شخصيّات

نبذة عن حياة العالم “همفِرِي دِيفي”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

همفِرِي دِيفي حياة العالم همفري ديفي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

تلَفَّت حولك ترى الناس سكوتاً وكأن على رؤوسهم الطير وفي وجوههم وعيونهم دلائل الشوق والتوق للاستماع والاطلاع .

وإذ أنت كذلك يدخل شابٌ طلعته وسيمة وخطوته رشيقة وملبسه أنيق، يشرع في الحديث بصوت أغنٍّ وعبارات فصيحة ولهجة مليحة وترتيب منطقي وحٌجّة دافعة وساطعة، مُلخِّصاً النتائج التي أسفرت عنها آخر بحوثه.

ولكنه لا يكتفي بمجرد الوصف، كائنةً فيه براعته ما كانت، بل يعمد إلى التجربة ليؤيِّد الفعل القول، ويساند العلم العمل ، وتقترن النظرية بالتطبيق .

وتُذيَّل كل تجربة بتصفيق . حتى إذا مضت ساعتان والحضور بما يسمعون مشدوهون ولما يرون مذهولون ومنبهرون، تنتهي المحاضرة بين تصفيقٍ يُخضبِّه الهتاف .

عندئذ أغمض عينيك وقل أنك استمعت لإحدى محاضرات السير همفري ديفي (شكل رقم 226) أستاذ الكيمياء في المعهد الملكي بلندن في مطلع القرن التاسع عشر .

 

علماءٌ … للبيع !!

"لو استطاعت أمة أن تحصل على شخص مثل وات أو ديفي أو فاراداي بثمنٍ قدره مائة ألف جنيه، لكان ثمناً بخساً" .

كانت هذه هي وجهة نظر العالم الإنجليزي توماس هكسلي في مطلع القرن العشرين في نداء له طلب فيه مساعدة حكومته في إعداد العلماء ورعايتهم، فإذا علمنا أن ديفي مثلا يعتبر المسئول الأول عن إنشاء صناعات تستوعب بلايين الدولارات سنوياً نتيجة بحوثه في الكيمياء الكهربائية، لأدركنا حقاً أن طلب "شراء" مثله بمائة ألف جنيه، حتى بأسعار مطلع القرن العشرين، ليعتبر طلباً متواضعاً .

وقد عمل ديفي وتلميذه النجيب فاراداي في المعهد الملكي بلندن، الذي أسَّسه الكونت رمفورد ، وكان أحد أغراض هذا المعهد تعليم العلماء الشبان وتدريبهم، ولا زال يمارس هذا الغرض بين الشباب حتى اليوم فقد يظهر من بينهم وات أو ديفي أو فاراداي، آخرون!.

 

طفولةٌ …. ثريّة

ولد همفري في 17 ديسمبر عام 1778 في مدينة بنزانس الساحلية بإنجلترا. جده بنّاء وأبوه حفّار.

وكان قوي البنية ذكي الفؤاد مذ طفولته، فمشى وهو ابن تسعة أشهر، وتكلم وهو ابن سنتين، وتردَّد على المدرسة وهو بن خمس سنوات من غير ما قسرٍ على الدراسة أو إجبار .

وقد أشار إلى ذلك في كتابه إلى أمه وهو في الرابعة والعشرين: "كان من حسن طالعي أني لم أُجبر وأنا صغير على اتباع خطة معلومة في الدراسة ولا حُثثتُ يوماً على اجتهاد. وإلى ذلك يُنسب ما تولَّد لدي من ذوق علمي، فأنا وليد جدي واجتهادي، ولا أقول ذلك بُعجبٍ وإنما بتواضعٍ وبساطة قلب" .

كان ذكي العقل كما أسلفنا، فكان يحفظ دروسه بسرعة ثم يتم يومه بين لعب وعمل ومسلَّ مع آلاته وتجاربه العملية ، وأولى تجاربه كانت صهر القصدير من الحجارة . فعل ذلك لا كتجربة علمية وإنما مجرد تسلية لأترابه من البنات!

 

وكان في حداثته يميل إلى التصوير والخطابة، يدخل غرفته ويقف على كرسي يخاطب جدرانها!. وكان يصطاد الطيور النادرة ويُحنّطها والحشرات الطائرة ويُصبّرها، كما كان يجمع المعادن ويصنفها. وجملةً، قد تعدَّدت اهتماماته ، وتفتَّقت مواهبه وهو غض الإهاب- لقد كانت طفولته ثرية حقاً .

ولما بلغ السادسة عشرة توفي أبوه تاركاً عائلته في ضيق وفقر فاضطر للسعي والكدح. فدخل صيدلية جرَّاح وتعلَّم منه فني الصيدلة والجراحة.

واستعرت في نفسه رغبةً ملحةً في دراسة العلوم، فعكف عليها هاوياً ومستمتعاً ، ولم يدع فرعاً منها إلاّ ولج بابه. وكان دفتره في يده دائماً يُعلِّق فيه حيث يجب التعليق .

 

ديفي … شاعرا!

مال همفري في صباه إلى نظم الشعر . وكان يترجم الأشعار من اليونانية واللاتينية إلى الإنجليزية.

وفيما بعد أحب فتاة فرنسية فهام بها ونظم فيها أشعاراً رقيقة ، ثم نظم قصائد أخرى كانت من مختارات الشعر الإنجليزي، حتى قال عنه أحد كبار شعراء عصره ، صمويل تايلود كوليريدج : "إنه لو لم يصر من أكبر علماء الكيمياء في عصره لكان من أشعر شعرائه.

ولكن لو صار شاعراً لخسر الناس مباحثه العلمية وما ترتّب عليها من نفع للبشرية، ولم يكسبوا من سحر بيانه أكثر مما كسبوا من بلاغة خطبه ورقَّة نظمه" .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى