نبذة عن إنجازات العالم “تشارلز دارون”
2016 الثورة الصناعية
جون كلارك
KFAS
أبحر تشارلز دارون عام 1831 على متن الباخرة الملكية بيغل، وخلال رحلته جمع ملاحظاته التي حفزته في آخر الأمر لاقتراح نظرية التطور (النشوء والارتقاء) من خلال الانتخاب الطبيعي، لكن الغريب في الأمر أنه لم يركب الباخرة بصفته عالماً للطبيعيات أو علوم الحياة، بل مرافقاً للقبطان على وجبات العشاء.
تشارلز دارون (١٨٠٩-٨٢) هو حفيد الطبيب الإنجليزي إيراسموس دارون (١٧٣١-١٨٠٢) والذي كان إسهامه الوحيد لنظرية التطور تأييده للأفكار الخاطئة لعالم الطبيعيات الفرنسي جين – بابتست لامارك (١٧٤٤-١٨٢٩).
عند بلوغه سن ٢٢ التحق تشارلز دارون بالسفينة الملكية بيغل كمرافقٍ لقبطانها روبرت فتزروي. وبحسب تقاليد ذلك الزمن لم يكن يسمح للقبطان مخالطة ضباطه وبحارته.
لكن رغبة دارون كانت أن يصبح عالم طبيعيات أيضاً، ولذلك استغل الرحلة التي استغرغت خمس سنوات كفرصة فريدة لدراسة نباتات وحيوانات المناطق المترامية الأطراف التي زارها.
رست السفينة على شواطئ تنريف وأرخبيل جزر رأس فردي بمحاذاة الساحل الغربي لإفريقيا ومن ثم أبحرت حول كيب هورن صعوداً إلى الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية.
وعلى هذا المسار رست الباخرة على سواحل باتاغونيا وتشيلي وبيرو وأرخبيل غالاباغوس وذلك قبل إبحارها عبر المحيط الهادئ (الباسفيكي) إلى تاهيتي ونيوزلندا، والعودة أخيراً إلى إنجلترا عبر مسارٍ مر بموريشيوس وجنوب إفريقيا.
كان دارون ينزل من السفينة عند كل ميناء رست فيه لجمع المشاهدات وتدوينها عن أنواع الصخور والنباتات والحيوانات.
خلال السنوات الخمس قام دارون برحلاته إلى البر في أمريكا الجنوبية أكثر من أي مكان آخر – كان دارون في الحقيقة على البر أكثر من تواجده على ظهر الباخرة. وإلى جانب دراسته للنباتات والحيوانات الغريبة الخلابة، درس دارون أيضاً صخور المناطق التي زارها وجيولوجيتها.
شاهد دارون على سواحل باتاغونيا منحدراً صخرياً شاهقاً بارتفاع ١٩.٦ قدماً (٦ م) ووجد على أرضه عظاماً غاية في الضخامة. كانت العظام من الضخامة بحيث لا يمكن القول بأنها تعود للحيوانات المعروفة أيامها، بما في ذلك الحيوانات الجديدة التي شاهدها دارون خلال رحلته.
لاحظ دارون أن العظام تشبه حيوان المدرع (المترجم: حيوان ثديي جنوب أمريكي عن فصيلة الدردوراث) وحيوان الكسلان (المترجم: حيوان أدرد موطنه الغابات الإستوائية في جنوب أمريكا) – وذلك باستثناء حجمه الكبير.
أدرك دارون أن الأسلاف العملاقة لهذه الكائنات إنقرضت، لكن ما شغله هو التساؤل حول سبب موتها وانقراضها. يبدو أن الأسلاف العملاقة لم تكن تصلح للبقاء.
عادت الباخرة بيغل إلى إنجلترا خريف عام ١٨٣٦، بعدها عاد دارون للإستقرار في لندن. درس دارون علوم الجيولوجيا وأعتنق مبادئ النظم الموحدة التي نادى بها عالم الجيولوجيا الإسكتلندي تشارلز ليل (١٧٩٧-١٨٧٥) ومفادها أن عالمنا في حالة دائمة التغير.
كما أن دارون إطلع أيضاً على أعمال عالم الإقتصاد الإنجليزي توماس مالتوس (١٧٦٦-١٨٣٤) الذي استعرض فكرة «الصراع من أجل البقاء».
تبين لدارون حالة شبيهة بين أنواع الحيوانات – على سبيل المثال، لماذا تلد بعض الأسماك أعداداً هائلة من صغارها في الوقت الذي لا تتوافر فيه كمية كافية من الغذاء لإطعامها؟
لكن بعض صغار الاسماك يبقى، وكانت هذه الحقيقة هي التي ألهمت دارون أفكاره ببقاء الأنسب والأصلح من الحيوانات فقط، وأن عملية الانتخاب الطبيعي هي الاّلية التي تجعل بعض الحيوانات أنسب من غيرها.
في الوقت الذي كان دارون يجمع أفكاره حول التطور، توصل عالم الطبيعيات الويلزي ألفريد رسل والاس (١٨٢٣-١٩١٣) إلى نتائج مشابهة بناءً على دراساته على حيوانات اّسيا وأستراليا. دون والاس نظريته عام ١٨٥٨ وبعث نسخة إلى دارون.
وعلى الفور بدأ الرجلان في التشاور فيما بينهما وكتبا رسالة بحثية قدماها للجمعية اللينينية، وأكمل دارون كتابه الملحمي أصل الأنواع بواسطة الانتخاب الطبيعي الذي نشر في العام التالي. وفي عام ١٨٨٩ نشر والاس كتابه في موضوع الداروينية.
تذهب نظرية دارون إلى حدوث التطور على مراحل بفعل الطفرات العشوائية. تورث الطفرات المفضلة وتنقل إلى الأنسال، وبذلك يحدث تطور تدريجي في الأنواع بأكملها. وفي نهاية المطاف تظهر أنواع أكثر صلاحية إلى الوجود وتنقرض الأنواع القديمة الأقل صلاحية.
وبالطبع لم يكن لدى دارون ومعاصرية أية فكرة حول كيفية حدوث الطفرات. ولكن، وبدون علم دارون ومعاصريه، كانت الوراثة موضع الدراسة في حديقة دير في أستراليا على يد راهب مغمور هو جورج مندل (١٨٢٢-٨٤).
كان مندل يقوم بزراعة أجيال متعاقبة من نبات البازلاء ليتوصل من خلال ملاحظاته إلى قوانين الوراثة – بأن الأنسال تكتسب مجموعة من «العوامل» الوراثية نسميها اليوم الجينات. وبذلك وفرت الجينات الوسيلة التي من خلالها يحدث التطور.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]