأمريكيُّونَ يستخدمونَ الاسمَ الإنجليزيَّ المقابِلَ للظّرابينِ لأَقْذَعِ السُّبابِ، حتَّى أنَّ التُّجَّارَ يُطلقونَ علَى فِرائِها أسماءَ زائِفَةً لا تمتُّ إليها بصِلَةٍ حتَّى لا يُنَفِّروا النّاسَ من اقتِنائِها.
وتتوالَدُ الظَّرابينُ في أواخِرِ فصلِ الرّبيعِ وأوائِلِ الصَّيْفِ. وتضعُ الأُنْثَى عددًا يتراوَحُ بين جِرْوَيْن وتسعةِ جِراءِ في الأَنواعِ المختلِفَةِ.
ولا يُعاوِنُ الذكورُ في تربيةِ الجِراءِ، بل هي ربما تعتدِي عليها. وفي الأجواءِ البارِدَةِ يقِلُّ نشاطُ الظّرابين، وتهجعُ كثيرًا في جحورِها (لكنَّ هذا لا يُعَدُّ بياتًا شِتويًّا بالمعنَى الصحيحِ).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]