نبذة عن حياة الصحابي “أبو عُبَيْدَة الجَرَّاحُ”

1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الصحابي أبو عبيدة الجراح شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

هو عامرُ بنُ عبد الله بنُ الجراح. وُلِدَ سنَة أربعين قبل الهجرة وكان من كبار صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو من العشرة السابقين إلى الإسلام، وأحدَ العشرةِ الذين بشـرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.

كما كان قوي الإيمان، راسخَ العقيدة، لا يخشـى في الله لومَة لائم، وقد حدثت له حادثةٌ تؤكدُ ذلك.

حين خرج المسلمون إلى معركة بدر، وتلاقى المسلمون وجيش الكفار، كان أبو عبيدةَ في صف المسلمين، يقاتلُ مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه في صف المشركين يقاتل النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

 

والتقى الأبُ والابنُ وجهاً لوجه فكان أبو عبيدة ينصـرف عن أبيه رأفةً به، ولكن الأب يتعقبه، ويتعرضُ له أكثرَ من مرة يريد قتَله.

وهنا كان الاختيار الإيماني العظيم، هل يُقَدِّمُ حُبَّ الله ورسوله، ونُصْـرَة الإسلام، على حب أبيه أم يغلَّبُ حبَ الأبِ.

وهنا كان نداءُ الإيمان الراسخ والعقيدة القوية، فتغلب في نفس أبي عبيدة حبُ الله وحبُ رسوله ونُصرةُ الإسلام، وواجَه أباه وقاتله قتالاً شديداً حتى قتلَه.

 

ولم تكن هذه حادثةً عاديةً، فقد كَبُر هذا الرجل المؤمن الخالص الإيمان في نظر النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، حتى نزلَ في هذه ذكرٌ لها في القرآن الكريم(لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة:22.

وأبو عبيدة من الرجال المؤمنين المعدودين الذين يحتاجهم المسلمون عِندَ الشدة. شَهِدَ له القرآن بالآيات السابقة التي نَزَلَتْ، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه: "إن لكل أمة أميناً، وأمينُ هذه الأمة أبو عبيدةَ بن الجراح".

 

وكان ثالثَ أحبِّ الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أبي بكر وعمرَ، رضوان الله عليهم. وعرف الصحابةُ الكرامُ قدره ومكانتَه، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين، وهو الخبير بالرجال ومكانتِهم.

كان جالساً مع جمع من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في فناءِ دارٍ واسعة، فأراد أن يبيِّن لهم مكانة أبي عبيدة، فقال: تَمَنَّوْا، قال رجل: أتمنى لو أن لي هذه الدارَ مملوءةً ذهباً أنفقه في سبيل الله عز وجل. ثم قال تمنوا، قال رجل: أتمنى لو أن هذه الدارَ مملوءةً لؤلؤاً وزبرجداً، أو جوهراً أنفقه في سبيل الله عز وجل، وأتصدق به.

ثم قال: تَمَنَّوْا، فقالوا: ما ندري يا أميرَ المؤمنين ما هي الأمنيةُ التي تريدُها أنت ولم نعرفْها. فقال عمر أمير المؤمنين: أتمنى لو أن هذه الدارَ مملوءةٌ رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح.

 

نعم إن دعوة الإسلام لا تنتصـر ولا تنتشـر بإنفاق الذهب والفضة وحده وإنما يتحقق لها النصـرُ والانتشار بأمثال أبي عبيدة من الرجال الأمناء الأقويات المجاهدين في سبيل الله.

لقد اشترك هذا الرجلُ المجاهد في كل المعارك التي مرت على الإسلام فشارك النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، كُلَّ المعارك التي خاضها صلوات الله وسلامه عليه.

وفي معركة أُحُد حين أصابَ المشركون وجه النبي، صلى الله عليه وسلم، وسال الدم من وجهه، ودخلت حَلْقَتَان من حلقات الحديد الذي كان يلبسه المحاربون على رؤسهم جاء أبو عبيدة، وعَضّ بأسنانه على الحَلْقة الأولى فنزعها بشدة فخرجَتْ، وسقطت ضرسه التي في الأمام.

 

ثم عَضّ على الحَلْقة الثانية فنزعها بشدة من وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وسقطت ضرسه الثانية. فعل ذلك في نفسه ليخفف عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَلَم الحديد في وجهه الكريم.

وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر رضي الله عنهما، ما تَخَلَّفَ عن معركة واحدة، بل كان قائداً لأكبر جيوش المسلمين، فقد ولَّاه أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيادةَ الجيش إلى بلاد الشام، بعد خالدِ بن الوليد رضي الله عنه، ففتَح على يديْه أكثرَ بلاد الشام، وبلغ بجيوشه إلى العراق وما جاورها.

 

وفي سنة ثماني عشرة للهجرة، وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تُوُفِيَّ أبو عبيدة بن الجراح في مرض الطاعون الذَي أصاب بلادَ الشام.

ودفن في مدينة بيسان وكان عمرُه حين وفاتِه ثمانياً وخمسين سنة. رَحمَه الله ورضي عنه.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]