نبذة عن حياة وإنجازات الشيخ “عبدالعزيز الرشيد”
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الشيخ عبد العزيز الرشيد إنجازات عبد العزيز الرشيد شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
عَبْدُ العزيزِ بنُ أحمدَ بنِ رشيدِ بنِ إبداحٍ، عَلَمٌ من أعلامِ النَّهْضَةِ الفِكْرِيَّةِ في الكُوَيْتِ، وعَلَمٌ من أعلامِ النَّهْضَةِ العَرَبِيَّةِ أيضًا.
فَلَهُ جَوْلاتٌ ومَواقِفُ في عالَمِ الصَّحافَةِ غيرُ خفيَّة، ولَهُ صَوْلاتٌ ومكانٌ في دُنيا الجهادِ الدِّينِيِّ، والإصْلاحِ الاجْتماعِيِّ.
وُلِدَ في الكُوَيْتِ عامَ 1301هـ (1844م). كان قصيرَ القامَةِ، أَسْمَرَ اللَّونِ، سريعَ المِشْيَةِ جادًّا، لا يَرُدُّهُ عن عَزْمِهِ شيءٌ، كتومًا لِسِرِّهِ.
تَلَقَّى علومَهُ الابتِدائِيَّةَ بالكُوَيْتِ، وهو في سِنِّ السّادِسَةِ. فأَتَمَّ القرآنَ الكريمَ في الكُتَّابِ، ثمَّ تَعَلَّمَ علَى يَدِ المُلاَّ زكريَّا الأنصارِيِّ العلومَ الشَّرْعِيَّةَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، ثمَّ الْتَحَق بعدَ ذلِكَ بمَجْلِسِ الشَّيخِ عبدِ اللهِ الدَّحيانِ، وأصبحَ أَحَدَ تلاميذِهِ المعروفينَ، وكانَ عُمْرُهُ وَقْتَذاكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عامًا.
ثمَّ سافَرَ مُتَّجِهًا إلى الزُّبَيْرِ عامَ 1320هـ (1902م)، قاصِدًا الشيخَ مُحَمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ العَوْجانِ. لِتَعَلُّمِ أُصولِ الفِقْهِ الحَنْبَلِيِّ والنَّحْوِ والتَّجويدِ في مَدْرَسَةِ الزُّهَيْرِ، وكانَ مَقَرُّها مَسْجِدَ الباطِنِ. وكذلِكَ دَرَسَ علومَ الحِسابِ، والجَبْرَ، والهَنْدَسَةَ، والفَلَكَ.
وبَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ عادَ إلَى الكُوَيْتِ عام 1903م، لزِيارَةِ أَهْلِه. وفي السَّنَةِ نَفْسِها زَوَّجَهُ أَبوهُ حتَّى لا يُغادِرَ الكُوَيْتَ مرَّةً أُخْرَى، ويُكْمِلَ دراسَتَهُ بالكُوَيْتِ.
لكنْ لا شَيْءَ كانَ يَرُدُّ الشَّيخَ عبدَ العزيزِ عنْ إكمالِ تَعْليمِهِ، فكانَتْ وِجْهَتُه هَذِه المَرَّةَ إلى الإحْساءِ، حَيْثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ عبدِ القادِرِ، المعروفُ بِعِلْمِه وتَقْواه وكَرَمِهِ وشِعْرِهِ.
لَكِنَّ والِدَه أَحْمَدَ لَمْ يَكُنْ راضِيًا عن سَفَرِه هذِه المَرَّةَ، فقرَّرَ أنْ يَذْهَبَ إليهِ حَتَّى يُعيدَهُ مَعَهُ لِلكُوَيْتِ. وعِنْدَ عَوْدَتِه للكويْتِ اشْتَغَلَ مَعَ والِدِهِ وأَعْمامِهِ في رِحْلاتٍ للغَوْصِ على اللُّؤلُؤِ، فأَكْسَبَتْهُ هذه الرِّحلاتُ عِلْمًا ومَعْرِفَةً مَكَّناه منْ أنْ يَكْتُبَ في موضوعاتٍ عن الغَوْصِ في مُؤَلّفاتِهِ.
وفي عام 1911 عَزَمَ الشّيخُ عبدُ العزيزِ علَى السَّفَرِ مَرَّةً أُخْرَى لاسْتِكمالِ عِلْمِه. وكانَتْ وِجْهَتُه هذه المَرَّةَ إلَى بغدادَ، قاصِدًا الشيخَ مَحمودَ شُكْري الأَلوسِيَّ، أَحَدَ أَبْرَزِ عُلماءِ الأُسْرَةِ الألوسِيَّةِ في العراقِ.
فَرَحَّبَ بهِ الألوسِيُّ وأَلْحَقَهُ بالمَدْرَسَةِ الدَّاوودِيَّةِ أو الحَيْدَرْخانَة. وفي هذهِ الفَتْرَةِ من حياتِهِ قامَ بتأليفِ رِسالَتِهِ الّتي أَسْماها «تَحْذيرَ المُسلمينَ عن اتِّباعِ غَيْرِ سبيلِ المؤمنينَ»، وكانَتْ أَوَّلَ إنتاجٍ يَكْتُبُهُ. وتَمَّ طَبْعُها في بَغْدادَ عامَ 1321هـ (1911م) في مطبَعَة دارِ السَّلامِ.
وكانَتْ هذه الرِّسالَةُ ردًّا علَى قصيدَةِ الرَّصافِيِّ – رَحِمَهُ اللهُ – بعنوانِ «التَّرْبِيَةِ والأُمَّهاتِ»، والّتي كانَ مَطْلَعُها:
هيَ الأَخْلاقُ تَنْبَتُ كالنَّباتِ
إذا سُقِيَتْ بماءِ المَكْرُماتِ
وقالوا شِرْعَةُ الإسلامِ تَقْضِي
بِتَفْضيلِ الّذينِ علَى اللَّواتِي
لَقَدْ كذبوا علَى الإسلامِ كذبًا
تزولُ الشُّمُّ منهُ مُزَلْزَلاتِ
وجاءَتْ رِسَالَتُه هذه نَقْضًا لهذهِ القَصيدَةِ، وتفضيلاً للرِّجالِ علَى النِّساءِ، ومُحارَبَةً لِتَعْليمِ المَرْأةِ وخُروجِها منَ المَنْزِلِ. فهذهِ الرّسالةُ تجعلُنا نَقفُ علَى مَرْحَلَةٍ فِكْرِيَّةٍ في حياةِ الشَّيْخِ عبدِ العزيزِ، كانَ فيها مُلْتَزِمًا في آرائِهِ، مُتابِعًا لِشَيْخِه محمودٍ الألوسِيِّ في مَسْأَلَةِ حِجابِ المَرْأَةِ وتعليمِها.
كذلك تُظْهِرُ هذه الرِّسالةُ مَقْدِرَةَ عبدَ العزيزِ علَى جَمْعِ الأَدِلَّةِ المُتَناثِرَةِ في الكُتُبِ الدِّينيّةِ المُخْتَلِفَةِ، وسَعَةِ اطِّلاعِهِ. وكانَتْ هذه هيَ المَرَّةَ الأولَى الّتي يُلَقَّبُ فيها بالشيخ عَبْدِ العزيزِ وهو لَمْ يَتَجَاوَزْ الرَّابِعَةَ والعِشرينَ من العُمْرِ.
بَدَأَ الشّيخُ عبدُ العزيزِ بالتَّطَلُّعِ إلَى كَسْبِ المَزيدِ مِنَ العِلْمِ. وكانَ ارتِحالُهُ هذه المَرَّةَ إلَى مِصْرَ، بَلَدِ الشّيخِ مُحَمَّد عَبْدُه وتلميذِهِ مُحَمَّد رَشيد رِضا، وبلدِ الأَزْهَرِ، وخاصَّةً عِنْدَما سَمِعَ عَنْ افْتِتاحِ دارِ الدَّعْوَةِ والإرْشادِ الّتي أَسَّسَها مُحَمَّد رشيدُ رِضا سنةَ 1330هـ (1912م) فقَرَّرَ الالْتِحاقَ بهذِهِ المَدْرَسَةِ، ولكنَّ الحَظَّ لَمْ يُحالِفْهُ هذه المَرَّةَ فَتَرَك مِصْرَ، مُتَوَجِّهًا إلَى مَكَّةَ ثمَّ المَدينَةِ.
وفي مكَّةَ أَخَذَ الشيخُ عبدُ العزيزِ يَتَّصِلُ بالعُلماءِ المُسلمين، وبالمَدارِسِ والهَيْئاتِ العِلْمِيَّةِ فيها، كما حَضَر الكثيرَ من حَلَقاتِ العِلْمِ حَوْلَ الكَعْبَةِ، وقابَلَ الشَّيْخَ مُحَمَّد الخِضْـرَ الحُسَيْنَ أَحَدَ علماءِ الأَزْهَرِ، ورئيسَ جَمْعِيَّةِ الهِدايَةِ الإسْلامِيَّةِ في مِصْرَ.
وبعدَ سنواتٍ من تحصيلِ العِلْمِ، عادَ الشيخُ عبدُ العزيزِ إلَى الكُوَيْتِ عام 1913م، وكانَتْ في تلكَ الفَتْرَةِ تَحْتَ حُكْمِ الشَّيخِ مُبارك الصّباح، وكانَ مِنْ أَوَّلِ المُؤَسِّسينَ لِلْمَدْرَسَةِ المُبَارَكِيَّةِ.
