نظرية “الحراكيات النيوتونية المعدلة”
2006 موسوعة علم الفلك والفضاء2
شوقي محمد صالح الدلال
KFAS
نظرية لتفسير الكتلة المفقودة في الكون بتعديل قانون نيوتن للحركة .
اقترح هذه النظرية عالم الفيزياء الفلكية موتي ملغروم (Moti Milgrom) من معهد وايزمان للعلوم.
تعد قوانين نيوتن الأساس الذي ترتكز عليه الحراكيات النيوتونية ، وقد استطاع العلماء استخدام هذه القوانين لتقديم تفسيرات مقنعة للجاذبية ولحركة الأجسام على نطاق أرضي ولكنهم وجدوا أنها عاجزة عن تفسير حركة الأجسام على نطاق كوني – مما دفع آينشتاين إلى إعادة صياغة قوانين الحركة في نظرية النسبية العامة.
والنظرية الجديدة هي تعديل طفيف على قوانين نيوتن للحركة ولكنها ليست نظرية شاملة كالنظرية النسبية العامة.
وقد وجد العلماء في نهاية الستينيات أن النجوم الواقعة قريباً من حافة المجرات تدور بسرعة هائلة حول مراكز هذه المجرات وبسرعة تصل أحياناً إلى عشرة أضعاف ما يمكن تفسيره بافتراض أنه ناتج عن تأثير جاذبية كتلة المجرة المرئية فقط.
وقد أكدت الأرصاد على أن البنى الكونية متعددة الأجرام ، كالمجرات والحشود المجرية، هي منظومات على قدر كبير من التماسك رغم أن قوى الجاذبية الناتجة مباشرة عن كتلها المرئية غير كافية لتفسير هذا التماسك.
ولتفسير هذه الظاهرة افترض العلماء وجود مادة غير مرئية تعرف بالمادة المعتمدة الباردة *(cold dark matter)، وقد اقترحت عدة مكونات لهذه المادة الافتراضية ، منها الأجسام الهالية الملتزة كبيرة الكتلة (MAssive Compact Halo Objects, MACHO)*.
مثل الأقزام السمراء (brown dwarfs)* ، والأقزام البيضاء *(white dwarfs)، والنجوم النيوترونية *(neutron stars) ، والثقوب السوداء *(black holes) – ومنها جسيمات كبيرة الكتلة – ضعيفة التفاعل *(Weakly Interacting Massive Particles , WIMPs).
وهي جسيمات كبيرة الكتلة ولكنها لا تتفاعل مع المادة العادية المكونة من النيوترونات والبروتونات وذلك لأنها مكونة من شيء آخر غير معروف تماماً.
وتقوم النظرية الجديدة بتعديل قوة الجاذبية وجعلها أكثر شدة في المناطق البعيدة المحيطة بالمجرات الحلزونية ، وفي الحشود المجرية.
ويذهب مليغروم إلى أن قوانين نيوتن تفشل في تفسير طبيعة الحركة – لأسباب غير معروفة – في المناطق التي تتدنى فيها كثافة المادة بشكل كبير ، وتأثير الجاذبية المعدل وفقاً لهذه النظرية صغيرة جداً ولا يظهر ويصبح ملحوظاً حتى تنخفض قيمتها إلى جزء من 100 بليون جزء من قيمتها على الأرض.
ولا تقدم النظرية تفسيراً لاختلاف قوانين الجاذبية في المناطق صغيرة الكثافة، ولكن يعتقد بعض العلماء أن لثابت الجاذبية المعدل الذي تفترضه النظرية علاقة بالمادة المعتمة (dark en-ergy)* ، أو ما يسمى أيضاً بالثابت الكوني (انظر quin-tessence).
وتوضح نظرية الحراكيات النيوتونية المعدلة كيفية حصول الجاذبية على قوة دفع جديدة للحفاظ على بنية المجرات أو البنى واسعة النطاق في الكون ، فالكون كما تفترضه هذه النظرية مكون من المادة العادية فقط (المادة الباريونية) ولا مجال لوجود جسيمات أخرى مجهولة الهوية .
وفي عام 1994 واجه العالم ستاسي ماكغو (Stacy Mc Gaugh) معظلة كبيرة عند تحليله للمعلومات عن المجرات منخفضة السطوع السطحي (low surface brighness galaxies, LSB)*، فقد قام ماكغو برسم منحنيات الدوران *(rotation curves) لعدد من هذه الفئة من المجرات.
وكان يتوقع الحصول على منحنيات مختلفة عن تلك التي للمجرات الحلزونية العادية عالية الكثافة ، فيؤدي التباعد بين النجوم في المجرات إلى ضعف قوة الجاذبية بين مكوناتها مما يقلل من السرعة الدورانية للنجوم ، ولخيبة أمله وجد ماكغو أن منحنيات الدوران لكلا الفئتين من المجرات متشابهة تماماً .
وقد قام العالم روبرت ساندرز (Robert Sanders) من معهد كابتاين للفلك في هولندا بدراسة أكثر من 100 منحنى دوران للمجرات الحلزونية ووجد تطابقاً تاماً من نظرية الحراكيات النيوتونية المعدلة.
وفي عام 1999 نشر ماكغو بحثاً في دورية تنبأ فيه بوجود صفة حاسمة في إشعاع الخلفية الكوني تسمح بالتمييز بين المادة المعتمة الباردة والمادة الباريونية بصفتها المكون الأساس لكتلة الكون ، فيزود إشعاع الخلفية الكوني الإحفوري العلماء بلمحة عن صورة الكون بعد 300000 من الانفجار الأعظم
ففي هذه اللحظة انفصل الضوء عن المادة واتخذت الفوتونات طريقها طليقة في الفضاء (انظر big bang ; decou-pling era) .
وكانت المادة قبل هذه اللحظة مباشرة مكونة من بلازما في حالة تقلب وهيجان نتج عنها موجات صوتية تظهر على شكل منحنى متعدد القمم في إشعاع الخلفية الكوني الإحفوري (انظر الشكل) .
وتعتمد الطريقة التي تنتج عنها الموجات الصوتية على الشكل التي تتخذه الكتلة المكونة لها ، فالتفاعل شديد القوة بين الباريونات والفوتونات يؤدي إلى ظهور قوة سحب تقوم بإخماد التقلبات بحيث تكون كل من القمم المتعاقبة أصغر من سابقتها .
أما المادة المعتمة كما يراها ماكغو فلا تتفاعل مع الفوتونات ؛ ولذا تستغرق القمم زمناً أطول قبل أن تخمد.
وتشير النتائج عالية الإبانة التي حصل عليها البالون بومرانغ *(BOOMERANG) عام 2000 إلى أن القمة الثانية في منحنى إشعاع الخلفية الكوني الإحفوري أصغر مما هو متوقع بالنسبة إلى كون تسود مكوناته المادة المعتمة الباردة.
ويرى العلماء أن إشعاع الخلفية الكوني لا يمكن أن يكون مؤشراً لمدى صحة نظرية الحراكيات النيوتونية المعدلة ولكن دراسته تعد حاسماً لمعرفة ما إذا كانت المادة المعتمة الباردة هي الكتلة المهيمنة في الكون.
ويرى بعض علماء الفيزياء الفلكية النظرية أن نظرية الحراكيات النيوتونية المعدلة تعطي علماء الفلك مؤشراً لوجود خلل ما في فهمنا لقوة الجاذبية ولكنها لم تقدم شيئاً مميزاً أو حاسماً ، فهي لا تستطيع على سبيل المثال أن تبين كيف تقوم المجرات بحني الضوء .
وقد قام كل من العالمين بيبل (Peebles) وكولمان ميلر (Coleman Miller)، وباستقلال ، تفسيراً آخر للقمة الثانية في منحنى إشعاع الخلفية الإحفوري الذي حصل عليه البالون بومرانغ دون اللجوء إلى نظرية الحراكيات النيوتونية المعدلة.
