شخصيّات

نبذة عن حياة وعائلة الدكتورة “ماتيلدا بون”

1995 نساء مخترعات

الأستاذ فرج موسى

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الدكتورة ماتيلدا بون شخصيّات الطب

كان ذلك اليوم من شهر مايو 1985- عندما كانت ماتيلدا ((Mathilde)) في الرابعة والأربعين من عمرها – يوم لا ينسى، ولن ينسى.

سألتني ماتيلدا قائلة: ((هل تعلم ماذا قال لي رئيس الاجتماع عندما قدمت بحثي عن استخدام فرن الميكرويف في مختبر الباثولوجي (علم الأمراض)؟ ((أشكرك على إسهامك الذي قدمته. .. من المطبخ)). من المطبخ…!! " وانتاب ماتيلدا غضب شديد.

و((ماتيلدا بون)) حاصلة على درجة الدكتوراة في علم الأمراض (1977). قامت بتأليف أكثر من 150 بحثا علميا.

 

وكان البحث الذي قدمته للجمعية الهولندية لعلم الأمراض هو ثمرة خمس سنوات من تجريب أجهزة الميكرويف، وبالرغم من ذلك فقد شعرت بمعاملتها كما لو أنها قد اكتشفت وصفة جديدة لصناعة الكعك.
((لقد كان موقف البروفيسور ((Hoedemaeker)) مطابقا لموقف معظم الرجال الذين ما زالوا ينظرون إلى النساء- خاصة اللآتى يعملن في مجالي – نظرة الازدراء، حيث تشغل النساء العالمات نسبة تتراوح ما بين 1% إلى 2% فقط))

وأضافت ((ماتيلدا)) ضاحكة: ((ولكن، زوجي وشريكي في الاختراع مختلف بالطبع. ونحن نعمل سويا يبدا بيد. وعقولنا تلعب معا لعبة كرة المنضدة, فأرسل له فكرة ويرد عليها بالحسابات والأرقام. فزوجى ((لامبرخت Lambrecht)) يعتبر عالما ممتازا بحق)).

والحقيقة أن ((ماتيلدا)) وزوجها ((لامبرخت كوك)) قد دفعاني لتذكر العالم ((إينشتين Einstein)) وزوجته (( (ميليفا ماري) Mileva Mari عالمة الرياضيات، حيث كان الزوج يقدم الأفكار، وتقوم الزوجة بإجراء العمليات الحسابية.

 

والفرق هنا أن مكتشف نظرية الجاذبية لم يعترف بفضل زوجته ذات يوم، في حين كانت ((ماتيلدا)) دائما ما تعترف بإسهامات زوجها.

وظهر اسم هذين الزوجين الهولنديين، اللذين اخترعا التطبيقات الطبية للميكرويف، على براءات اختراعهما، وكذلك على غلاف الكتاب الذي قاما بتأليفه معا.

و((ماتيلدا بون)) طبيبة في علم الأمراض، وتتعامل مع أسباب وطبيعة المرض، ومع التغيرات الجسمية التي يسببها المرض لخلايا الأنسجة والجلد.

 

ولكي تفحص عينات من هذه الخلايا بالميكروسكوب، يتطلب ذلك الكثير من الوقت من أجل إعداد كتل من الخلايا مسبقا لفحصها.

والدكتورة ((ماتيلدا)) تعمل مديرة لمختبر علم الخلايا والأمراض بمدينة ((ليدن Leiden)) حيث يعمل تحت إشرافها 30 شخصا .

ومن الأعمال الكثيرة المهمة، التي تم اجراؤها في المختبر هو ذلك الفحص لعينات عنقية رحمية، أرسلها أطباء أمراض النساء لعمل اختبارات خاصة لخلايا مريضه، لمعرفة ما إذا كانت معرضة للإصابة بالسرطان أو مصابة بالفعل.

 

ولما كان التشخيص والعلاج المبكر أمرا حيويا لهذا المرض، فقد انقذت ((ماتيلدا)) الكثير من أرواح الناس دون رؤية أي مريض منهم!!

وقد سجلت براءة الاختراع الرئيسي للسيدة ((ماتيلدا بون)) وزوجها السيد ((كوك)) لأول مرة في عام 1986، في الولايات المتحدة الأمريكية عندما اكتشفت هذان الزوجان العالمان أنه في حالة تعريض عينات الخلية لأشعة الميكرويف، فإن الوقت المستغرق لإعداد كتل الخلايا يتم تقليصه من 12 ساعة إلى ساعة واحدة فقط، بل إلى أقل من ذلك أحيانا.

وأكثر من ذلك يمكن الحصول على نماذج أوضح تزيد من درجة الدقة لهذا الفحص الاكلينيكي.

 

ولقد بدأ العمل في هذا البحث في أواخر السبعينيات، واستمر كل هذه السنوات حتى عام 1986 حيث كانت تستخدم في إجرائه أفران الميكرويف التي نستعملها في مطابخنا.

وفي عام 1987، قامت إحدى الشركات الأمريكية بإنتاج أجهزة ميكرويف خاصة، زادت من كفاءة التطبيقات الإكلينيكية بدرجة كبيرة، حيث كانت هذه الأجهزة على درجة أفضل من التحكم في نظام الوقت ودرجة الحرارة والقوة من تلك الأجهزة العادية.

في عام 1988، قام الزوجان بتقديم طلب براءة أوربية لاختراع آخر، يتعلق أيضا بالتطبيق الإكلينيكي لأشعة الميكرويف التقليدية.

 

وهذا الاختراع عبارة عن طريقة محسنة للعلاج السابق على عمليات الزرع للعظم، والجلد والأوتار والغضروف وصمامات القلب والأنسجة العرقية، وغيرها من المواد.
((شكرا على إسهامك من المطبخ!!)) لقد ثبت أن تلك الكلمات، التي جرحت السيدة "ماتيلدا بون" في يوم ما بعمق شديد، كانت نعمة خفية.

ومن أجل الإعلان عن أسلوبهم في العلاج، قامت ماتيلدا وزوجها بتأليف كتاب عن ذلك. وعندما حان وقت اختيار عنوان الكتاب، تذكرت ((ماتيلدا)) فجأة تلك الملحوظة الجارحة التي قالها رئيس الجمعية الهولندية لعلم الأمراض، واستخدمتها لصالحها بسخرية. وكانت الفكرة وبحق، محطا لجذب الانتباه، "فلماذا لا أسمي الكتاب. .. كتاب الطهي؟"

وعلى الرغم من نشر الكتاب تحت عنوان "كتاب طهي الأمراض بواسطة الميكرويف" في عام 1987، فإنه ما زال يحقق نجاحا ساحقا، وتتكرر طباعته عاما بعد عام.

 

و((ماتيلدا)) امرأة رشيقة، مملوءة بالحيوية، ذات شعر قصير، ولدت في جزيرة "Curacao" في عام 1939، إحدى جزر البحر الكاريبي" وعندما يقرأ شخص سيرتي الذاتية دون أن يراني، فإنه يعتقد أنني سوداء البشرة.

فمن المعروف أن 99% من مواليد تلك الجزيرة من الزنوج. كان عمري 6 سنوات عندما عادت عائلتى إلى هولندا. ويالها من صدمة فقد شعرت وكأنني قد طردت من جنة عدن.

حيث كانت تلك الجزيرة حلما حقيقيا، وبدت هولندا حزينة كئيبة، بل أكثر من ذلك أنها كانت في فترة ما بعد الحرب مباشرة".

 

كان والدا ((ماتيلدا)) ذكيين فأمها حاصلة على درجة الدكتوراه في علم النبات – وكان ذلك أمرا غير عادي في ذلك الوقت بالنسبة لامرأة – وأصبحت رئيسة مختبر بحوث الأصداف في أمستردام، وهي في الثانية والثلاثين من عمرها عام 1937.

ثم غزا "كيوبيد" قلبها ووقعت في حب أحد مساعديها، وهو مهندس شاب، فتزوجته، وأصبح شريط حياتها في المنزل والعمل. فتبعته أينما ذهب، وأجرت البحوث له."كانت أمي تكبر أبي بست سنوات وقد ساعدته على بناء مستقبله العملي.

وهو يدين لها بجزء من نجاحه. وكانت آخر أعماله هو رئاسته لأحد المراكز العلمية الشهيرة (TNO) . كان والدي شخصية مميزة بحق، لكن، بسبب مركزه المهم، كان الجميع يغفر له تطرفه في بعض الأمور.

 

ومثال ذلك أنه لم يكن يرتدي معطفا بلاستيكيا أسود كالذي يرتديه المهندسون في مواقع البناء، بل كان يقوم (بترقيعه) بنفسه بشريط لاصق!! وفي نهاية حياته، أصبح مهتما بدرجة كبيرة بمشاكل البيئة.

وقد بدأت ((ماتيلدا)) عملها، في يوم من الأيام، في إحدى غرف منزلها، أما الآن فهي تملك مختبرا كبيرا يمتد إلى ثلاثة مبانٍ، ويمكن الوصول إلى مكتبها بعد صعود سلم حلزوني، يؤدي إلى الطابق العلوي.

 

وكان لوالدها تأثير كبير عليها، وهذا هو السبب في أن ((ماتيلدا)) دخلت دائرة حماية البيئة بعمق شديد. فلا تبحث عن طفاية للسجائر في مختبرها !!

كما أن جميع هيئة العاملين معها وهم ثلاثون فردا من غير المدخنين. وفي غرفة مكتبها، تجد بجوارها سلتين للمهملات، واحدة للمهملات العادية، بينما الأخرى، تكوم فيها "ماتيلدا" بعناية الأوراق المستخدمة لاستخدامها مرة أخرى.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى