الأمور الواجبة على الأبناء القيام بها للبر بوالديهم
1993 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
بر الوالدين إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
لقد اهتمَّ دينُنا الحنيفُ بالوالدين: الأمِّ والأبِ، وكرَّمهما تكريما عظيما، وطلبَ منَ الأولادِ والبناتِ البِرّ بالوالدين.
ومعنى البِرِّ لهما أنْ نطيعَهما ونقولَ ونفعلَ ما تُحبه أمنا ويُحبُّه أبونا. فيجبُ على الأبناء، صغارا وكبارا، احترامُ الأمِّ والأبِّ ومخاطبتُهما بالقولِ الجميلِ الليِّن الذي يدل على المحبةِ والمودةِ والاحترام الكبير لهما.
ولا يجوزُ للأبناءِ أنْ يُكلِّموا أمهاتِهم وآباءهم بالقول الغليظِ الذي يُؤذيهما فإذا فَعل المسلمُ ذلك فقد ارتكبَ أمراً عظيماً مُحرَّماً، وخاصة إذا كانت الأمُّ والأبُّ كبيرين، أو كان أحدهما كبيرا.
فيجب زيادةُ البرِّ لهما والمحبةُ لهما في هذه السنِّ الكبيرة. ولذلك يقول ربُّنا – تباركَ وتعالى(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء: 23،24)
فيحرُمُ عَلينا أنْ نَتَأفَّفَ منها فنقولُ لأحدِ وَالِدَينا: "أفٍّ، ما أريدُ أنْ أفعلَ هذا الشـيءَ" أو "أفٍّ، لقد تعبتُ منكما"، أو أيَّ كلامٍ فيه رَدٌّ لِطلبِهما. وكلمةُ "أف" هذه هي أخَفُّ كلمةٍ تُقال، ولذلكَ يكونُ الأمرُ أعظمَ لو أننا قُلْنا لهما كلمةً فيها زَجْرٌ أو شَتْمٌ لَهما.
فيجب علينا أنْ نسمعَ ونُطيعَ لهما ولا نقولَ لهما إلا الكلمةَ الطيبةَ الليِّنةَ الحُلوةَ، ولا نفعلَ إلا ما يُرضيهما ويُفْرِحُهُما ويسعدهُما.
وإذا فَعلنا ذلك رضي اللهُ – تبارك وتعالى – عنَّا، لأن رِضَى الوالدين يكونُ سببا لرِضَى الله تعالىَ، ولَذلك يقولُ الرسولُ، صلى الله عليه وسلم، "رِضَى الله في رِضى الوالدين، وسَخَطُ الله – أي غضبُه – في سخط الوالدين".
كما يجب علينا أن نشكرَ والدينا على تربيتِهما وحبِهما ورعايتِهما لنا صغارا وتَحمُّلِهما كثيرا من المتَاعب لِيُدخلا السعادةَ في قلوبنا، ويُحافِظا على صحتِنا.
والله – سبحانه وتعالى – أمرنا أن نَشكَره أولا لأنه هو صاحبُ النعمة – نعمةِ الإيمان ونعمةِ الصحةِ والعافية – ثم أمرنا أن نشكرَ والدينا، فيقول الله، تبارك وتعالى( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) (لقمان: 14)
وقد جعلَ الإسلامُ بِرَّ الوالدين من أحب الأعمالِ إلى الله – تبارك وتعالى – بعد الصلاةِ التي فَرَضَها اللهُ علينا، فحينما سألَ أحدُ أصحابِ النبي، صلى الله عليه وسلم، : أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ عزَّ وجل؟ قال النبي، صلى الله عليه وسلم، : "الصلاةُ على وقتِها – أي الصلاة في وقتها المحددِ والمُعيَّن – قال الصحابي: ثم أي؟ قال: بِرُّ الوالدين".
ومع أن الإسلامَ أمرنا بأن نكونَ بارِّين بالأمِ والأبِ، إلا أنه طلب منا أن يكونَ بِرُّنا بالأمِ بأعظمَ وأكبرَ، فقد تَعِبت الأمُّ كثيرا فحَمَلَتْنا في بطنِها تسعةَ أشهر، ثم أرضعتنا من لبنها سنتين.
ولذلك يُذْكِّرُنا الله – تبارك وتعالى – بهذا التعبِ الذي تتحمله الأم ويُوصِينَا بها خيرا، فيقول الله تعالى(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) (لقمان:14).
والنبيُّ، صلى الله عليه وسلم، يُؤكِّد لنا وَيطلبُ منا الاهتمامَ والبِرَّ بأمهاتِنا كثيرا فقد جاء إليه رجلٌ فقال: "يا رسولَ اللهِ: مَنْ أحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِيِ؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْ؟ قال: أمُّك، قال: ثُم مَنْ؟: قال أمُّك، قال: ثم من، قال أبوك".
ويجبُ علينا أيضا ألَّا نَقْطَعَ صِلتَنا بهما، إذا كَبِرْنا، فيجبُ أنْ نزورَهما ونُقدمَ لهما كلَّ ما يحتاجان إليه. ولقد حذَّرنَا النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، من قَطْعِ الصلةِ بهما وعَم زيارِتهما ورعايتهما، وكذلك زَجْرِهما وعدمِ القولِ الحَسَنِ لهما، وسَمَّى ذلك كلَّه "عُقوقا" وعَدَّه من الذنوبِ الكبيرةِ جدا، فقال، صلى الله عليه وسلم، "ألا أُنبِّئُكم بأكبرِ الكبائرِ؟
قال أصحابهُ، صلى الله عليه وسلم، : بَلَى يا رسول الله. قال: ثلاثاً – الإشراكَ بالله، وعقوقَ الوالدين، ثم قال، صلى الله عليه وسلم،: أَلا وقولَ الزُّورِ وشهادةَ الزورِ". وقولُ الزورِ هو أن يقول المسلمُ كَذِبا. أو يشهدَ كذبا فيقولُ رأيتُ كذا وهو لم يَرَ.
فجعلَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، عقوقَ الوالدين أي قطعَ الصلةِ بهما وعدمَ بِرِّهما من أكبرِ الكبائرِ بعد الشِّركِ والكفرِ باللهِ.
وأكثرُ من هذا كلِّه أنَّ البرَّ بالوالدين لا يكونُ في حياتهما فقط، ولكنْ طلَبَ مِنا الإسلامُ أن نكونَ بارِّين بوالدينا حتى بعد وفاتِهما.
لقد جاءَ رجلٌ إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هل بَقِيَ من بر أبويَّ شيءٌ أبِرُّهُما بهِ بعدَ موتِهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما وإنْفّاذَ عهدِهما من بعدهما، وإكرامَ صديقِهما، وصلةَ الرَّحمِ التي لا تُوصَلُ إلَّا من قِبَلِهما، فهذا الذي بقِي عليك".
فيجب علينا أن نكونَ بارِّين بوالدينا، نطيعُهما ولا نعصِيهما، ونزورُهما ولا نقطعُهما إذا كبرنا، ونَحِنُّ إليهما بالقول والعمل، ولا ننساهما حتى بعد وفاتِهما، لِكَيْ يَرضَيَا عنا فيرضَى اللهُ تعالى عنا ويُدخلَنا الجنةَ التي وعدَها المؤمنين البارِّين لأمهاتِهم وآبائِهم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]