نبذة عن حياة العالم “أبُو الريحان البيرُوني”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
البيروني نبذة عن حياته أبُو الريحان البيرُوني شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
أجل هو الاستاذ، باسمه تسمَّت جامعات، وعن سيرته وأبحاثه ومؤلَّفاته أًصدرت مجلَّدات، ولإنجازاته فائقة النظير قيلت كلمات المدح والتقدير، ذلكم هو من اعتبروه أعظم علماء عصره ومن أعظم العلماء في كل العصور، البيروني (شكل رقم 128)…
عاشق الطبيعة
في ضاحية بيرون، من ضواحي مدينة "كاث" عاصمة الدولة الخُوارزمية، عاش يتيماً، محمد بن احمد، وتُكنيه أمه "ابو الرَّيحان".
فقد كان مذ حداثته عاشقاً للطبيعة، يقضي نهاره يطارد الفراشات ويتأمل الزهور ويسير مفتوناً في الغابات ويصعد التلال والهضاب ويعدو في الصحراء، ويقفل كل يوم إلى بيته عائداً ومعه باقة من أعواد الريحان يضعها في كوب، فينشر الهواء أريجها في البيت الفقير.
كان والد أبي الريحان تاجراً صغيراً، وحين مات، لم تجد أمه مفراً من كسب رزقها هي وولدها من جمع الحطب لتبيعه في سوق بيرون.
وكان أبو الريحان يساعدها في جمع الحطب في خريف كل عام قبل حلول الشتاء فتغرق الأمطار البساتين والغابات.
لقاء … مع عالم نبات
ذات يوم التقى أبو الريحان ، في بستان ، بعالم نبات من اليونان . رآه يجمع الزهور من البساتين ويقطع النباتات النادرة تحت أشجار الغابات . فتقدم منه أبو الريحان محتجاً : لماذا تقطع الزهور والنباتات يا سيدي ؟ بوسعك رسمها مثلي دون أن تقطعها وتحرمها الحياة .
ضحك العالم اليوناني قائلاً : أجمعها من أجل العلم يا بني ، فمنها نأخذ العقاقير والأدوية لشفاء الناس من الأمراض . عندئذ صاح أبو الريحان بانبهار : انت عالم نبات إذن يا سيدي .
قال العالم : نعم ، وإني لأراك تحب الزهور والنباتات يا ولدي . قال أبو الريحان : وأحب الطبيعة بأسرها : نجومها وكواكبها وأشجارها وأزهارها وجبالها وهضابها ووديانها ، وكل ما فيها .
قال العالم : أتحب أن تصحبني يا ولدي لأعلِّمك ما أعلمه عن عالم النبات . قال ابو الريحان بحماس : يا ليت! لكن ماذا أفعل وأنا أساعد أمي على الرزق ؟
ربت العالم على رأس أبي الريحان بحنان قائلا : لا تحمل لذلك هماً ، ستساعدني في عملي جمع الزهور والأعشاب ، وأعلِّمُك أسرار علمي ، وأدفع لك أجراً يكفيك وأمك .
بكى أبو الريحان فرحاً ، لأنه سيريح أمه من جمع الحطب، ولأنه سيتعلم علماً . وجلس مع العالم يريه رسومه للأزهار والنباتات والأشجار ، ويحدثه عن نفسه وأبيه الذي تركه في الدنيا صغيراً وحيداً بعد أن خسرَ كلَ ما يملك من مالٍ وتجارة .
وكم كانت دهشة العالم حين عرف أن هذا الصبي يعرف لغتين : العربية لغة دينه، والفارسية لغة قومه . ووعده أن يُعلِّمه لُغتين أخريين هما : اليونانية والسريانية ، قائلا له : بهذه اللغات الأربع يا بني ستعرف علوم الأقدمين والمحدثين .
وراح العالمُ يُعلمه المبادىء الأولية لعلم النبات، وعمر أبي الريحان آنذاك إحدى عشرة سنة، منذ أن ولد في يوم سبت، اليوم الثاني من ذي الحجة سنة ثلاثمائة وثلاث وستين هجرية، الرابع من سبتمبر سنة تسعمائة وثلاث وسبعين ميلادية .
أوَّل .. الإنجازات
ثلاث سنوات مضت، وأبو الريحان في عامه الرابع عشر ، وقد أجاد لغتي اليونان والسريان ، وعرف على يدي العالم اليوناني الكثير عن عالم النبات ، فتعمَّق حبه لعلوم الطبيعة .
وفي يوم فاجأ العالم تلميذه برغبته في العودة إلى بلاده ، وبشِّرَهُ، إن هو واصل طلب العلم ، أنه سيكون عالماً يُعرف في الناس بلقب " البيروني ".
حزن أبو الريحان لفراق أستاذه ومعلمه ، ولعودته هو لجمع الحطب وبيعه في الأسواق . ولما أدرك العالم حزن تلميذه طمأنه بأن يصحبه في الغد ليقدمه لعالم الفلك والرياضيات " أبو نصر منصور بن علي بن عراق " أمير من أمراء الأسرة الخوارزمية المالكة في مدينة كاث .
رحَّب الأمير بأبي الريحان، وأفرد له ولأمه بيتاً في كاث وغُرفةً خاصةً به في قصره لدرسه، وأجرى عليه راتباً شهرياً، وصار له مربياً ومعلماً في الفلك والرياضيات حتى بلغ أبو الريحان من العمر تسع عشرة سنة، وقد طمحت نفسه لاكتشاف الجديد في هذين الميدانين .
فكَّر أبو الريحان في معرفة الموقع الجغرافي لمدينة كاث، فصنع لذلك حلقة مقسَّمة إلى أنصاف الدرجات ، رصد بها ارتفاع الشمس عن الأرض فوق المدينة وقت الزوال ( الظهر ) حين يصبح كل شيء لا ظل له .
وبالحسابات نجحت محاولة أبي الريحان . وعرف خط العرض الذي تقع عليه المدينة. وأطلع معلمه أبا نصر على كشفه ففرح به ، وقدمه إلى أستاذه "عبدالصمد بن عبد الصمد الحكيم" ليعلمه ما أوتي من علوم الأقدمين في الفلك والرياضيات . وظل أبو الريحان تلميذاً وصديقاً للحكيم إلى أن بلغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]