نبذة عن حياة الأديب “طه حسين”
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الأديب طه الحسين شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
طَهَ حُسَيْن هو عميدُ الأَدَبِ العَرَبِيِّ، وأَحَدُ نَوابِغِ العَرَبِ المُعاصِرينَ. كانَتْ حياتُهُ مِثالاً للإنسانِ الّذي يَنْتَصرُ علَى ضَعْفِهِ ويَتَجاوَزُ عَاهَتَهُ إلَى النَّجاحِ.
لَقَدْ تَسَبَّبَ الجَهْلُ في فُقْدانِ الطِّفْلِ طَهَ حُسَيْن لِبَصَرِهِ وهو في الثَّالِثَةِ من عُمْرِهِ. ولَكنَّه إذا كانَ قَدْ حُرِمَ مِنْ نِعْمَةِ بَصَـرِهِ فإنَّه لَمْ يَفْقِدْ بصيرَتَهُ وعَزيمَتَهُ، فقَدْ تَوَجَّهَ بِكُلِّ قُوَّةٍ ليُعَوِّضَ عاهَتَهُ بالصَّبْرِ والعَمَلِ.
فانْصَرَفَ طَهَ إلَى العِلْمِ الّذي بَدَأَهُ في قَرْيَتِهِ في صَعيدِ مِصْرَ، ثمَّ اتَّجَهَ إلَى العاصِمَةِ القاهِرَةِ، والْتَحَقَ بالأَزْهَرِ الشَّـريفِ عام 1902 وراحَ يَتَلَقَّى العِلْمَ من أشْهَرِ عُلَماءِ تِلْكَ المَرْحَلَةِ.
فاسْتَمَعَ إلَى الشَّيخِ مُحَمَّد عَبْدُه وهو يُفَسِّـرُ القرآنَ، ودرسَ الأَدَبَ علَى الشَّيْخِ المَرْصَفِيِّ. وتَرَدَّدَ علَى عددٍ من مجالِسِ عُلَماءِ الأَزْهَرِ حتَّى حَصَلَ علَى مَعْرِفَةٍ جَيِّدةٍ بالتُّراثِ العَرَبِيِّ القديمِ.
ولكنَّ طَهَ حُسَيْن لم يَكْتَفِ بالدّروسِ الّتي كانَ يَتَلَقَّاها في الأَزْهَرِ، فاتَّجَهَ إلَى التَّزَوُّدِ من الثَّقافاتِ الحديثةِ.
فبدأَ بتَعَلُّمِ اللُّغَةِ الفَرَنْسِيَّةِ (عام 1908)، ثمَّ أَخَذَ يَتَرَدَّدُ علَى الجامِعَةِ المِصْـرِيَّةِ، الّتي كانَتْ تُدَرَّس فيها المناهِجُ الحديثَةُ علَى أَيْدي بعضِ المِصريِّينَ الّذينَ دَرَسوا في الغَرْبِ، إضافَةً إلَى بَعْضِ الأَجانِبِ وعَدَدٍ من المُسْتَشْرِقين. فَتَعَرَّفَ مِنْ خِلالِهِمْ علَى المناهِجِ والدِّراساتِ الحديثَةِ.
وتَقَدَّم طَهَ إلَى الجامِعَةِ المِصْرِيَّةِ للحصولِ علَى شَهادَةِ الدُّكتوراه عامَ 1914، واخْتار أَدَبَ أبي العَلاءِ المَعَرِّي موضوعًا لرِسالَته: «تجديدُ ذِكْرَى أبي العَلاءِ المَعَرِّيِّ».
ولَيْسَ غريبًا أنْ يختارَ أَدَبَ أبي العَلاءِ موضوعًا لَهُ، فكِلاهُما حُرِمَ نعمةَ البَصَرِ، وكِلاهُما اسْتطاعَ أنْ يَتَجَاوَزَ عاهَتَهُ لِيُصْبحَ عَلَمًا منْ أَعْلامِ عَصْرِهِ.
وفي الدِّراسَةِ طَبَّقَ طَهَ حُسَيْن، ولأولِ مَرَّةٍ، أساليبَ البَحْثِ الّتي تَعَلَّمَها في الجامِعَةِ وبِخَاصَّةِ رَبْطُهُ بَيْنَ حياةِ المَعَرِّيِّ وعَصْرِهِ، وأَثَرُ الظروفِ الاجْتماعِيَّةِ والاقْتِصادِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ في إنْتاجِهِ الأَدَبِيِّ.
كانَ طَهَ حُسَيْن أَوَّلَ طالبٍ يحصلُ علَى شَهادَةِ الدُّكتوراه من الجامِعَةِ الجديدَةِ. وفي هذا نجاحٌ واضِحٌ، فهي أَكْبَرُ شَهادةٍ عِلْمِيَّةٍ تُمْنَحُ في مِصْرَ. ولكنَّه لَمْ يَكْتَفِ بهذا النَّجاحِ، فقَدْ كانَ طُموحُهُ كبيرًا، لِذا سَعَى لِلْحصولِ علَى بَعْثَةٍ إلَى فَرَنْسا لِيَسْتَكْمِلَ تَحْصيلَه العِلْمِيَّ، وليَحْصُلَ علَى مزيدٍ من الشَّهاداتِ.
وقَدْ بُعِثَ إلَى فَرنْسا رَغْمَ نُشوبِ الحَرْبِ العالَمِيَّةِ الأَولَى، ليَقْضِـيَ في الغُرْبَةِ خَمْسَ سنواتٍ، درسَ فيها اللُّغَةَ اللاتِينِيَّةَ، والتَّاريخَ القديمَ، والفَلْسَفَةَ، والاجْتِماعَ، والأدبَ؛ وأَعَدَّ رِسالَةَ دُكتوراه أُخْرَى، وكان موضوعُه فيها عن «فَلْسَفَة ابن خَلدون الاجْتِماعِيَّة».
عادَ الدكتور طَه إلَى بَلَدِه عامَ 1919 لِيُعَيَّنَ أستاذًا في الجامِعَةِ المصريَّةِ، ويُدَرِّسَ فيها التاريخَ اليونانِيَّ والرُّومانِيَّ.
وقَدْ قامَ بِتَرْجَمَةِ عَدَدٍ من المَسْـرَحِيَّاتِ اليونانِيَّةِ أَصْدَرَها في كتابِ «من الشِّعْرِ التمثيلِيِّ عند اليونان». كما تَرْجَم كتابَ الفيلسوفِ اليونانِيِّ أَرِسْطو: «نظام الأَثينيين» (1920)..
وتَوَلَّى طَهَ حُسَيْن في الجامِعَةِ المِصْرِيَّةِ (1925) تدريسَ الأَدَبِ العَرَبِيِّ فأَصْدَرَ كتابَهُ «في الشِّعْرِ الجاهِلِيِّ» (1926) فأثارَ ضَجَّةً كبيرَةً، وذَلِكَ بِسَبَبِ دَعْوَتِهِ فيهِ إلَى الشَّكِّ في أَخْبارِ ونُصوصِ الأَدَبِ الجَاهِلِيِّ، وطالَبَ بِتَطْبيقِ المَناهِجِ الحَديثَةِ في دِراسَةِ تاريخِ الأدَبِ.
وتَتَابَعَ إنتاجُهُ العِلْمِيُّ فكتَبَ كتابَهُ: «حافِظٌ وشَوقي» (1933)، و«معَ المُتَنَبِّي» (1936) و«مع أبي العلاءِ في سِجْنِهِ» (1939).
وواصلَ محاضراتِهِ وكتاباتِهِ في الصَّفَحاتِ الأَدَبِيَّةِ والّتي جَمَعَ بَعْضَها في كُتُبِه مثل: «من حَديثِ الشِّعْرِ والنَّثْرِ» (1936)، و«فصولٌ في الأَدَبِ والنَّقْدِ».
وامْتَدَّتْ اهتماماتُهُ في التَّأْليفِ إلَى التَّاريخِ الإسْلامِيِّ، وتناوَلَ قَضاياهُ في أكثرَ مِنْ كتابٍ، مِنْ أَهَمِّها كتابُ «الفِتْنَةُ الكُبْرَى» وهو كتابٌ في جُزْئَيْن، عَرَضَ فيه لِخِلافَةِ كلٍّ من الخليفَةِ الثَّالِثِ عثمانَ بن عفّانَ والخليفَةِ الرَّابِعِ عَلِيٍّ بنِ أبي طالِب.
واسْتَكْمَلَ تاريخَ الخُلفاءِ بكتابِ «الشَّيْخَان» الّذي خَصَّصَهُ لِدراسَةِ خِلافَةِ الخليفَةِ الأَوَّلِ أبو بكرٍ الصِّدّيق، والخليفَةِ الثّاني عُمَرَ بنِ الخَطّابِ.
وتناوَلَ في كتابِهِ «مِرْآةُ الإسْلامِ» المُجْتَمَعَ الّذي ظَهَرَتْ فيهِ الدَّعْوَةُ الإسْلامِيَّةُ، والظُّروفَ المُؤَثِّرَةَ فيهِ، والنظامَ الاجتماعِيَّ السّائِدَ آنَذاكَ، مُبْرِزًا ومُؤَكِّدًا علَى الدَّوْرِ الكبيرِ لِلْقُرْآنِ الكَريمِ والسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
ولطَهَ حُسَيْن جهودٌ مُتَمَيِّزَةٌ في الكِتابَةِ الإبْداعِيَّةِ تَجَلَّتْ في كتابِهِ «الأيام»، الّذي صدَر الجزءُ الأَوَّل منهُ عامَ 1929، وصدرَ الجزءُ الثّاني مِنْهُ عامَ 1940، والثالِثُ عام 1967.
أمَّا كتابُهُ «علَى هامِشِ السِّيرَةِ» (1933) وكتابُهُ «الوَعْدُ الحَقُّ» (1949) فقَدْ قَدَّما حوادِثَ تاريخِيَّةً مُتَّصِلَةً بالسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ بأُسْلوبٍ قَصَصِيٍّ ناجِحٍ.
ومن أَشْهَرِ أعمالِهِ القَصَصِيَّةِ: «أديب» (1935)، «دعاءُ الكَرَوان» (1940)، «الحُبُّ الضَّائِعَ» (1942)، «أحلامُ شَهْرزاد» (1943)، «شَجَرَةُ البُؤْسِ» (1944)، و«المُعَذَّبونَ في الأَرْضِ» (1949).
لَمْ يَكُنْ طَهَ حُسَيْن مُؤَلِّفًا لِلْكُتُبِ فَحَسْبُ ولَكِنَّه كانَ رَجُلاً تَحَمَّلَ مَسْؤولياتٍ كبيرَةٍ، فَقَدْ أخْتيرَ عميدًا لِكُلِّيَّةِ الآدابِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ في ما بَيْنَ عام 1928 حتَّى عامِ 1936.
وتَقَلَّد مناصِبَ أُخْرَى رفيعَةً، فأصْبحَ مُسْتشارًا فَنِّيًّا لِوزارَةِ المَعارِفِ، ومديرًا لِجامِعَةِ الاسْكَنْدَرِيَّةِ. ثمَّ اُخْتيرَ وزيرًا للتَّرْبِيَةِ (1950 – 1952) حيثُ سَعَى لِتَحْقيقِ أَهَمِّ أهْدافِ حياتِهِ، وهو القضَاءُ علَى الجَهْلِ، فهو يَرَى أنَّ التعليمَ، مِثْلَ الماءِ والهَواءِ، حَقٌّ لِكُلِّ طِفْلٍ، فَقَرَّرَ مَجَّانِيَّةَ التَّعْليمِ وسَعَى لإنْشاءِ عَشراتِ المَدارِسِ.
وهو قَدْ حَصَلَ علَى عددٍ كبيرٍ من الجوائِزِ والأَوْسِمَةِ، فقَدْ كانَ أَوَّلَ مَنْ حَصَلَ علَى جائِزَةِ الدَّوْلَةِ التَّقْديرِيَّةِ مِنْ مِصْرَ عام 1958، ومُنِحَ قِلادَةَ النِّيلِ، إضافَةً إلَى أَوْسِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ وأَجْنَبِيَّةٍ ودَرَجاتِ دكتوراه فَخْرِيَّةٍ من عَدَدٍ من جامعاتٍ فَرَنْسِيَّةٍ وإسْبانِيَّةٍ وإنجليزيَّةٍ وغيرها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]