نبذة تعريفية عن مشكلة التلوث البيئي وأنواعه
1995 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التلوث البيئي أنواع التلوث البيئي البيئة علوم الأرض والجيولوجيا
التَّلَوُّثُ كلمة واسعة المدلول.. وقد تدل على عدم النظافة بدءاً من جسم الإنسان وملابسه، إلى طعامه وشرابه، إلى أدواته ومسكنه، إلى مكان عمله، والشارع الذي يمشي فيه، حتى المدينة التي يعيش فيها.
كما تعني هذه الكلمة وجودَ موادَّ غير مرغوبٍ فيها في بيئة بعينها، بحيث تغيّر من خصائص تلك البيئة وتسبب لها ولمن يسكنها الضرر.
وقد أدَّى التقدم الصناعي حديثاً إلى الإسراف في استخدام الموارد الطبيعية، وبخاصة الفحمُ والبترول، وكذلك المعادن والمياه الجوفية.
كما صحِب هذا التقدمَ إنتاجُ الكثير من المركَّبات الكيميائية التي لم تعرفْها البيئة من قبل. وأدَّى كل ذلك إلى زيادة المخلَّفات الضارة، من غازات، ونُفايات، تلوِّث البيئة وتؤثر في ساكنيها.
وقد صار التلوُّث مشكلة عالمية، تعاني منها معظمُ دول العالم حالياً، وتُبذل جهودٌ كبيرة للحد من آثارها.
ومما زاد من أخطار هذه المشكلة زيادةُ عدد السكان في كثير من الدول، وتكدُّسُهم في المدن المزدحمة، مع وجود وسائل النقل التي تنفث حولهم العوادم السامة، والمصانعُ المتنوعة، وما يتراكم بتلك المدن من ألوام القُمامة، ومشاكلُ الصَّرف الصحي.
وهذه جميعُها تضاعف من حدة المشكلة، وتجعل من الضروري مكافحتها، من أجل استمرار الجنس البشري ورفاهيته.
فإذا أضفنا إلى ما سبق من أشكال التلوُّث، زيادةَ استخدام المبيدات الكيميائية للآفات الزراعية والصحية، وما تسببه من ضرر على الأحياء، بما فيها الأنواعُ المفيدة من الطيور والأسماك والحشرات، حتى أن بعض هذه الحيوانات صار مهدَّداً بالانقراض، مثل، البومة، والصقر، وغيرهما.
ونتج عن ذلك زيادة القوارض الضارة، وانتشارُ سُلالات قوية من الحشرات التي لم تَعُدْ تتأثر بتلك المبيدات.
وهناك صُورٌ للتلوث لا يقتصر وجودها على منطقة محددة، بل تتعداها إلى أماكن بعيدة عن مصادرها. فالتلوث البترولي ينتشر أثره على مساحات واسعة، كما تنتشر الملوِّثات الإشعاعية عبر مسافات مترامية.
ومن صور التلوث أيضاً الضوضاء الصادرة من ضجيجِ الآلات والسيارات والطائرات، فتُحدث الضرر الشديد للإنسان والبيئة.
وأخيراً هناك التلوُّث الذوقي أو الأخلاقي الذي يُثير في النفس الألم والضيق من المناظر أو الألفاظ أو السلوكيات المؤذية أو غير اللائقة.
وجميع صور التلوث تصيب البيئة بالضرر البالغ، وتؤدِّي إلى اختلال التوازن الطبيعي فيها، فتتغير ظروفها، وتصبح غيرَ ملائمة للحياة السوية المستقرة.
ومن أهم صور التلوث:
أولاً: تلوث الهواء
يتلوَّث الهواء بالعديد من الملوثات الغازية، ومن أهمها أكاسيدُ الكِبريت، وأكاسيد النيتروجين، وأكاسيد الكربون وغيرها، إلى جانب الجسيمات التي يحتويها الدخان والغبار المتصاعد من المصانع، ومعامل التكرير، وعوادم السيارات.
فهذه جميعاً تنفث في الهواء نواتج احتراق الوقود بدءاً من الخشب والفحم حتى البترول ومشتقاته، وكذلك نُفايات الصناعة، فتعمل على تسميم الهواء حول الأحياء بما يضرُّ بهم بدرجات متفاوتة.
وقد تتكون من الأكاسيد المذكورة أحماض كاوية، تحملها السُّحُب حتى تَنْزِلَ مطراً حمضيا يضر بالغابات والحقول والسكان.
ومن أهم الغازات السامة غاز أول أكسيد الكربون، الذي يصدر عن الاحتراق غير الكامل للوقود، لأنه لو احترق تماماً لأنتج ثاني أكسيد الكربون غير السام. أما التدخين فإنه يؤذي المدخنين، بل ويمتد أذاه إلى من حولهم أيضاً.
