نبذة تعريفية عن “علم الجيومورفولوجيا”
1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الثاني
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
علم الجيومورفولوجيا علوم الأرض والجيولوجيا
تعد الجيومورفولوجيا من العلوم الحديثة التي ظهرت خلال القرن الحالي كموضوع متكامل، وذلك إذا وضعنا في الاعتبار ما تعنيه كلمة الجيومورفولوجيا بالمعنى العلمي الحديث؛ وهو فهم ظاهرات سطح الأرض وعوامل تشكيلها والتعرف على مراحل تطورها وتعبر مقاطع هذ الكلمة عن طبيعة هذا العلم إلى حد كبير.
فهي تتكون من ثلاثة مقاطع يونانية الأصل هي (geo) ومعناها الأرض و (morphos) ومعناها شكل و (Logos) ومعناها علم أو دراسة، وعلى هذا تعنى الجيومورفولوجيا "علم الأشكال الأرضية".
وقد اتسع نطاق هذا العلم فلم يقتصـر على وصف مظاهر السطح فحسب، بل شمل توزيع هذه الظاهرات ونشأتها وتطورها والعوامل التي تساهم في تشكيلها.
ولقد حلت الجيومورفولوجيا (Geomorphology) محل الفزيوغرافيا (Physiography) التي أطلقت على هذا النوع من الدراسة في أوروبا وأمريكا لفترة طويلة.
وتضم الفزيوغرافيا أحياناً إلى جانب دراسة مظاهر السطح جوانب من علوم البحار والمحيطات والمناخ.
ولقد ترعرعت الأفكار الجيومورلوجية في الأصل في أحضان علم الجيولوجيا في القرنين الماضيين، بل أن الكثير من أسس الجيومورفولوجيا قد وضعت بواسطة أساطين الجيولوجيين أمثال هاتون (Hutton) وديفيز (Davis) وبنك (Penck) وغيرهم.
وإن كان هذا لا ينفي الصلة بين الجيومورفولوجيا وبين الجغرافيا، إذ تمثل الجيومورفولجيا إلى حد كبير – حلقة الوصل بين الجيولوجيا الطبيعية والجغرافيا الطبيعية، التي تهتم بوصف ظاهرات سطح الأرض وتوزيعها، بالإضافة إلى أصل تلك الظاهرات وأعمارها وتطورها.
وتشمل دراسة الظاهرات الجيومورفولوجية عدة نواح أهمها:-
1- دراسة أشكال ظاهرات السطح، وتسمى هذه الدراسة بالدراسة المورفوجرافية (Morphographic Study). وتضم دراسة شكل الظاهرات وتوزيعها.
2– دراسة أبعاد ظاهرات السطح وتسمى بالدراسة المورفومترية (Morphometric Study). وتعتمد على قياس أبعاد كل ظاهرة كالطول والعرض والارتفاع وغيرها مما يساعد على الوصف الدقيق للظاهرة.
3- دراسة أصل الظاهرة وتسمى بالدراسة المورفوجينية (Mor-phogenetical Study). وتهدف إلى التعرف على العامل أو العملية التي شاركت في صنع هذه الظاهرة هل هي الرياح أو المياه الجارية أو الجليد أو غيرها وكيفية تشكل هذه الظاهرة وتعتمد هذه الدراسة على أسس كمية دقيقة.
4- دراسة عمر الظاهرة. وتسمى بالدراسة المورفوكرونولوجية (Morphochronological Study) وتهتم بتحديد الزمن أو الفترة التي تكونت فيها هذه الظاهرة وذلك بهدف تتبع مراحل تطورها.
ويعتبر وليـم موريس ديفيز (W. M. Davis) (1850 – 1934) مؤسس علم الجيومورفولوجيا بمعناه الحديث.
ومما يذكر أن تأثيره على هذا العلم ما زال واضحاً، فقد امتاز بنظرته المدققة والتحليلية لمظاهر سطح الأرض. وإليه يرجع الفضل في تنسيق كل ما سبقه من أعمال ووضعها في إطار متكامل.
فقد رتبت ظاهرات سطح الأرض في مراحل متعاقبة أطلق عليها اسم "الدورة الجغرافية" أو "دورة التعرية". ومؤداها أن ظاهرات السطح تمر بمراحل متعاقبة هي مرحلة الصبا أو الشباب ثم مرحلة النضج ثم مرحلة الكهولة وتمثل مراحل تطورها الجيومورفولوجي .