وبَعْدَها عُيِّنَ مديرًا لِلْمَدْرَسَةِ المُبارَكِيَّةِ، ثمَّ تَوَلَّى بَعْدَها وظيفةَ الواعِظِ في مَجْلِسِ أميرِ الكُوَيْتِ الشيخِ أَحْمدَ الجابرِ الصّباح رَحِمَهُ الله، كما عَيَّنَه عُضْوًا في مَجْلِسِ الشُّورَى، وكَذلِكَ عَمِلَ مُدَرِّسًا في المَدْرَسَةِ الأَحْمَدِيَّة مع عَبْدِ المَلِكِ الصَّالِحِ.
وكانَ الرَّشيدُ أوَّلَ مَنْ دَعا إلَى تأسيسِ المَكْتَبَةِ الأَهْلِيَّةِ عامَ 1341هـ (1922م)، وكذلِكَ أَسَّسَ النّادِيَ الأَدَبِيَّ عام 1342هـ. وهو يُعَدُّ أَوَّلَ مُحاضِرٍ كُوَيْتِيٍّ، حيثُ أَلْقَى محاضرتَيْن في الأَشْهُرِ الأُولَى من تأسيسِ النّادِي، ولكنَّ هذا النّادِيَ لَمْ يَدُمْ طويلاً وأُغْلِقَ لأَسْبابٍ مالِيَّةٍ.
وكانَ لِلْمرحومِ الشَّيخِ عبد العزيزِ الرَّشيدِ مؤلفاتٌ لَمْ يُطْبَعْ منها إلاَّ الجُزْءانِ الأَوَّلانِ مِنْ تاريخِ الكُوَيْتِ، منها: «المُحاوَرَةُ الإصْلاحِيَّةُ»، وكَتَبَها بأسلوبٍ مَسْرَحِيٍّ، ومَثَّلَها في سنةِ 1344هـ طَلَبَةُ المَدْرَسَةِ الأَحْمَدِيَّةِ، و«الدّلائِلُ البَيِّناتُ في حُكْمِ تَعَلُّمِ اللُّغاتِ»، و«الصَّواعِقُ الهاوِيَة علَى النَّصائِحِ الكافِيَةِ»، و«تحقيقُ الطّلَبِ في رَدِّ تُحْفَةِ العَرَبِ»، و«الرَّدُّ مِنْهاجُ الشَّريعَةِ».
كذلِكَ أنشأ الرَّشيدُ مَجَلَّتَهُ المعروفَةَ باسْم «الكُوَيْتِ» عام 1928م. وهي أَوَّلُ صحيفَةٍ ظَهَرَتْ في الخليجِ العَرَبِيِّ، فكانَتْ نِبْراسًا ومُنْطَلَقًا للتعبيرِ عن الرَّأْي، ومِنْبَرًا للأَدَبِ، ومجالاً لِتَربِيَةِ مَواهِبِ الشَّبابِ.
وصدر منها أربعةٌ وعشرون عددًا، وطُبِعَتْ في بغدادَ. ثُمَّ أَصْدَرَ في جَاوَةَ (إندونيسيا) مَجَلَّةَ «الكُوَيْتِ والعراق» عامَ 1932م، مع الرَّحَّالَةِ العِراقِيِّ يُونُس البَحْرِيِّ، وكذلِكَ جريدةَ «التَّوْحيدِ»، كما نُشِرَتْ له عِدَّةُ صُحُفٍ وقَصائِدَ ومَقَالاتٍ.
وفي عامِ 1347هـ سافرَ إلَى الحِجازِ بِطَلَبٍ من مَلِكِها المرحومِ عبدِ العزيزِ آل سعود، الّذي طَلَبَ إليهِ أنْ يذهبَ إلَى الشَّرْقِ داعيةً للإسلامِ، فاسْتَقَرَّ في إندونيسْيا (جاوَةَ)، وكانَ وَقْتَها الخِلافُ علَى أَشُدِّهِ بينَ العَلَوِيّينَ الّذينَ هُمْ دعاةُ الصّوفِيَّةِ وبينَ الإرْشادِيِّينَ الّذينَ هُمْ دعاةُ السَّلَفِ. وقد نَجَح الشيخُ عبدُ العزيز في حَلِّ بَعْضِ الخِلافِ الّذي بَيْنَهُم.
وطالَتْ إقامَتُه في جَاوَةَ، وتَزَوَّجَ هناكَ من ابْنَةِ مهاجِرٍ عَرَبِيٍّ، وتُوُفِّيَ، رَحِمَهُ اللهُ في سنغافورة عامَ 1359هـ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]