نبذة عن حياة الشاعر”الحُطَيْئَة”
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الحطيئة شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
الحُطَيْئَةُ من الشُّعراءِ العربِ المشهورينَ، وتعالوا نَتَخيَّل أنهُ يُحدِّثُنا عن نفْسِهِ وعنْ حَياتِهِ وعنْ شِعْرِهِ، فماذا سَيَقولُ؟ إنَّهُ يَكادُ يقولُ:
أنا مِنْ مَشاهيرِ الشُعراءِ المُخَضرَمين، أيْ من الشعراء الذين عاشوا في الجاهليةِ وفي صَدرِ الإسلام.
إسمي جَروَل بنُ أوس. وأكنَّى: أبا مُليْكةَ. وأنا من قَبيلةِ عبْس، التي ينتمي إليْها الفارس المشهور، عنتَرةُ بنْ شدَّادٍ؛ لكنَّ بيني وبينَهُ فرقاً كبيراً، فعنترةُ بن شدادٍ أعجبَ الناسُ بشِعرِهِ وشَجاعَتِهِ وأخلاقِهِ. أما أنا فقدْ حملتُ لَقَبَ الحُطيْئة»، وبهِ عَرفني الناسُ، وبهِ اشتهرتُ، ومعناهُ: القصيرُ القَبيحُ.
لَقدْ كانَتْ حَياتي بائسةً لكنَّها – مِنٍ وجهةِ نظري- طريفةً : فأبي لم يعترِفْ بِنَسَبي إليه، وقبيلتي أيضا. لذلك، اعتمدتُ على مَوْهِبَتي وشِعري، ورُحتُ أشُقُّ طريقي في الحياةِ، غيرَ مُبالٍ بأحد.
وعِندما بدأ الإسلامُ يغمرُ الجزيرةَ العربيةَ دَخلُتُ فيهِ. لكنَّي مع الأسفِ – لم أكن عميقَ الفَهمِ لهذا الدين العظيم، الذي أصلحَ حياةَ العربِ، غيَّرَ مَجرى التاريخ الإنساني.
لذلك وبكُلَّ أسَفْ كنتُ منَ المرتدين عنْ الإسلام ، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلّم لكني سرعان ما دخلتُ الإسلام من جَديد، ولم أخرجْ منْهُ بعدَ ذلك، لأني عرفتُ أنَّ الإسلامَ مَوجودٌ بوجودِ الرسولِ أو بِدونِهِ.
أمَّا شَخصيتي، فأنا أرى أنني ظريفٌ وخفيفُ الرّوحِ. لكنّني في الحقيقة، مشهورُ عندَ الناسِ وفي التاريخ بالجشعِ وبالّلؤمِ وبالنّفسِ الدّنيئةِ وبالطّبعِ السّخيفِ وبالنَّفاقِ، لذلك لا أصلُحُ أن أكونَ قُدوةً للناس الطيبينَ. وليسَ معنى ذلك أنَّ شِعري رديءٌ أيضا، كلاَّ ثمَّ كلاَّ!
أسألوا النُقَّاد، وأسألوا المُدرسين عن شِعري وقَصائدي. سيقولون لكم أنَّ لديَّ مَوْهِبةً شِعْريةً؛ وإنَّ أشعاري في غايةِ الجودةِ، خاصةً عندما أمدحُ أو أهجو.
فأًنا إن مدحتُ شخصاً قُلتُ فيهِ من صِفاتِ التعظيم والاحترام التي يحبّها وليست فيه، ووضعت هذا المدحِ في ألفاظٍ مُعبِّرةٍ، وموسيقى شِعريةٍ مُؤثّرةٍ، ومعاني مُحبَبَّةٍ وصورَ شعريةٍ واضحةٍ يرتاحُ إليها الممدوحُ، فيُعطيني مالاً كثيراً .
إنني عندما أمدحُ، أرفعُ أحياناً الإنسانَ المغمورَ؛ فمثلاً: كان بنو أنفِ الناقةِ أُناساً يستحونَ من لَقَبِهم فما قلتُ أمْدَحُهُم :
قومٌ هُمُ الأنفُ والأذنابُ غيرُهُم
ومنْ يُساوي بِأنْفِ النِّاقةِ الذَّنْبا
فَرحوا وأخذوا يَفتَخرون بِلَقِبِهِم .
أمّا اذا اغتظتُ من إنسانٍ، فإنني أكتبُ قصيدةً أو قصائدَ في هجائِهِ، تنزلُ بهِ أسفلَ سافلين، فاختارُ الألفاظَ والمعاني والصورَ التي تُؤثَّرُ في هذا الإنسان، والتي يستحي أنْ يُوصفَ بِها، فيخافُ مني، ويُحاولُ أن يُراضيني، أو يشتكيني عندَ الحاكِمِ.
كما حدَثُ عنْدما هجوتُ الزِّبْرِقانَ بنَ بَدرٍ، الذي أكرمني وضيَّفَني، ومع ذلك هَجَوتُهُ ( لأني – كما قُلتُ لك – مشهورٌ عند الناس بأنَّي ناكرٌ للجميل)، فاشتكاني إلى الخليفةِ عُمرِ بنِ الخطاب، الذي حَبَسَني في السجن، فقلتُ ابياتاً رقيقةً استعطفُ بها الخليفةُ، وأصفُ فيها حالة أولادي الصّغار بعدي:
ماذا تقولُ لأطفالٍ بذي مَرَخٍ
زُغُبِ الحواصِل، لا ماءٌ ولا شجرٌ
ألقيتَ كاسِبَهُم في قَعْرِ مُظْلِمةٍ
فاغفر، عليكَ سلام اللهِ يا عمَرُ
فلمَا سمعَ عُمرُ الأبياتَ رقَّ قلبُهُ، فأخرَجني وأعطاني ثلاثة آلافِ دِرْهَم على شرطِ أن لا أهجوَ أحداً منَ المُسلمين.
ومنُ أشعاري التي أحبُّ أن تقرأها قصيدتي الجميلةُ التي تُصَوِّرُ الكَرمَ عندَ العربِ ومَطْلَعُها:
وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البَطنِ مُرْمِلٍ
ببيداء لم يَعرفْ بها ساكنٌ رَسْما
ولا شكَّ أنّ جودةَ شِعري كانت بِسبَبِ تأثرِي بِشِعرِ شُعراء عاشوا قَبلي، وأُعجِبْتُ بِشعرهم، وسرتُ على طريقتهم في العنايةِ بشِعرِهم قبلً نَشْرِهِ، مثلُ النّابغةِ الذّبياني وزُهير بنِ سُلمى الذي كنتُ راويَ شِعرِهِ أيضاً.
لقدْ تناوَلتُ في شِعري جَميعَ الفُنون الشعريةِ، كالمدحِ والهِجاء والفَخْرِ والغَزلِ، لكنَّ اكثرَ ما اشتَهرْتُ به هو الهِجاء؛ ذلك أني لمَّا وجدتُ الناس يُعجَبونُ بِهجائي هجَوتُ حتى أبي وأمي، بل ونفسي أيضاً. وتجدُ كلَّ ذلك في دِيواني المطبوعِ. لقد ارتاح الناس منهُ ومن شَرِّهِ عِندما ماتَ سنةَ 59 ه (679م).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]