الحيوانات والطيور والحشرات

نمط الحيوانات المختلفة في سلوكها وحياتها الاجتماعية

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

سلوك الحيوانات حياة الحيوانات الاجتماعية الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة

يعيشُ كثيرٌ من الحيوانات في جماعاتٍ أو عشائرَ تتفاوتُ في عددِ افرادِها، وفي مستوى تنظيم كل جماعةٍ منها، بحيث يتوجَّهُ سلوكُ كلُّ فرد منها نحو الأفراد الآخرين.

ويحدثُ بينهم نوعٌ من التفاعل أو التواصل. وقد يعتمدُ بقاءُ الجماعةِ واستمرارُها على مدى تعاونِ أفرادِها، وقيامِ كل منهم بدورِهِ كاملاً.

ويتراوحُ مُستوى تنظيم الحيواناتِ من مجردِ تجمُّعِ عددٍ كبيرٍ من الأفراد، مثلَ أسرابِ الحشراتِ التي تحومُ حولَ الضوءِ، أو التي تُهاجرُ معاً عبر الصحراء كالجراد، أو الأسماكِ التي تسبح في جماعاتٍ كبيرة، وتستجيبُ كُلُّ سمكةٍ منها لحركةِ الأخريات، أو الطيور التي تُحَلِّقُ خلفَ قائدها، وتستجيبُ لدورانِهِ في أي اتجاه.

 

وقد تتجمعُ الحيواناتُ في مستعمراتٍ مثل جوفيات المعي، وبعض الديدان والقواقع البحرية؛ بغرض الاشتراك في بيئةٍ غنيةٍ بالغذاء، أو للحمايةِ من الأعداء، كما تتجمع بعضُ أنواعِ الطيورِ في جماعاتٍ كبيرةٍ في موسم التكاثرِ، فتَكْفَل الأمانَ لِبيضها وصغارها بواسطة الدفاع الجماعي.

وقد يصل التنظيم الاجتماعي إلى أعلى مداهُ من توزيع العمل وتقسيم الأدوار، كما في بعض الحشرات الاجتماعية كالنَملِ والنحلِ، وكذلك في عددٍ من الفقارياتِ، وبخاصةٍ في الطيور والثدييات.

ويتضمنُ مجتمعُ الحشرات أشكالاً متباينةً، مثل الملكةِ والجنودِ والشغالةِ والذكور والصغار أيضا، كذلك تضم مجتمعاتُ الفقارياتِ أفراداً وذكوراً، وأخرى إناثاً إلى جانب الصغار من الجنسين، فيكون لكل شكلٍ منها نشاطٌ مميَّز ودورٌ محدد.

 

تُكْمِّل به أدوارَ الأفراد في الجماعة. بل إن في بعض المجتمعات الحيوانية قد يُضَحَّي الفردُ بحياتِهِ، ويتفانى في الدفاع عن حدود مستعمرتهِ من أجلِ مصلحةِ الجماعةِ واستمرارِ بَقائها.

ومن مزايا الحياة الاجتماعية لتلك الحيوانات، إتاحة الفرصة بشكلٍ أفضل للتفاعل بين الأفراد، للحصول على الغذاء، وتوفيرِ الحمايةِ، وفُرص التزاوج ورعاية الصغار، عما لو كانت أفراداً منفصلةً، كما تزداد الاستفادة بالغذاء، وينمو الجسمُ بصورةٍ أفضل عما لو عاشَ الحيوانُ وحيداً.

كذلك تتاحُ للصغار فرصةُ التقليد وتعلُّم المهارات العملية من الكبار، في جمع الغذاء أو صيد الفرائس، أو الهرب أو الفِرار من الأعداء، لكي تشبَّ الصغارُ على خط آبائها، وتنتقلُ إليها الخبرةُ في مخالطةِ بني نوعِها والأنواع الأخرى.

 

وأخيراً فإن حياةَ الجماعةِ تُنَظِّم التفاعُلَ بين الأفرادِ، وبذلك تُقللُ من أسباب المُنافسةِ والعِداء، فتساعِدُ في بقاءِ الفرد واستمرار النوع. ومن الحشرات الاجتماعية: الأرضةُ (النملُ الأبيضُ)، والنملُ ، والنحلُ، والزنابيرُ.

وكل نوعٍ من هذه الحشرات يُكوَّن مجتمعاً بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ من التعقيدِ، فجميعها تبني أعشاشاً، كما تضم أفراداً مختلفةً في الشكلِ والوظيفةِ.

ولكن أشهرَ الحشرات الاجتماعية حشرةُ نحل العسل، فكل جماعةٍ منها تتميزُ أفرادُها إلى ثلاثةَ أشكال تركيبية مختلفةٍ هي: الملكةُ ثم عشراتٌ أو مئات من الذكور، ثم من 20 إلى 80 ألف شغالةٍ. وتُكَوِّنُ الملكةُ والذكور مملكة خِصبة وظيفتُها التكاثُر.

 

أما الشغالات، فجميعُها إناثٌ عقيمةٌ لا تُنتِجُ صِغاراً، ولكنها تقومُ ببناءِ الخليةِ، وحمايةِ المستعمرةِ من النحل الغريب ومنَ الأعداء، كما تجمعُ الغذاءَ. وتطعم الملكة والذكور، كما ترعى الصغار وتسهر على إطعامِها والعناية بشؤون الجماعةِ كلها.

وهناك نوع آخر من السلوك الاجتماعي في الطيور. ففي أي جماعة من الدجاج يظهر دائما ديك أو دجاجة مسيطرة على كافة أفراد الجماعة، وتكون دائمة النقر في تلك الأفراد التي تخضع لها تماماً فتُفسِح لها المجال إذا تقدمت هي لالتقاط الحبوب.

وتلي هذه الدجاجةُ الأولى دجاجة ثانية أقل منها سيطرة لكنها تُخضع الدجاجات الباقية لها، ويلي هذه ثالثة ثم رابعة وهكذا – فيما يعَرف بترتيب النقر.

 

ويوفر هذا التسلسل القيادي في سلوك النقر لجماعة الدجاج العيش في سلام، حيث يعرف كل فرد موقعهُ بين الآخرين فلا يتخطاهُ، فيسود الاستقرار ويزداد معدل التغذية والتكاثر في تلك الجماعة من الدجاج، بفضل ذلك السلوك المتسلسل للسيادة.

وتتجلى الحياة الاجتماعية في بعض أنواع القردة التي تعيش بين أشجار الغابات الاستوائية، كما في قردة البابون التي تسكن بعض أحراش أفريقيا (والتي نشاهدها في حدائق الحيوان)، إذ يتضح فيها عموماً علاقات أسرية تجمع بين الآباء والأمهات والأبناء، وتمنح الأمهات من جانبها رعاية حانية لوليدها حتى يَشُب معتمداً على نفسه.

كذلك يقوم الآباء بحماية أفراد الأسرة نظرا لقوتِها البدنية، وتزأر في وجه الأفراد الغريبة، كما تقع عليها مسؤولية قيادة القطيع، حيث تتنناوب الذكور هذه المسئولية، بينما تتبعها الإناث مع صغارها التي تلهو تحت رعايتها، وتتعاون مع قريناتها في الجماعة دون تشاحن أو شجار.

 

بل وتنشأ بين الأفراد البالغة في الجماعة علاقةُ رعايةٍ متبادلة، حيث يُنَظِّف بعضها البعض بتفلية فَرْوَتِه ليخلصها من الطفيليات والأجسام الغريبة العالقة بها، كما تُعبرّ الأفراد الضعيفة عن خضوعها بواسطة وقفات مختلفة فتتجنب الصراع.

وتتكون العلاقات الاجتماعية في فترة الحياة المبكرة لتلك الحيوانات الاجتماعية، حيث يظل الصغير محمولا بين ذراعي أمه أو ممتطيا ظهرها، ويلقَى منها كل الرعاية مدة قد تمتد سنتين، فيرضَع منها الحنان، ويتعلم عادات الجماعة، ويزداد خبرة بالتعاون مع أفرادها ومع عوامل البيئة المحيطة.

ولو حُرِمَ الصغير من الحياة بين أفراد أسرته في أثناء طفولته المبكرة فإنه يظل منعزلا بعد ذلك حتى ولو عاد إلى الجماعة، كما يميلُ إلى العنف والعدوان، ويلجأ إلى الاقتتال مع أقرانِه لأهون الأسباب.

 

ولكي يتم التفاعل الاجتماعي بين أفراد أي جماعة حيوانية لا بد أن تكون قادرة على إرسال إشارات معينة، وعلى استقبال تلك الإشارات والاستجابة لها، وهي تعد أنظمة مُحْكَمة للتواصل، تشبه إلى حد ما لغة التخاطب بين بني البشر..

ومن بين تلك الأنظمة التي تستخدمها بعض الحشرات الاجتماعية مواد كيميائية «الفيرومونات»، يطلقها بعض الأفراد بغرض التنبيه لموقع الغذاء مثلا، فيتجمع باقي الأفراد للحصول عليه، كما تطلق نوعا آخر من هذه الفيرومونات بغرض التحذير من الخطر المُحدق، أو بهدف التجمع من أجل التكاثر.

وهناك التواصل بالإشارات الصوتية التي تصدرها بعضُ الأفراد فتستقبلُها أعضاء سمعية متخصصة في باقي أفراد الجماعة، ثم تتفاعل معها بالاستجابة المناسبة، وكذلك التواصل البصري، حيث تظهر بعض الأفراد بلون مميز وتتحرك حركة خاصة أمام باقي الأفراد التي تستجيب بناء على ذلك بشكل مناسب.

 

ونضربُ مثالاً على ذلك بما نشاهدُه بين الكلاب، فإذا تقابلَ كلب مع آخر، ونصب أحدهما ذيله لأعلى وشد جسمه، فإنه يعني سيادته وسطوته على الآخر، وإذا ضم ذيله بين رجليه وأحنى جسمه فيكون علامة على الخضوع والانسحاب.

وهكذا تختلفُ طرق التواصل بين الحيوانات الاجتماعية باختلافِ أنواعِها، لكنها جميعا لديها أساليبَ محكمة للتنسيق بين أفرادها والتكامل بين أنشطة كل منها في سبيل صالح الجماعة.

ونظراً لدقة التنظيم في بعض المجتمعات الحيوانية، كالنحلِ والنمل، حيث لا بطالةَ ولا جريمةَ أو إهمال، فإن بعض الناس ينظر إليها بإعجاب، ويتمنى للجماعات البشرية أن تحذو حذوَها.

 

ولكن هيهات، فكل ميسر لما خلق له، ولا بأس من أن يتعلم الإنسان من هذه المخلوقات الضعيفة النظام وحب العمل والتعاون والتفاني في الدفاع عن الجماعة.

إلا أن غالبية سلوك الحيوان برغم شدة تنظيمه أحيانا فهو نمطي موروث، أي لا يتقدم من جيل إلى آخر. لكن الإنسان الذي ميزه الله على سائر المخلوقات بالعقل والفكر يتقدم جيلا بعد آخر في العلم والمعرفة وطرق المعيشة.

نظرا لمرونة سلوك الإنسان وقدرتِهِ على التعلم ونَقْل الخبرة وامتلاكِه لِلُّغة كوسيلة اتصال رائعة يتعلمها طفلا ثم ينطقها ويكتبها مدى الحياة، فيعبر بها عن ثقافته التي يرثها من آبائه، ويُورثها لأبنائه كأثمن شيء في الحياة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى