التاريخ

نمط حياة قبائل “البوشمن”…. مثال على حماية البيئة

2007 في الثقافة والتنوير البيئي

الدكتور ضياءالدين محمد مطاوع

KFAS

حماية البيئة نمط حياة قبائل البوشمن التاريخ علوم الأرض والجيولوجيا

إن حماية البيئة مشكلة حضارية، ولا سيما في ظل ما جلبته حضارة العصر من ويلات على الجماعات البشرية في العالم كله، وفي مدن الدول الصناعية على وجه الخصوص، ولذا ينبغي أن تتضافر الجهود للمساهمة في مكافحة التلوث، وإنقاذ الإنسان من الموت المؤكد. 

فقبائل البوشمن التي تستوطن صحراء كلهاري في الجنوبي الغربي لقارة أفريقيا تمثل مجتمعا بدائيا بسيطا يتراوح أعداد أفراده بين (20 و 100) فرد.  وتتكون كل مجموعة من عدد من العائلات الصغيرة، لكل منها كوخها الخاص. 

وتعيش العائلات متجاورة بالقرب من موارد المياه.  ودائما ما تتنقل جماعات البوشمن لاصطياد الفرائس التي توجد في مناطق متباعدة. 

وتسعى كل جماعة إلى التزود بكميات ضئيلة من المياه، من خلال حفر تبعد مئات الكيلومترات عن مكان إقامتها.  وتعد تلك القبائل – على بدائيتها – أكثر رقيا من المجتمعات الصناعية في حماية البيئة.

 

ولم يحاول أفراد قبائل البوشمن الزراعة وتربية الماشية، ولكنهم مارسوا صيد الحيوانات وجمع النباتات.  وتدفعهم طبيعة حرفة الصيد وطبيعة منطقتهم إلى التجوال الدائم خاصة في موسم سقوط الأمطار. 

فالرجال يمارسون الصيد مستخدمين الأقواس والسهام المسممة، ويحصلون على السموم من بعض النباتات والحشرات، ويستخدمون ادوات قاطعة حادة لذبح فرائسهم، كما يستخدمون عصا كحربة أيضا في البحث عن الجذور أو الدرنات الصالحة للأكل، فضلا عن استخدامهم للشباك في النقل. 

والملاحظ أن الحقائب التي تتخذ شكل الشباك شائعة الاستخدام لدى هذه القبائل وغيرها من الشعوب البدائية المعاصرة، فالحبال المصنوعة من ألياف النبات أو من شعر الحيوان، وعادة ما يستخدمون مكوكا من الخشب أو العظم لحمل الحبل.

 

أما نساء البوشمن فعليهن بناء الأكواخ، وطهي الطعام، والعناية بالأطفال، وجمع خشب الوقود، وجلب الماء في أوان من بيض النعام.  كما تقوم النساء بالإمساك بصغار الحيوانات وجمع المواد النباتية.

إن نمط معيشة قبائل البوشمن يشبه إلى درجة كبيرة نمط معيشة الجماعات البشرية الصيادة، التي عاشت قبل 1,000 – 27,000 سنة.  ويتميز البوشمن بحرصهم على استغلال مكنات بيئتهم بكفاءة واقتصاد.

ويتضح ذلك من استعمالاتهم العديدة للبطيخ (الرقي) البري المتوفر في أماكن استيطانهم؛ فيأكلون لبه، ويروون ظمأهم بالماء الذي ينزل منه، أو يغلون به لحم الظباء التي يصطادونها، أو يلينون به العظام التي يصنعون منها الأقواس التي تستخدم في الصيد، ويحمصون البذور ليأكلوها أو يطحنونها لتحويلها إلى دقيق.

 

كما يستخدم الأطفال البذور كطعم في الفخاخ التي ينصبونها لاصطياد الفئران.  ويستخدمون القشور المجوفة بعد تجفيفها كأوعية أو أطباق يقدم فيها الطعام، أو أواني لحفظ البول الذي تنقع فيه جلود الحيوانات لتستعمل فيما بعد استعمالات متنوعة. 

ويستخدم الأطفال أيضا القشور المجوفة كألعاب يلهون بها، أو طبول يدقون عليها، أما الكبار فسكون بها أدواتهم الموسيقية لإرجاع الصوت وتضخيمه.

ويقوم رجال البوشمن بصيد الفرائس التي تكون عادة واحدا أو أكثر من حيوان الكنغر.  فيأكلون لحمها، ويصنعون السيور من جلدها، وكذلك الأوتار التي يربطونها حول حرابهم. 

 

ويصنعون أدوات بسيطة ودبابيس من عظمها، ويمزجون الدهن مع التراب الأحمر الغني بالحديد ويستخدمونه كمسحوق للتجميل، ويعملون من الأسنان والفكوك قلادات تتزين بها النساء، ويخلطون الدم مع الفحم ويستخدمونه كطلاء.

هذا جانب من نمط حياة البوشمن يوضح حسن استثمارهم لثروات بيئتهم باقتصاد ودون إتلاف.  وهذا النمط من التعامل مع البيئة هو الشائع في كل المجتمعات البدائية التي تعيش اليوم.  فالجماعات البدائية الإسترالية المعروفة بالأبورجيني تعيش في مناطق قاحلة من قارة استراليا، ويعيشون على التقاط الطعام والصيد.

إن الذين يتمنون أن يعودوا إلى أيام ما قبل عصر الحضارة العلمية، أو الذين يريدون أن يعيشوا كما تعيش قبائل البوشمن، هؤلاء وأولئك يشعرون بأن حضارة العصر بكل تقنيتها وأساليبها تقف اليوم عاجزة عن توفير الراحة والأمان، بل إنها في الواقع لم تستطع بعد أن توفر الحماية للبيئة التي يحيا فيها الإنسان..

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى