الطب

نبذة تعريفية عن “مرض السُلّ” الذي يصيب أعضاء مختلفة من جسم الإنسان

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مرض السُلّ الطب

السُّلُّ هو أَشَدُّ الأمْراضِ المُعْدِيَةِ فَتْكًا بالإنسانِ. وتُقَدِّرُ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ العالَمِيَّةُ أنَّ المرضَ يُصيبُ سنوِيًّا حوالَيْ ثمانِيَةِ ملايينِ شخْصٍ، وأنَّه يَتَسَبَّبُ في مَوْتِ ثلاثَةِ ملايينِ شخصٍ سنويًّا.

والإصابَة بالمرضِ معروفةٌ منذُ زَمَنٍ بعيدٍ، ولكنْ لمْ يَعْرِفْ الإنسانُ شيئًا عن سَبَبِ المَرَضِ إلا في عام 1882، عندَما اكتَشَفَ العالِمُ روبِرْت كوخ البَكْتيريا التي تسبِّبُهُ.

وتخليدًا لهذه الذِّكْرَى اعتبرَتْ منظمةُ الصِّحَّةِ العالميَّةُ يومَ الرابعِ والعشرين من مارس (آذار) «يومَ الدَّرَنِ (السُّلِّ) العالَمِيِّ» وهو اليومُ الذي أَعْلَنَ فيهِ روبِرْت كوخ عن اكتشافِهِ لهذهِ البَكْتيريا.

 

والبَكْتيرْيا المسبِّبَةُ للسُّلِّ عَصَوِيَّةُ الشَّكْلِ، ولكننا نحتاجُ إلى إلى صبْغاتٍ خَاصَّةٍ حتَّى نَتَمَكَّنَ من رؤيتِها تحتَ المِجْهَرِ.

وهي تتميَّزُ بأنَّ نُمُوّها بطيءٌ، وتَحْتاج إلى مزارِعَ خاصَّةٍ لِكَيْ تنمُوَ، كما أن عَدَدَها في العَيِّناتِ يكونُ عادةً قليلاً، مما يَجْعَلُ تشخيصَ المَرَضِ في المُخْتَبَرِ يستغرقُ وقتًا طويلاً.

وأكثرُ الإصاباتِ بالسُّلِّ تكونُ في الرِّئَتَيْنِ (أي السُّلُّ الرِّئَوِيّ). ولكنْ قد تكونُ الإصابةُ خارج الرِّئَتَيْنِ، فقد تكونُ في الأمعَاءِ (السُّلُّ المِعَوِيُّ)، أو في العِظامِ، وقد ينتشرُ إلى أيِّ عُضْوٍ من أعضاءِ الجِسْمِ.

 

وتختلفُ أعراضُ المَرَضِ باختلافِ العُضْوِ أو الجُزْءِ المُصابِ. ولكنْ هناكَ أعراضٌ عامَّةٌ للمَرَضِ، مثل ارتفاع دَرَجَةِ حرارَةِ الجِسْمِ مدةً طويلَةً، والعَرَقِ الغزيرِ خصوصًا في اللَّيلِ، وفُقْدانِ الشَّهِيَّةِ للطعامِ، والنقصِ المُسْتَمِرِّ في وَزْنِ الجسمِ.

وفي حالَةِ السُّلِّ الرِئَوِيِّ يشكو المريضُ من السُّعال، وربما من خروجِ البُصاق مُخْتَلِطًا أحيانًا بالدَّمِ.

وعِنْدَما يَسْعُلُ المريضُ، يَخْرُجُ الرَّذَاذُ من الفَمِ، ويبقَآ مُعَلَّقًا في الهواءِ بعضَ الوقتِ. وهذا الرَّذاذُ يحمِلُ البكتيرْيا المسبِّبَةَ للسُّلِّ. وكذلكَ عندما يبصُق المريضُ على الأَرْضِ، ويَخْتَلِطُ البصاقُ بالأتربَةِ ثم يَجِفُّ.

 

وعندَما نتحرَّكُ على الأَرْضِ، نثيرُ الأَتْرِبَةَ الّتي تبقَى عالِقَةً في الجَوِّ وعليها بكتيرْيا السُّلِّ، وعندما يَتَنَفَّسُ إنسانٌ هذا الهواءَ، تَصِلُ البكتيرْيا إلى رئتَيْهِ حيثُ تنمو وتتكاثرُ، وبذلك تَنْتَقِلُ العَدْوَى من المريضِ إلى السَّليمِ.

وانتقالُ المَرضِ مباشرةً من مريضٍ إلى صحيحٍ يتوَقَّف علَى طولِ مخالَطَةِ الطرفيْن، والمسافةِ بينَهما، وعلَى قُوَّةِ المناعَةِ عند الشخصِ السَّليمِ.

أما السُّلُّ المِعَوِيُّ فينتقلُ إلى الإنسانِ عنْ طريقِ اللَّبَنِ (الحَليبِ) إذا كانَتْ الأبقارُ مصابَةً بالسُّلِّ.

وعندما نتناوَلُ اللبَنَ أو منتجاتِ الألبانِ الطازَجَةِ، مثل الروب (الزبادي) والبوظَةِ والقِشْدَةِ، تدخلُ البَكْتيرْيا إلى الجِهازِ الهَضْمِيِّ حيثُ تصيبُ الأمعاءَ، وقد تنتشرُ منها إلى عِظَامِ العَمُودِ الفَقَارِيِّ (الفقري).