ويرى ديفيز أن جميع الظاهرات الجيومورفولوجية هي نتاج التفاعل بين ثلاثة عناصر هي التركيب الصخري والبنية الجيولوجية (Structure) والعملية (Process) والمرحلة (Stage).
ويقصد بالتركيب الصخر كل خصائص الصخر من حيث نوعه ومكوناته والمادة اللاحمة لحبيباته ومدى مقاومته لعوامل التعرية، زد على ذلك طبيعة الشقوق والفواصل وغيرها من خصائص معدنية أو كيماوية.
أما البنية الجيولوجية للصخر، فيقصد بها نظام الطبقات ووضعها كأن تتعاقب طبقات صلبة مع أخرى لينة، وقد تكون الطبقات أفقية أو مائلة ملتوية أو متصدعة، وغيرها من الخصائص.
أما العملية فتتوقف على عوامل التعرية ودورها في تشكيل سطح الأرض كالأنهار والرياح والجليد والأمواج وغيرها.
وتختلف عوامل التعرية وما تقوم به من عمليات من إقليم لآخر تبعاً لاختلاف الأحوال المناخية على سطح الأرض.
ففي الأقاليم الرطبة حيث تغزر الأمطار وتتوافر كميات من المياه تنساب فوق سطح الأرض، تصبح الأنهار عاملاً هاماً في تشكيل معالم السطح وتنشط عمليات النحت أو الإرساب النهري. بينما في الأقاليم الجافة يسود عامل الرياح.
وفي الأقاليم الطبيعية (الباردة) تمثل الثلوج أهم مظاهر التساقط، حيث تتكون الأنهار الجليدية والغطاءات الجليدية، ويصبح الجليد أهم العوامل في الإقليم. أما في السواحل حيث يلتقي اليابس مع الماء تصبح الأمواج من أهم عوامل تشكيل السواحل وهكذا.
ولقد أصبحت العلاقة بين العملية الجيومورفولوجية وشكل الظاهرة مجالاً جيداً لتفسير مظاهر سطح الأرض، والتعرف على عوامل تشكيلها، لدرجة جعلت كثيراً من الجيومورفولوجين ينظرون إلى علم الجيومورفولوجيا كعلم يدرس مظاهر السطح وعوامل تشكيلها (land form and process).
وعلى أي حال فقد أصبح من الممكن معرفة أصول الظاهرات الجيومورفولوجية خاصة أن معظم مظاهر السطح الحالي هي بقايا أو آثار أو نتاج عمليات تمت خلال عصر البليستوسين.
أما المرحلة فتعنى عند ديفيز التغير الذي يطرأ على الظاهرة مع مرور الزمن. وتعنى أن كل مظهر من مظاهر سطح الأرض يتطور في سلسلة متتابعة من المراحل. فالسطح الحالي ليس إلا مرحلة لاحقة لما سبقت وهو أيضاً مرحلة سابقة لما سوف يليها.
ولقد كان هاتون (Hutton) (1726-1797) أول من أرسى هذا المبدأ وهو مبدأ التطور التدريجي المنتظم (Uniformaitarianism) ومن أهم ما وضعه من مبادئ، عبارته الخالدة: "الحاضر مفتاح الماضي".
ولقد جاء ديفيز – بعد قرن من الزمان – بنظريته عن دورة التعرية التي تعد تتويجاً لفكرة مبدأ التطور التدريجي المنتظم.
ومؤدى هذه النظرية بالنسبة للأنهار مثلاً (دورة التعرية النهرية) أن الأنهار تمر بمراحل متتابعة، هي مرحلة الصبا أو الشباب ثم مرحلة النضج ثم مرحلة الكهولة.
فعندما تسقط الأمطار تنساب المياه فوق سطح الأرض مكونة أنهاراً يجري كل منها في شكل مجرى شديد التيار تتدفق مياهه فوق انحدار شديد غير منتظم، هو انحدار سطح الأرض الأولى وسط جوانب شديدة الانحدار تأخذ شكل الرقم (7) ويعترض مجراه الكثير من العقبات كالشلالات والجنادل.
وتكون لهذا النهر قدرة كبيرة على النحت ونقل الرواسب وتتميز رواسبه (حمولة النهر) بأن حبيباتها ذات أحجام كبيرة. هذه هي مرحلة الصبا أو الشباب (Youth stage).
ومع مرور الوقت واستمرار عمليات النحت يقل انحدار المجرى، وتقل سرعة التيار تبعاً لذلك، وتتناقص طاقة النهر حتى تصل إلى القدر المطلوب لحمل رواسبه، وهنا يدخل النهر مرحلة النضج (Maturity stage) وهي مرحلة تتميز بالانحدار اللطيف الخالي من الشلالات والجنادل، كما يتسع الوادي.
وخلال هذه المرحلة يملأ النهر واديه بالرواسب التي يبدأ هو فوقها بالانحناء والتعرج من جانب لآخر فيزداد النحت الجانبي ويتسع الوادي باطراد.
وهكذا يقترب النهر من مرحلة الكهولة (Old stage) وعندها يكون الجريان ضعيفاً والنهر بطيء الحركة، يتجول في سلسلة من المنحنيات النهرية فوق سهل فيضـي واسع غير قادر على حمل الرواسب، سوى كميات قليلة من المواد الدقيقة الحبيبات نسبياً.
وعندما يصل النهر إلى مرحلة يصبح فيها غير قادر على النحت يعرف بالنهر المتعادل (Graded river) وفي هذه المرحلة يتحول الإقليم إلى سهل تحاتي (Peneplain).
وكانت فكرة (دورة الصخر) أو (دورة التعرية النهرية) من الأفكار التي كتب فيها اليونان والعرب من قبل.
فقد أشار المسعودي إلى ذلك بمنتهى الوضوح، بل إن تشبيه مراحل التعرية النهرية بالمراحل التي يمر بها الإنسان من الصبا إلى الكهولة، قد نقلها المسعودي عن أرسطو مع إضافات غاية في الأهمية.
ولقد تعرضت آراء ديفيز عن دورة التعرية للنقد الشديد، نذكر منها ما يتعلق بإمكانية إتمام هذه الدورة.
فمن الطبيعي ألا يبقى سطح الأرض مستقراً دون أن يتعرض لحركات تكتونية أو تغيرات مناخية أو تذبذب مستوى سطح البحر. وكلها عوامل تؤدي إلى الإخلال بالدورة وتحول دون اكتمالها.
كذلك فقد أهمل ديفيز الأحوال المناخية وما يرتبط بها من عمليات جيومورفولوجية رغم إعلانه عن دور العملية (Process) كأحد العناصر الثلاثة التي اعتبرها مسؤولة عن تشكيل سطح الأرض.
وربما يرجع ذلك إلى الخلفية الجيولوجية التي دفعته إلى التركيز على النواحي الجيولوجية وإهمال الظروف المناخية، خاصة أن السهل التحاتي لكي يتكون وتكتمل الدورة، يحتاج – كما يرى – إلى ملايين السنين، وهي فترة لا تظل فيها الظروف المناخية على نفس الحال،
فالمعروف والثابت أن العلميات الجيومورفولوجية تتغير تبعاً لتغير المناخ في الإقليم الواحد من زمن لآخر.
ولهذا يتعرض سطح الأرض لدورات متعددة لا لدورة واحدة كما زعم ديفيز. ولكن رغم الانتقادات الشديدة التي وجهت لدورة التعرية لديفيز، تظل هذه النظرية من أهم النظريات التي تناولت ترتيب ظاهرة سطح الأرض في إطار متكامل يقف على الأقل كمنهج شامل للدراسة الجيومورفولوجية.
ونتيجة لعدم الرضا عن الوصف المجرد لمظاهر سطح الأرض التي تعج بها الكثير من الكتب والدوريات لدرجة يصعب معها الخروج بحقائق ثابتة أو أرقام محددة، إلى حد جعل الكثير من الباحثين يجنحون إلى الدراسة العملية الدقيقة.
واستخدام مناهج حديثة، منها المنهج التجريبي الذي استخدمه باجنولد (Bagnold) (1941) لمعرفة حركة الرمال السافية وتكوين الكثبان الرملية في المختبر ومقارنة ذلك بالصحراء (على الطبيعة).
والمنهج الرياضي الذي اتبعه هورن (Horon) (1945) في وصف أنماط التصـريف النهري وتحديد العلاقة بين عناصر شبكة التصـريف النهري. وغيرهما من الباحثيين الرواد الذي كان لهم دورهم الكبير في اتساع علم الجيومورفولوجيا وتعدد مناهجه.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]