نبذة عن حياة الشاعر جرير
1996 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السابع
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الشاعر جرير شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
اسمه: حُذيفة بنُ بدرِ بن سلَمة بن عوف، شاعرٌ تميميٌّ من قبيلة كُليب اليَربوعية.
وجرير والفرزدق والأخطل هم المقدَّمون على شعراء العصر الإسلامي.
وجرير لم يَنشأ في بيت مال كما كان الشاعر الفَرَزدق (المنافسُ له في ميدان الشعر والنقائض)، إنما عاش في ظل عشيرته التي تعتمد على الرعي، إلا أنه نشأ في بيت اهتَمَّ بالشعر حتى توارثه الأبناء عن الآباء.
وقد بدأت موهبة جرير الشعرية وهو في عُمْرٍ صغير. تَولى جدُّة تلقينه الشعر، وتدريبَه عليه، حتى كَبُر ونال بالشعر مكانة عالية..
وقد اتفق العرب في عصره على أن أشعر أهل الإسلام ثلاثةٌ: جريرُ والفرزدقُ والأخطلُ. وقد تميز هؤلاء بشِعر الهجاء، وقد فاقهم جرير في هذا الفن، حتى قيل إن لسانه في الهجاء كان أقطعَ من السيف.
ولم يتبادلْ جرير الهجاء مع الفرزدق والأخطل فقط، وإنما كان يهاجيه شعراء آخرون فينتصرُ عليهم بالشعر، وثبَت أمامه الفرزدق والأخطل، وقال جرير: والله ما يَهجوني الأخطل وحده وإنه ليهجوني معه خمسون شاعرا.
وإلى جانب الهجاء اشتَهر جرير بشعر المدح والفخر، وله أشعار كثيرة في مدح الحَجاج بنِ يوسفَ الثقفيِّ واليَ العراقَ في عهد بني أمية.
وكان الخليفة عبدُ الملك بنُ مروان يقرِّب منافسَه الأخطلَ حتى أصبح من شعراء البَلاط الأموي في تلك الفترة، وكان جرير يتمنى أن يصل إلى هذه المكانة، وقد أوصله الحجاج نفسُه إلى الخليفة عبد الملك، حتى أصبحَ أشهر مَن مدحه من الشعراء.
ومن أقواله في الخليفة عبدِ الملك:
فإني قد رأيت عليَّ حقــــــا زيارتي الخليفة وامتداحي
ألستم خيرَ من ركب المطايا وأندى العالمين بُطونِ راح
فقد جمع بين صِفتي الشجاعةِ والكرمِ في بني أمية. فنال إعجاب الخليفة، وكَثُرت عطاياه وهباتُه. (المطايا: جميع مَطية، وهي الدابة التي تُركب، والراح: جمع راحة وهي بَطن الكف، وأندى: أجود وأكرم).
وقد تفوَّق أيضا في شعر الغزل الذي وضعه في مقدمات قصائد المدح والهجاء. وقد استطاع خلال الغزل أن ينقَل مشاعر الحب الخالص الطاهرِ في صُوَرٍ بديعة وعبارات متقنة، ومنها قوله:
لقد كتمتُ الهوى حتى تهيَّمني لا أستطيع لهذا الحب كتمانا
إن العيون التي في طَرْفها حَوَرَ قَتَلننا ثم لم يُحيين قتلانا
يُصْرِعْن ذا اللبِّ حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا
وقد مكُّنته موهبته الشعرية النظْم في فنون الشعر المختلفة، فكان له في الرثاء أشعار تناقلتها الناس، وأشهرها ما رَثَى به زوجتَه، وكانت أجمل ما قيل في رثاء الزوجات:
لولا الحياء لعادني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولّهتِ قلبي إذ عَلتني كَبْرة وذوو التمائم من بنيك صغار
ولقد أراك كُسِيت أجمل منظر ومع الجمال سكينةٌ ووقار
صلَّى الملائكةُ الذين تُخيِّروا والصالحون عليك والأبرار
(استعبار: حزن ودمع، ولهت: حيرت، كَبْرة: كِبَر وضعف، التمائم: جمع تميمة، وهي ما يعلق على الصبي خوف الحسد).
فكانت كلماته في هذه الأبيات تَنبض بحزن عميق، إلا أن تأثره بقيم الإسلام وتعاليمه جعله يدعو لها دعاء المسلم المؤمن بحكم الله سبحانه وتعالى.
فجرير وإن اشتهر بفن الهجاء وبالذات في نقائضِه مع الفرزدق بشدة ألفاظها وقسوة معانيها إلا أن رِقَّة مشاعره ودقةَ أحاسيسه في الرثاء والغزَل وعواطف الزوجية والأبوة
وكذلك معاني الفَخر والمديح، جعلته متمكنا من كل فنون الشعر، وتأكيدا على هذا القول ما ذكره أحدُ فصحاء الأعراب في مجلس عبدِ الملك بن مروان، وجرير في المجلس دون أن يعرِفه الأعرابي، فقال امدح بيت كان لجرير وهو قوله:
ألستم خيرَ من ركب المطايا وأندى العالمين بُطونِ راح
وذُكِر أيضا أن أفخر بيت كان لجرير وهو قوله:
إذا ما غَضِبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلُّهمُ غضابا
وقال أهجي بيت هو لجرير أيضا:
فغُضَّ الطرف إنك من نُمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقال أغزل بيت هو أيضا لجرير:
إن العيون التي في طرْفها حَورَ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فعندما سمع جرير هذا القول، قال: جائزتي للعُذْرِي (أي الأعرابي) يا أميرَ المؤمنين، فقال له عبد الملك: وله مثلُها من بيت المال، ولك جائزتك يا جرير لا تنتقص منها شيئا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]