 

وفي إصاباتِ العمودِ الفَقَارِيِّ، تَتَلَفُ العظامُ وينحنِي الظهرُ (يَتَحَدَّبُ) إلى الخَلْفِ، ويسبِّبُ ذلك تشوُّهًا في هَيْئَةِ الجِسْمِ.

كذلكَ يُؤَثِّرُ المرضُ في حَرَكَةِ المَريضِ، وفي تأديتِهِ الأعمالَ التي تَتَطَلَّبُ مجهودًا عَضَلِيًّا، أو في ممارستِهِ الرياضَةَ مثل أقرانِهِ الأَصِحَّاءِ.

وتكونُ الوقايَةُ من السُّلِّ أساسًا بأن نَتَجَنَّبَ التَّعَرُّضَ للعدوَى. فالسُّلُّ الرِّئَوِيُّ ينتشرُ عن طريق الرَّذَاذ، كما ذكَرْنا.

لذلِكَ يجبُ أن نبتعدَ عن الأماكِنِ الرَّديئَةِ التَّهْوِيَةِ، أو الأماكِنِ المزدَحِمَةِ، وأن نتعلَّم العاداتِ الصِّحِّيَّةَ السليمَةَ، مثل وَضْعِ منديلٍ أمامَ الفمِ والأنْفِ عندما نَسْعُلُ أو نَعْطِسُ، وألاَّ نَبْصُقَ علَى الأرْضِ خصوصًا في الأماكِنِ المُغْلَقَةِ.

 

أما السُّلُّ المِعَوِيُّ الذي ينتقلُ للإنسانِ عن طريقِ ألبانِ الحيواناتِ المَريضَةِ، فالأفضلُ عدمُ شُرْبِ ألبانِ هذه الحيواناتِ، بل يجبُ التخلُّصُ منها حتَّى لا تسبِّبَ انتشارَ المَرَضِ للحيواناتِ السليمَةِ أو للإنسانِ.

ويجبُ ألاَّ نَشْرَبَ اللّبَن إلا إذا كان مُعَقَّمًا بالبَسْتَرَةِ، أو بالغَلَيانِ، وكذلك يجبُ ألاَّ نتناوَلَ منتجاتِ الألبانِ المصنوعَةَ من لَبَنٍ غيرِ مُعَقَّمٍ.

وكذلك يجبُ أن نداوِيَ المَرْضَى بالعَقَاقِيرِ الّتي تقضِي علَى بكتيرْيا الدَّرَنِ. والعِلاجُ يَسْتَغْرِقُ وقتًا طويلاً، كما يحتاجُ المريضُ إلى الرّاحَةِ والتَّغْذِيَةِ الجَيِّدَةِ، والإقامَةِ في مكانٍ مُشْمِسٍ وجَيِّدِ التَّهْوِيَةِ. ويجبُ عزلُ المَريضِ عن الأصِحَّاءِ حتَّى لا يكونَ مصدرًا لنَقْلِ المَرَضِ إليهِمْ.

 

ومهما كانَ العلاجُ طويلاً أو مكلِّفًا، إلاَّ أنه ينقذُ المريضَ، ويحمِي عددًا من الناسِ من انتقالِ العدوَى منهُ إليهِم. وفي الماضي لم تكُنْ هناكَ عقاقيرُ شافيةٌ من المرضِ، وكانَتْ حِكْمَةٌ صينيَّة تقولُ: «أصابَ السُّلَّ عشرةَ أشخاصٍ، فتُوفِّيَ تِسعة!».

أما الآنَ فيمكنُنا أن نقولَ: «اكتُشِفَ السلُّ في عشرةٍ، فشُفِيَ تسعة»! بل إنه يمكنُ شفاؤُهم جميعًا.

وهناكَ لَقاحٌ للتحصينِ ضِدَّ السُّلِّ، هو لَقاح «بي سي جي». ويُعْطَى هذا اللَّقاحُ للأطفالِ خلالَ الشَّهرِ الأوَّلِ بعدَ الوِلادَةِ، وذلك بهَدَفِ أن تتكوَّنَ لَدَيْهم مناعةٌ ضدَّ المَرَضِ في وقتٍ مُبَكِّرٍ. ولكنْ ينبغي علينا أنْ نعرفَ أنَّ التحصينَ ليس بديلاً عن تَجَنُّبِ الإصابَةِ، فالوِقَايَةُ خيرٌ من العِلاجِ.

 

وبفَضْلِ التحصينِ والعلاجِ الحديثِ، تَراجَعَ انتشارُ هذا المرضِ منذ عامِ 1900.

ولكنَّ هذا التراجُعَ قد توَقَّف، للأسفِ. وذلك لاكتسابِ مِكروبِ السّلِّ مناعَةً ضدَّ العقاقيرِ التي أخَذَت أجيالُهُ المتتاليةُ تعتادُها.

هذا فضلاً على أنّ انتشار «مرضِ فقدِ المناعَةِ المكتسبِ» (الإيدز) قد ساعَدَ على انتشارِ السُّلِّ، وذلِكَ لأنه يضعفُ مناعَةَ المصابينَ به ضعفًا شديدًا.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى