نبذة عن حياة السيدة “فيدا بوبوڨيك”
1995 نساء مخترعات
الأستاذ فرج موسى
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
فيدا بوبوڨيك شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
وبالنسبة لـ ((فيدا))، كما هو الحال بالنسبة للكثير من المخترعين.
فقد أصبحت فكرة الإختراع هي شغلها الشاغل، الذي استحوذ على كل تفكيرها واهتمامها. فأي شيء آخر يحتل المرتبة الثانية بعد فكرة الاختراع؛ بما في ذلك أسرتها، زوجها وأطفالها.
"لقد استمر مرضي نحو ثمانية شهور، حيث انتقلت من مستشفى إلى أخرى، ومن طبيب متخصص إلى آخر، ولكنني كنت في أعماقي أرفض التعاون معهم. وأخيرا، قالوا بأنهم سيمنحونني معاش عجز…".
"لقد كان ابني الصغير – بينما كان واقفا بجوار سرير المستشفى وممسكا بيدى – هو الذي شخص مرضي الحقيقي ووصف العلاج الصحيح والوحيد لي، حيث قال لي: "أمي، إنني أعرف أنه إذا لم تستطيعي بناء مصنعك، فسوف تموتين.
فعليك بالذهاب إلى ألمانيا، حيث طلبوك، وبناء مصنعك هناك!!" فنظرت إليه بدهشة وشكر، وفجأة، بدأ فجر يوم جديد، وشعرت لأول مرة برغبة شديدة في أن تتحسن حالتي وأتماثل للشفاء".
والسيدة "فيدا بوبوڨيك" ذات شخصية حساسة، ولكنها تملك عزيمة قوية وذكاء حاداً؛ وهناك مسحة من الخجل تغلف شخصيتها، هذا إلى جانب ملامح الوسامة، وعيونها الصافية التي تميزها.
وتماثلت "فيدا" للشفاء، وكما توقع ابنها أن علاجها في بناء المصنع، وتصميم وصناعة آلالات، التي في النهاية أنتجت اختراعها المسمى "فيداسيل".
وبمعاونة أصدقائها، استطاعت ((فيدا)) ترتيب القروض اللازمة لبناء مشروع صغير. وقامت الدولة بفرض تعيين أناس معينين للعمل معها – مديرا وعمالا – ولكن هؤلاء لم تكن لديهم نفس روح المبادرة والطاقة المتوفرة لدى صاحبة المشروع.
"فلم أكن – بالنسبة لهم – سوى إنسانة غريبة، جاءت من الخارج من أجل إزعاج روتينهم المعتاد، وأن تفكيري لا يزيد عن إنتاج الاختراع من أجل فائدتي.
لقد نظروا لي على أني امرأة، أحمل تفكيرا في اتجاه واحد. ونتيجة لذلك كله، توقف البناء في المصنع".
لهذا اضطرت ((فيدا)) إلى تحسين الإدارة والقيام بدور مدير المصنع بنفسها.
ولم تكن لدى المصنع سوى موارد متواضعة، فلم تكن الورش قد اكتملت، ولم يكن هناك غرفة لتجفيف المنتجات، لهذا كان يستعاض عنها بعرض المنتج ليجف في الشمس، ولم تكن هناك آلات للقطع والمعالجة، لهذا كان يتم العمل يدويا.
وتتذكر ((فيدا)) قائلة: "وعندما تمكنا من بيع منتجاتنا، كان يتم توجيه النقود مباشرة إلى استثمارها في إتمام المصنع، ومع ذلك كنت أشعر بالسعادة. ففي المصنع،
كنت أشعر وكأني في رحم أمي. وأحيانا كنت أفكر أن عبقرية الاختراع ما هي إلا موهبة إلهية. والمشكلة أنني كنت أحل المشاكل دون أي جهد، ولم أكن أدرك أن هذا لا ينطبق دائما على الآخرين. ولقد عانيت كثيرا من عدم فهمي واستيعابي لذلك الأمر من جانبي".
فبالنسبة لتلك العقول البيروقراطية في السلطات المحلية، كانت ((فيدا)) بعملها الشاق الذي لا يصدق، مصدر شك وريبة بالنسبة لهم. فكانوا حذرين من التجديد، وغير معتادين على تغيير عاداتهم.
أما ((فيدا)) ، فمن جانبها، كانت معتادة على المصاعب منذ اليوم الذي ولدت فيه في عام 1940، حيث كان والداها فقيرين من منطقة جمهورية الجبل الأسود في يوغوسلافيا.
ولم تتلق والدتها أي نوع من التعليم على الإطلاق. وكان على ((فيدا))، بصفتها الأخت الكبرى لسبعة أطفال، أن تساعد أمها في العناية بإخوتها وأخواتها، وفي الشؤون المنزلية.
ولقد أحبت ((فيدا)) الكتب والدراسة بشكل كبير، وكانت دائما الأولى على فصلها. وفي عام 1959، حصلت ((فيدا)) على منحة مكنتها من دخول الجامعة والالتحاق بكلية الهندسة الكيميائية وعلم المعادن.