فقد افترض العالمان وجود مصدر مُشَرّد غير معروف قام بالتفاعل مع الفوتونات بعد انفصال الضوء عن المادة (انظر decoupling era) ، وأدت هذه التفاعلات إلى إخماد القمة الثانية والقمم الأخرى في إشعاد الخلفية الكوني دون التأثير على القمة الرئيسة الأولى.
ويعتقد ميلر أن مصادر التشرد هذه ربما تكون ثقوباً سوداء بُدائية ، فتقوم الإشعاعات التي تصدرها هذه الأجرام بتشريد الذرات وانتزاع إلكتروناتها التي تشتت بدورها إشعاع الخلفية الكوني .
ويرى المؤلف أن طبيعة المادة المعتمة في الكون غير محسومة بعد (انظر dark matter) ، فجسيمات الومب *(WIMPs) التي تشكل الجزء الرئيس للمادة المعتمة الباردة لم تكتشف بعد ، وربما لن تكتشف مستقبلاً.
فهي جسيمات افتراضية في غالبها ولا تنبثق من نموذج نظري معين باستطاعته وضع إطار محدد لخواصها ، ومن جهة أخرى فإن لفرضية المادة المعتمة في الكون جذور راسخة في نظرية الانفجار الأعظم التي تتطلب أن تكون معظم مادة الكون غير باريونية المنشأ.
ويتعين على أي نظرية جديدة أن تقدم تفسيراً دقيقاً مبنياً على أسس متينة لا تتنافى مع نظريات الفيزياء التي تم التأكد من صحتها تجريبياً ، وتبقى نظرية الأوتار الفائقة *(superstring theory) المصدر الرئيس الذي يمكن أن يستمد منه العلماء مستقبلاً ما هو ضروري لتفسير الظواهر المختلفة في الكون.
وتحتم إحدى نظريات الأوتار الفائقة (E8 X E8) وجود كونين متوازيين ، فإذا افترضنا أن المادة العادية تشغل أحد الكونين وأن المادة المكونة من الجسيمات فائقة التناظر (انظر supersymettry) تشغل الكون الآخر – فتكون هذه الجسيمات غير منظورة في كوننا حيث أنها تشغل فضاءً زمكانياً مختلفاً عن الزمكان الذي نعيش فيه ، وهي بالتالي تبدو لنا بصفتها مادة معتمة، ويوجد أكثر من دليل على وجود هذا الكون الآخر (انظر dark matter).
ومن جهة أخرى بينت الأبحاث النظرية الأخيرة أن قوة الجاذبية تختلف في طبيعتها عن القوى الأساس الأخرى .
وتذهب بعض النظريات إلى أن قوة الجاذبية التي نقيسها في كوننا هي مسقط هذه القوة على الزمكان رباعي الأبعاد الذي نعيش فيه ، ومن هذا المنطلق يمكننا القول أن قوانين الحركة والجاذبية في الكون الآخر فائق التناظر تختلف عن القوانين المماثلة في كوننا.
فحيث توجد المادة العادية تكون الحراكيات النيوتونية هي السائدة، ولكنها تحيد عن مسارها عند انحسار كثافة المادة بعيداً عن مسارها عند انحسار كثافة المادة بعيداً عن مراكز المجرات وهيمنة المادة المعتمة في هذه المناطق.
وفي هذه الحالة تكون الحراكيات النيوتونية المعدلة أفضل صيغة لوصف حركة الأجسام. وتذهب هذه الفرضية إلى أن المادة المعتمة (المحققة للبنية المطروحة أعلاه) ، والحراكيات النيوتونية المعدلة أمران متلازمان ولا يكون أحدهما بديلاً للآخر.
ومن جهة أخرى ربما تكون نظرية الحراكيات النيوتونية المعدلة مدخلاً لصياغة بعض قوانين الفيزياء في أكوان أخرى تتفاعل مع الكون الذي نعيش فيه .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]