ويؤدِّي تلوث الهواء إلى أمراض الجهاز التنفسي، والقلب، والجهاز العصبي في الإنسان والحيوان، إضافةً إلى التهاب الجلد والعيون، كما يضر بالنباتات المختلفة، فيقلِّل من كفاءتها للبناء الضوئي، فيتأخر نموها وتمرض.
ثانياً: تلوث الماء
تتعرض المياه في البحار والأنهار للعديد من صور التلوث، حيث تُلقَى فيها المياه الملوثة بالمبيدات الكيميائية، ونواتج استخدام الفلزات الثقيلة، والبترول، والمخصِّبات الزراعية، والمنظفات الصناعية، وطَرْح المجاري المنزلية.
فالمبيدات مركبات شديدة السُّمِّيَّة، تُرشّ على الآفات الحشرية، وغيرها، لحماية المحاصيل الزراعية، لكنها لا تقتصر في سُمِّيتها على تلك الآفات فتصيب معها أنواعاً مفيدة أخرى.
ومن خواصها أنها لا تتحلل بسهولة، كما تتراكم في أجسام الأحياء إلى تركيزات قاتلة لها وعندما تصل مع مياه الصرف إلى الأنهار والبحار فإنها تسمِّم الأسماك ومن يتناولها من حيوانات وبشر.
كذلك يتسبب طرح المجاري (الصرف الصحي) في مياه البحر أو النهر في تزايد الميكروبات المرضية بها، وتركيز الأمـلاح الضـارة حـول الأحيـاء المـائيـة وتعفُّــن الميــاه.
كمــا يؤدِّي وجـــود المخصِّبات الزراعية والمنظفات الصناعية في مياه الصرف التي تلقـــي في البحار والأنهار إلى تراكم أملاح الفوسفات والنترات، وزيادة استهلاك الأكسيجين، فتُحرم منه الأحياءُ المائية، وبخاصة الأسماكُ التي تموت مختنقة.
ويتلوث الماء بالفلزات الثقيلة، كالزئبق والرَصاص وغيرها، فيسبب التسمم للأحياء المائية، وخاصة الأسماك، وتنتقل بالتالي إلى الإنسان الذي يتغذى عليها فتدمر له الكبد والكليتين والجهاز العصبيَّ، وغيرهما.
أما التلوث البترولي فيشيع في أغلب بحار العالم بعد تزايد استخراج البترول ونقله وتكريره، مما يؤدي إلى حوادث التسرُّب أو الاصطدام لناقلات البترول وانسكابه في وقت قصير على سطح الماء.
فيغَّطي الماء بطبقة رقيقة منه تنتشر في مساحات كبيرة حاجبة للضوء والهواء عما تحتها من أحياء فنهلك، وبخاصة العوالقُ ويرقاتُ الأسماك.
كما تتحلل مركَّبات سامة من البترول، بعضها يرسَّب ليؤذيَ أحياء القاع، وبعضها يبقى مذاباً في الماء، فيضرَّ بالأسماك والطيور، بل إن بعضها يتبخَّر ملوِّثاً الهواء أيضاً.
ونحن نذكر حوادث حرب الخليج الأخيرة المؤسفة بما صاحبها من تدمير لمئات الآبار البترولية، التي انسكب منها الكثير في مياه الخليج، كما بقيت تحترق لعدة أشهر، فأطلقت في الهواء سحباً ودخاناً ساماً، وبذلك سبَّبَتْ تلوثاً خطيراً في الماء والهواء والأرض، يمتد أثره لعشرات السنين.
ثالثاً: تلوث الغذاء
يتلوث الغذاء بالعديد من الجراثيم المَرَضية أو المواد الكيميائية السامة، فتحدث لمن يتناوله من البشر صوراً مختلفة من الأمراض المعدية، مثل التيفويد، و الباراتيفويد، والكوليرا، والزحار، والدَّرن، وغيرها، أو الإصابة بالديدان الطفيلية، كالديدان الخيطية، ودورة الكبد، والديدان الشريطية، وغيرها.
كذلك يحدث التسمّم الغذائي نتيجة للنشاط الميكروبي، أو لتخمُّر الغذاء نفسه، أو لفساده، أو تفاعله، مع الأواني التي تحتويه، وخصوصاً الأغذية المحفوظة من الأسماك واللحوم وغيرها.
كما تسبب المبيدات الحشرية التي تدخل أنسجة النباتات والحيوانات الضررَ لها، والذي ينتقل إلى الإنسان، فيؤذي جهازه الهضمي، وبخاصة الكبد، كما تصيبه بأمراض الحساسية وغيرها.
رابعاً: التلوث بالإشعاع
مع تزايد استخدامات المواد المُشِعَّة والمفاعلات الذرية والتجارب النووية زاد تلوث البيئة بالإشعاعات الضارة، التي تتسرب إلى الماء والتربة، فيمتصها النبات الذي يوصلها إلى الحيوان ثم الإنسان، فتسبب له مرض الدم والعظام، كما قد تؤدي إلى السرطان.
ونحن نذكر كارثة انفجار مفاعل تِشرْنوبل، في جمهورية أوكرانيا سنة 1986. والذي تسبب في انتشار الإشعاع الضار على مسافات واسعة، تخطَّتْ الحدود حتى وصلت دول وسط أوروبا وجنوبها، وتسببت في هلاك العديد من الأحياء ومَرَضِ الكثير منها.
ويُعَدُّ التخلص من النُّفايات الذّريَّة مشكلةَ القرن الحالي، حيث لا بد من دفنها بعيداً عن البيئة السطحية، حتى لا تتسرب إلى الكائنات الحية.
وأما محطاتُ القوى الكهربية وخطوط الضغط العالي فتسبب حولها مجالات كهربائية شديدة تضر بالإنسان والحيوان والنبات.
خامساً: التلوث بالضوضاء
صار الضجيج يحاصر الإنسان في كل مكان، في منزله أحياناً عندمــا تعمـل الأجهزة المنزلية كالمِكْنَسَة والخلّاط والمكيِّف بل وأجهزة الراديو والتلفاز.. ناهيك عن آلات التنبيه ومكبِّرات الصوت المزعجة بالشارع.
أما في المصنع والمعمل فالآلات المختلفة تبث أصواتاً شديدة التأثير في الأذن، وجميعها تؤدي إلى الإضرار بالسمع والجهاز العصبي والقلب. بل إن الحيوانات أيضاً تصاب بالمرض من أثر الضوضاء مثل الإنسان.
سادساً: التلوّث بالقُمامة
أصبح تراكم القمامة في كثير من المدن يشكل مشكلة كبيرة، وبخاصة في الدول النامية، حيث تحتوي القمامة على نواتج مختلفة من مخلَّفات المنازل والمصانع، بعضها لا يقبل التحلّل كالبلاستيك، والآخر يتعفن بسرعة فيجلب الميكروبات المرضية.
وعندما تتكدس القمامة في منطقة ما فإنها تصبح مأوى للحشرات والقوارض وما تنقله للإنسان من أمراض. كذلك تمثل القمامة بصورتها المشينة ورائحتها الكريهة تلوثاً للمظهر الجمالي والصحة العامة، مما يصيب الإنسان بالاكتئاب والضيق الذي ينعكس أثره في تعطيل الإنتاج وتحطيم الإبداع.
سابعاً: التلوّث بالحروب
تسبب الحروب بما تشمله من أسلحة فتاكة تلوثاً كبيراً للبيئة، وبما تنفثه من أدخنة وغازات وغبار، لا سيما لو استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية المحرَّمة دولياً.
وتسبب الأسلحة الكيميائية الضرر حتى الموت لمن يلمسها او يَشُمُّها او يتناولها بعد إطلاقها من قذائفها على شكل أبخرة سامة، مثل غاز الأعصاب، وغاز الخردل.
أما الأسلحة البيولوجية فتحوي سموم بعض الجراثيم، أو الجراثيمَ الضارَّة نفسها، مما يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة في منطقة الحرب، فلا تفرق بين المتحاربين والمدنيين.
وبعد كل ذلك فماذا أعدَّ الإنسان لمكافحة هذه الصورة المزعجة من التلوث الذي أصبح يحاصره في كل زمان ومكان.
إن العلماء مشغولون في الوقت الحاضر بهذه القضية في مختلف دول العالم. فهم يدرسون الطرق الكفيلة بمنع مصادر التلوث، والعمل على الحد من آثاره على الإنسان والبيئة.
وقد توصلوا بالفعل إلى وسائل معالجة المخلَّفات والغازات الصادرة عن المداخن والعوادم وترشيحها.
كما أمكنهم التوصل إلى إعادة استخدام القمامة في صناعة الأسمدة ومواد البناء والورق والمعادن، إلى جانب حماية الإنسان والبيئة من أخطار التلوث الإشعاعي والضوضائي والحربي، حتى ينعمَ الإنسان بجمال الطبيعة التي وهبها الله له، ويحافظ عليها من التلوث والدمار.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]