وكان ذلك على عكس رغبة والديها اللذين كانا يتمنيان لها أن تجد عملا – بدلا من الدراسة – كي تسهم في ميزانية الأسرة.
وكانت السنة الجامعية الأولى لـ ((فيدا)) غاية في الصعوبة والشقاء، حيث عانت من النقص في الكتب، والملبس، والمأكل، وكل شيء تقريبا.
وأخيرا، عندما علمت يوغوسلافيا بأن هناك بلدا أجنبيا (بلجيكا) قد منحت الاعتراف لاختراع ((فيدا))، أصبحت ((فيدا)) مخترعة بارزة. فقد حصل اختراعها ((فيداسيل)) على الجائزة الأولى في المعرض الدولي للاختراعات في ديسمبر عام 1986، بمدينة ((بروكسل)).
وكنتيجة للدعاية التي حصل عليها اختراعها، بدأت الأبواب تتفتح، وحصلت ((فيدا)) على قرض لإتمام بناء مصنعها. وفجأة، وجدت أكثر من 300 مشتر يوغوسلافى على الأبواب، كما قررت السلطات اليوغوسلافية اعتبار اختراعها أفضل اختراع يوغوسلافي لعام 1987.
وهذا النجاح لم يمنع المخترعة من مغادرة مصنعها بعد مرور سنة، حتى عندما وصل الإنتاج إلى مستوى الطاقة القصوى للمصنع.
((والآن، قد أصبحت واثقة من أن اختراعي يمكنه الصمود بمفرده، ولكننى لا أستطيع الاستمرار أكثر من ذلك، فلقد أصبت بالإجهاد الشديد، كما تعبت من كثرة النقد الموجه لي، لكوني في المكان غير المناسب.
فمن رأيهم أن المخترعة ليس مكانها في المصنع، حتى وإن كان مصنعها. رغم أنني قد أتممت تدريب وتشجيع 70 عاملا)).
وقد واجهت ((فيدا)) مشكلة مع أسرتها، وبالتحديد مع زوجها الذي يعمل قاضيا وولديها الصغيرين، حيث ظهر هنا أيضا السؤال التقليدى التالي: هل يمكن لحياة إمرأة مخترعة أن تسير على نفس النسق الذي تسير عليه حياة الرجل المخترع؟
والحقيقة، أن الناس ما زالوا يتوقعون من المرأة – حتى وإن كانت عبقرية – أن تظل على الصورة التقليدية التي في أذهانهم كأم وزوجة. وباختصار، فهي يجب أن تكون في خدمة المجتمع.
"كنت – وعلى مدى 6 سنوات – أقود سيارتي يوميا ذهابا وإيابا، من المنزل إلى المصنع، حيث كانت تبلغ المسافة 175 كيلو مترا.
ولن أذكر لك عدد الساعات التي أعملها يوميا!! فلم أصل يوما أبدا إلى المنزل في الوقت المناسب؛ فأحيانا ما كنت أضطر إلى البقاء في المصنع طوال الليل من أجل الانتهاء من عمل شيء كنت قد بدأته.
لقد شعرت بالذنب الشديد. وعندما بحثت عن السبب، كنت أصل دائما إلى النتيجة قائلة: إن خطئي الوحيد كان يكمن في عاطفتي الشديدة وحماستي نحو اختراعي!!".
وأخيرا قررت أن تشبع عاطفتها في المنزل. فمنذ فبراير عام 1988، استمرت ((فيدا)) في أبحاثها، ولكن تحت سقف منزلها، حيث تقول : "لا تطلب مني مرة أخرى أن أعمل في إحدى شركات الدولة، فإننى أرغب ان أكون سيدة نفسي، وأدير وقتي بنفسي. وقد دعمني زوجي في عمل ذلك، وكذلك ولداي الطالبان في الجامعة الآن".
وقد يبدو، في الحقيقة، أن هذه المخترعة قد كرست حياتها بشكل رئيسي لاختراعها، ولكن هذا الاختراع لم يكن فقط هو المصدر الوحيد لإلهامها.
كانت تقرأ الأعمال الأدبية لكبار الكتاب والفلاسفة والشعراء مثل: شتاينبك، ديستوفيسكي، نيتشة، فروم، فوكنر، هيجل، سارتر، جيد، وإليوت.
"فلكي أقوم بعملي بشكل جيد، كان يجب من وقت لآخر أن أتوجه للقراءة. ليس فقط قراءة الكتب العلمية في مجال التكنولوجيا، ولكن أيضا قراءة الكتب الأدبية، فلولا قراءة هذه الكتب لأصبحت خاوية، وغير قادرة على فهم الكثير من الأشياء والأمور".
ولو كانت ((فيدا بوبوڨيك)) رجلا، فربما لم تكن لتوجه اليها تلك الاتهامات بأنها ضحت بحياتها من أجل العلم، وهي ترد على ذلك قائلة: "لقد كانت لحياتي قيمتها، وعلى أي حال، فعلى كل شخص ان يختار أسلوب حياته، وقد كانت حياتي مثيرة مليئة بالجهد والعرق".
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]