إسلاميات

نبذة تعريفية عن سيدنا “لقمان” عليه السلام

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

سيدنا لقمان عليه السلام إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

كانَ لُقمانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا، قَصيرًا أَفْطَسَ، غليظَ الشَّفَتَيْنِ. كانَ يَعْمَلُ نَجَّارًا، وأَعْطاهُ اللهُ الحِكْمَةَ.

وهو يُعَدُّ مِنْ سَاداتِ السُّودانِ والحَبَشَةِ؛ وهَؤُلاءِ السَّاداتِ ثلاثَةٌ: لُقْمانُ، والنَّجاشِيُّ، وبِلالُ بنُ رَبَاح. وقِيلَ إِنَّ اللهَ خَيَّرَ لُقمانَ بَيْنَ الحِكْمَةِ والنُّبُوَّةِ، فاخْتارَ الحِكْمَةَ علَى النُّبُوَّةِ، فأَتاهُ جِبريلُ وهو نَائِمٌ، فَذَرَّ عَلَيْه الحِكْمَةَ فأَصْبَحَ يَنْطِقُ بِها.

وقِيلَ: إنَّ ما أُوتِيه لُقْمانُ، لَمْ يَكُنْ عَنْ أَهْلٍ ولا مالٍ ولا وَلَدٍ ولا حَسَبٍ ولا خِصالٍ، ولكنَّه كانَ رَجُلاً شَديدَ العَزْمِ سِكِّيتًا، طَويلَ التَّفَكُّرِ، عميقَ النَّظَرِ، لَمْ يَنَمْ نَهارًا قَطُّ، ولا يَعْبَثُ ولا يَضْحَكُ.

 

وكانَ قَدْ تَزَوَّجَ ووُلِدَ لَه أَوْلادٌ فمَاتو، فلَمْ يَبْكِ عَلَيْهم، وكانَ يَغْشَى السُّلْطانَ ويَأْتِي الحُكَماءَ لِيَنْظُرَ ويَتَفكَّرَ ويَعْتَبِرَ.

وقِيلَ مَرَّ رَجُلٌ بِلُقْمانَ، عَلَيْهِ السَّلام، والنَّاسُ عِنْدَه، فسَأَلَه: أَلَسْتَ عَبْدَ بَنِي فُلانٍ؟ قالَ: بَلَى. قالَ: أَلَسْتَ الّذي كنتَ تَرْعَى عِنْدَ جَبَلِ كَذَا؟ قالَ: بَلَى. قالَ: فما الّذي بَلَغَ بِكَ ما أَرَى؟ قالَ: تَقْوَى اللهِ، وصِدْقُ الحَديثِ، وأَداءُ الأَمانَةِ، وطولُ السُّكوتِ عَمَّا لا يَعْنينِي.

ويُمْكِنُ تَعريفُ الحِكْمَةِ بأَنَّها القَوْلُ المُناسِبُ، للشَّخْصِ المُناسِبِ، في الوَقْتِ المُناسِبِ، بالمِقْدارِ المُناسِبِ، والأُسْلوبِ المناسِبِ!

 

ومن أَمْثِلَةِ الأَقْوالِ الحكيمَةِ الّتي تُنْسَبُ إلَى لُقْمانَ، عَلَيْه السَّلامُ:

1- إن اللهَ إذا اُسْتُودِعَ شيئًا حَفِظَهُ.

2- يا بُنَيَّ: اُرْجُ اللهَ رَجاءً، لا تَأْمَنُ فيهِ مَكْرَهُ، وخِفِ اللهَ مَخافَةً لا تَيْأَسُ فيها مِنْ رَحْمَتِهِ. قالَ: كيف أستطيع ذلك وإنما لي قلب واحد؟ قال: المُؤْمِنُ لَهُ قَلْبَانِ: قَلْبٌ يَرْجو بِهِ، وقَلْبٌ يخافُ بِهِ.

 

3- يا بُنَيَّ: أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: رَبِّ اغْفِرْ لي، فإنَّ لِلهِ ساعةً لا يَرُدُّ فيها سائِلاً.

4- وقِيلَ إنَّ السَّيِّدَ الّذي يَعْمَلُ عِنْدَه لُقمانُ قالَ لَهُ يومًا: اذْبَحْ لي شاةً، وائْتِني بأَطْيَبِ مُضْغَتَيْنِ فيها، فأَتاهُ باللّسانِ والقَلْبِ. ثُمَّ قالَ لَهُ يومًا آخَرَ: اذْبَحْ لي شاةً، وأَلْقِ أَخْبَثَ مُضْغَتَيْنِ فيها، فأَلْقَى اللِّسانَ والقَلْبَ. فَتَعَجَّبَ سَيِّدُهُ مِنْ ذَلِكَ، فقالَ لَهُ لُقْمانُ: إنَّه لَيْسَ شَيءٌ بأَطْيَبَ مِنْ اللّسانِ والقَلْبِ إذا طابا، ولا شَيْءَ بأَخْبَثَ مِنْهُما إِذا خَبُثا!

 

5- وقالَ: يا بُنَيَّ: اتَّخِذْ تَقْوَى اللهِ تِجارَةً، يَأْتيكَ الرِّبْحُ مِنْ غَيْرِ بِضاعَةٍ.

6-  وقالَ: يا بُنَيَّ: مَنْ كَذَبَ ذَهَبَ ماءُ وَجْهِهِ، ومَنْ ساءَ خُلُقُهُ كَثُرَ غَمُّهُ، ونَقْلُ الصُّخورِ مِنْ مَوْضِعِها أَيْسَرُ مِنْ إِفْهامِ مَنْ لا يَفْهَمُ.

 

7- وقالَ: يا بُنَيَّ: شَرُّ النَّاسِ الّذي لا يُبالِي أَنْ يَراه النَّاسُ مُسيئًا.

8- وقالَ: يا بُنَيَّ: لا يَأْكُلْ طعامَكَ إلاَّ الأَتْقياءُ، وشَاوِرْ في أَمْرِكَ العُلَماءَ.

 

9- وقالَ: يا بُنَيَّ جالِسْ الصَّالِحينَ مِنْ عِبادِ اللهِ، فإنَّكَ تُصيبُ بِمُجالَسَتِهِم خَيْرًا، ولَعَلَّهُ يكونُ في آخِرِ ذَلِكَ تَنْزِلُ عَلَيْهِم الرَّحْمَةُ فتصيبُكَ مَعَهُم. يا بُنَيَّ لا تُجالِسْ الأَشْرارَ، فإنَّكَ لا يصيبُكَ مِنْ مُجالَسَتِهِم خيرٌ، ولَعَلَّهُ أَنْ يكونَ في آخِرِ ذَلِكَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِم عُقُوبَةٌ فتصيبُكَ.

10- وقالَ: ثَلاثَةٌ لا يُعْرَفونَ إلاَّ في ثلاثَةِ مَواطِنَ: الحَليمُ عِنْدَ الغَضَبِ، والشُّجاعُ عِنْدَ الحَرْبِ، وأَخوكَ عِنْدَ حاجَتِكَ إِلَيْه.

وكانَ لقمانُ يقومُ بِواجِبِهِ نَحْوَ ابْنِهِ بالوَعْظِ، ولكنَّ الأَبَ مَعَ ذَلِكَ مأمورٌ أَنْ يَعِظَ ابْنَهُ، وأَنْ يَنْصَحَهُ ويُوَجِّهَهُ، وأَنْ لا يَمَلَّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَمِرّ عَلَيْه كلَّما سَنَحَتْ لَهُ الفُرْصَةُ، ولا يَتَعَلَّل بأَنَّه لا يَسْمَعُ ولا يَسْتَجيبُ، لأَنَّ اللهَ لَمْ يُطالِبْ الأَبَ باسْتِجابَةِ الابْنِ، ولا يُعَلِّقُ أَجْرَهُ علَى تِلْكَ الاسْتِجابَةِ، بَلْ يُجْرِي اللهُ لَهُ الأَجْرَ والثَّوابَ بِمُجَرَّدِ الوَعْظِ والنُّطْقِ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَعِظْ فإِنَّه يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْمَسْؤولِيَّةِ والعذابِ يَوْمَ القِيامَةِ.

 

ومِنْ مواعِظِ لُقْمانَ لابْنِه الّتي جاءَتْ في سورة «لقمان»:

1- أَمَرَهُ بالتَّوْحيدِ والإيمانِ باللهِ، ونهاهَ عَنْ الكُفْرِ والشِّرْكِ، وبَيَّنَ لَهُ خَطَرَ الشِّرْكِ: ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (13)

2-  أَوْصاهُ بِوَالِدَيْهِ، وخَصَّ أُمَّهُ بالذِّكْرِ، وطالَبَهُ بالبِرِّ بِهِما، والإحْسانِ إِلَيْهما، وطاعَتِهِما، ومُصاحَبَتِهِما بالمَعْروفِ. (14، 15).

 

3- يُعَرِّفُ لقمانُ ابْنَهُ علَى اللهِ، ويَدُلُّه علَى بَعْضِ صِفاتِهِ، كما يُقَرِّرُ عَقيدَةَ البَعْثِ والحِسابِ في الآخِرَةِ ويَعْرِضُ صورَةً عجيبَةً لِعِلْمِ اللهِ الشَّامِلِ لِكُلِّ شَيْءٍ، المُحيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ، والّذي لا يغيبُ عَنْهُ شَيْءٌ مَهْما صَغُرَ: ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (16).

4- وبَعْدَ تَوْجيهاتِهِ في العَقيدَةِ والإيمانِ، يُوصِيهِ بالعِبادَةِ: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (17)، علَى اعْتِبارِ أَنَّ العِبادَةَ بَعْدَ العقيدَةِ. وتَوْجيهُ لُقْمانَ لابْنِه نَحْوَ الصَّلاةِ، يَدُلُّ علَى أَهَمِّيَّةِ الصَّلاةِ، وعلَى وُجوبِها علَى السَّابِقينَ، لأَنَّها هي الصِّلَةُ بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ.

 

5- أَمَرَهُ بالدَّعْوَةِ إلَى اللهِ مِنْ خِلالِ الأَمْرِ بالمَعْروفِ والنَّهْيِ عَنْ المُنْكَرِ(17).

6- أَرْشَدَهُ إلَى الصَّبْلِ علَى ما سَيُصيبُهُ (اصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ) (17)، وذِكْرُ الصَّبْرِ بَعْدَ الأَمْرِ بالمَعْروفِ والنَّهْي عَنْ المُنْكَرِ، يشيرُ إلَى حقيقَةٍ قُرْآنِيَّةٍ قاطِعَةٍ، وهي أَنَّ مَنْ دَعَا إلَى اللهِ، ونَصَحَ النَّاسَ، وأَمَرَهُم بالمَعْروفِ ونَهاهُمْ عَنْ المُنْكَرِ، سَيكونُ عُرْضَةً لِلإيذَاءِ والابْتِلاءِ، حيثُ يَسْخَرُ النَّاسُ مِنْه ويَسْتَهْزِئونَ بِهِ، ويُكَذِّبونَه، ويَضْطَهِدونَهُ، ويُؤْذونَهُ، ويَتَّهِمونَهُ وقَدْ يَقْتُلونَهُ. فإذا لَمْ يَتَزَوَّدْ لِذَلِكَ بِزادِ الصَّبْرِ، فَلَنْ يَثْبُتَ علَى طريقِهِ، ولَنْ يَقومَ بِواجِبِهِ، ولَنْ يَنْصَحَ الآخَرينَ، وسوفَ يُؤْثِرُ السَّلامَةَ والرَّاحَةَ والعُزْلَةَ.

 

7- قَدَّمَ له توجيهاتٍ أَخْلاقِيَّةً، ضرورِيَّةً لِلْقيامِ بالأَمْرِ بالمَعْروفِ والنَّهْيِ عَنْ المُنْكَرِ، ولِقَبولِ كَلامِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وتأثيرِهِ فيهِمْ: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) (18-19).

أ‌- «لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ»: أَيْ لا تَتَكَبَّرْ علَى النَّاسِ فإنَّهم لَنْ يَسْمَعوا إلاَّ مِمَّن كانَ قريبًا مِنْهُم، مُتواضِعًا مَعَهُم.

 

ب‌- «ولا تَمْشِ في الأَرْضِ مَرَحًا»: أَيْ المَشْيُ في تَخايُلٍ وكِبْرٍ وقِلَّةِ مُبالاةٍ بالنَّاسِ.

 

ج-«واقْصِدْ في مَشْيِكَ»: أَرْشَدَهُ إلَى المِشْيَةِ المَقْبولَةِ الصَّحيحَةِ بَعْدَما نَهاهُ عن المِشْيَةِ المَرْذولَةِ الباطِلَةِ، فنصَحَه بأَنْ تَكونَ مِشْيَتُهُ مُعْتَدِلَةً مُتَوَسِّطَةً، فلا هي مِشْيَةُ المَرِحِ المُتَكَبِّرِ ولا هي مشيةُ الضَّعيفِ الذَّليلِ.

 

د-«واغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ»: الغَضُّ مِنَ الصَّوْتِ فيهِ أَدَبٌ وثِقَةٌ بالنَّفْسِ واطْمِئْنانٌ إلَى صِدْقِ الحديثِ وقُوَّتِهِ. وما يَزْعَقُ أو يَغْلُظُ في الخِطابِ إلاَّ سَيِّءُ الأَدَبِ أو شَاكٌّ في قِيمَةِ قَوْلِهِ أو قِيمَةِ شَخْصِهِ يُحاوِلُ إِخْفاءَ هذا الشَّكِّ بالحِدَّةِ والغِلْظَةِ ورَفْعِ الصَّوْتِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى