ومضات علمية 27 : هل سرعة الضوء ثابتة حقا ؟
سرعة الضوء في الفضاء هي أقصى حد للسرعة الكونية. فمجرد الاقتراب منها يُسبب المشكلات: إذ تظهر تشوهات غريبة في نسبية آينشتاين ليتباطأ الزمن، وتتمدد الأطوال، كما أن كتل الأشياء، التي طالما اعتقد أنها ثابتة، تتغير. ويُمكن للأشياء التي كانت كتلتها معدومة أن تصل إلى سرعة الضوء، وبشكلٍ مطلق لا يُمكن لأي شيء أن يتجاوز هذه القيمة الكونية العظمى. يبدو أن الحد الأقصى للسرعة في الكون ثابت ويصعب تغييره، لكن هناك سببا جيدا يدعو إلى الاعتقاد أن السرعة ربما كانت أسرع،-وربما لاتزال تواصل التغير حتى الآن.
تعتبر سرعة الضوء الثابتة والمحدودة كابحاً لطموحاتنا باستعمار الفضاء ما بين النجوم، إذ يبلغ عرض مجرتنا نحو 100 ألف سنة ضوئية، كما أن الضوء يحتاج إلى نحو أربع سنوات ضوئية للوصول إلى بروكسيما سنتوري Proxima Centauri الذي يُعد أقرب النجوم إلى الشمس والأرض، ومن المحتمل أنه موطن لكوكب قادر على استضافة الحياة وشبيه بالأرض.
إذا كانت سرعة الضوء لانهائية، فإن الجسيمات عديمة الكتلة والمعلومات التي تحملها ستتحرك بين نقطتين ألف و باء لحظياً مما يعني أن كل شيء سيحصل في الوقت نفسه، وذلك يعني أنه لن يكون للكون تاريخ أو مستقبل، كما أن الزمن كما نفهمه الآن سيختفي. لن نحب كوناً كهذا!
لكن، لا تُحجِم بعد. ففي الحقيقة، عندما لا تضع قيداً على سرعة الضوء، فإنّ قيمةً أكبر لسرعة الضوء ستحل واحدة من أكبر المسائل في علم الكون، وهي: تجانس درجة حرارة الكون في كافة أرجائه على الرغم من عدم وجود زمن كافٍ منذ الانفجار الكبير للوصول إلى مثل هذا التوازن الحراري. ويحل علم الكون القياسي Standard cosmology هذه المشكلة عبر فرضية التضخم Inflation التي تنص على وجود فترة خلال المراحل المبكرة من عمر الكون توسع أثناءها الفضاء بشكلٍ مفاجئ وأكبر من سرعة الضوء -وهو أمر تسمح به نسبية آينشتاين- مما أدى إلى توازن درجة الحرارة وصولاً إلى الأرجاء النائية من الكون. لكن لم يتمكن أحد من إيجاد طريقة معقولة يحقق من خلالها الفضاء مثل ذلك، إذ يجب جعل نماذج التضخم مرنة بحيث تصبح متسقة مع أي عملية رصد.
لكن، يُمكنك تحقيق التأثير نفسه الذي ينتج من التضخم إذا بدأت بسرعة ضوء لانهائية عند الانفجار الكبير (أو على الأقل أكبر بكثير مما هي عليه) ، ومن ثمّ تباطأت تلك السرعة مع توسع الفضاء. وفي هذا السيناريو تناقصت السرعة بشكلٍ حاد في البداية، وهي تواصل ذلك في أيامنا هذه ولكن بتدرجٍ أبطأ بكثير، وهذا يفسر السبب وراء قياسنا لقيمة ثابتة.
يبدو ذلك غريباً، لكنّ نياش أفشوردي Niayesh Afshordi من جامعة واترلو University of Waterloo في كندا وجواو ماغيجو Jo?o Magueijo من إمبريال كوليدج لندن Imperial College London في بريطانيا اقترحا قبل عدة أعوام طرقاً لاختبار قيمة متغيرة لسرعة الضوء باستخدام عمليات مسح مجرّيّة، أو من خلال اضطرابات الخلفية الكونية الميكروية ( CMB)، التي تُمثل الأثر الذي خلَّفه الانفجار الكبير وراءه. يقول ماغيجو:»إن الفكرة القائلة إن سرعة الضوء متغيرة كانت فكرة جذرية عندما اقترحت للمرة الأولى، لكنها أصبحت شيئاً يُمكن للفيزيائيين اختباره مع وجود التنبؤ العددي،» ويتابع قائلاً: «إذا كان هذا صحيحاً، فإنه يعني أن قوانين الطبيعة لم تكن هي نفسها دائما كما هي عليه اليوم.»