وصية “ابن النفيس”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
ابن النفيس التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
امتد الزمان بابن النفيس في القاهرة ردحاً بلغ ستاً وخمسين سنة حتى وصل به العمر ثماني وسبعين.
وهو قد شهد خلال عمره بمصر الكثير: أواخر الدولة الأيوبية، ودولة المماليك البحرية من بدايتها إلى نهايتها، وقيام دولة المماليك البرجية التي أسسها السلطان قلاوون، وفي ظل الدول عاش الانتصارات والهزائم، وعاصر أمجاد شعب وانتكاساته.
وتتوالى الأيام ويتوق عالمنا إلى المزيد. ولكنَّ شعوراً يخالجه فجأة بقرب النهاية. فيتناول قلما ليكتب على ورقةٍ وصيته.
ماذا بها يا ترى؟ لقد أوصى فيها بمالٍ لخادمه وجاريته والبيمارستان المنصوري الجديد الذي كان السلطان قلاوون مؤسس دولة المماليك البرجية قد أمر ببنائه، كما أوصى لهذا البيمارستان أيضاً ببيته ومكتبته.
خارت قوى عالمنا فحمل نفسه حملاً من مجلسه، وفي يده وصيَّته، ومشى بوهن حتى تمدَّد على سريره ووضع الوصية تحت وسادته.
وفي اليوم السادس من ملازمته الفراش، وكان يوم جمعة، أسرع الخادم في ظلمة الليل يجمع له الأطباء الذين أيقنوا – بعد فحصه- أنه في يومه الأخير.
وأشار أحدهم عليه بتناول شيء من الخمر، زاعماً أن فيه برءاً من علته. فقال له العالم العليل: لا لن ألقى الله تعالى وفي أحشائي شيءٌ من خمر.
وعند السحر، في نفس اليوم، بعث ابن النفيس بوصيته للسلطان قلاوون ثم أغمض عينيه إلى الأبد، في اليوم الحادي والعشرين من ذي القعدة في العام السابع والثمانين وستمائة للهجرة، الثامن والثمانين ومائتين بعد الألف الأول للميلاد.
وفي الصباح، هب العلماء والأعيان إلى بيته وحملوه على أكتافهم، وصلُّوا عليه في المسجد ثم ساروا به، يتقدمهم السلطان قلاوون، ليوسدوه الثرى.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]