شخصيّات

نبذة عن حياة الشاعر البُحتري

1993 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الشاعر البُحتري شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

البحتريُّ شاعر كبير، عاش في العصـر العباسي، واسمه "الوليدُ بن عبيد بنَ بُحتر". و"بنو بحتر" فرعٌ من قبيلة "طي" العربية المعروفة.

وُلِد الشاعر البحتري عام 206هـ بمدينة "مَنْبِج"، التي تقع حاليا ضمن حدود سوريا، وعاش معظمَ أيام حياتِه الخِصبة في العراق. وفي عام 226هـ ارتحل إلى "سامراء" التي اتَّخَذَها الخلفاء العباسيون عاصمةً لمُلْكهم بدلا من بغداد منذ أيام المعتصم.

وفي سامراء اتصل البحتري بالخليفةِ العباسي المتوكلِ، فمدحه ونال جوائزَه، كما مدح عددا كبيرا من أمراءِ الجيوش والوزراء والكُتّاب.

 

وكانت العاصمة العباسية تزْخَر بالنشاط العلمي، وقد قُدِّر للبحتري أن يعيش في تلك الأجواء ويُصيب قدرا كبيرا من النبوغ والتفوق.

ويُعدُّ البحتري واحدً من أبرز شعراء العصـر العباسي، ويمتاز شعره بتجّنُّب التعقيد، والعنايةِ بانتقاء اللفظ الرشيق، وحُسْن استخدام الوَشْي البديعي، والبراعة في التلوين الموسيقي.

 

ولذا قالوا عنه "إنه أراد أن يُشعر فغنَّى"، و"إنه صاحب سلاسلِ الذهب". وهو يميل إلى تكثيف المعاني، والبعد عن الإفاضة، تجسيدا لمذهبه في الشعر، الذي لخَّصه بقوله:

والشِّعرُ لَمْحٌ تكفي إشارتُهُ

                                            وليس بالهَذْرِ طُوِّلَتْ خُطَبُه

وقد أجَاد البحتري في الوصف والمديح والاعتذارات. وتُعدُّ قصائدُه في الوصف لوحاتٍ فنيةً بديعةً، وهي تكشف عن اتجاه الشعر إلى تصوير مظاهر التَحضُّـر، ومنها تَطوُّر فن العمارة، فقصور الخلفاء العباسيين التي يصفها شاهقة في عُلوِّها

 

تحيط بها الحدائق الغناءَ وبِرَكُ الماء أو النافورات التي تقف على حافاتها تماثيل الدَّلافين والماء يتدفق من أفواها. يقول من قصيدته في وصف بِرْكة قصر المتوكل:

إذ النجوم تراءت في جوانبِها

                                                              ليلا حَسِبتَ سماءً رُكِّبت فيها

أما وصف آثار العمران فيتجلى في سينيّته المشهورة:

صُنتُ نفسي عمّا يُدنِّسُ نفسي

                                                             وترفَّعْت عن جَدا كلِّ جِبْسِ

 

وفيها يصف آثار إيوانِ كسـرى في المدائن، بعد سقوط دولة الفرس علَى أيدي الفاتحين العرب والمسلمين.

وللبحتري قصيدةٌ وَصَف فيها معركة بحرية بين الأسطولين العربي والرومي، وكُتِب فيها النصـر للأسطول العربي.

وتُعدُّ هذه القصيدةُ الوثيقةَ العربيةَ الوحيدة عن المعركة، حيث لم يرد ذكرها في كتب التاريخ. وقد بَرَع البحتري في فن المديح، وبخاصة حينما كان يمدح أمراء الجيوش العرب.

من أمثال ممدوحه المُفضَّل "محمد بن يوسف الثغري الطائي"، ففي تلك القصائدِ يتجلّى صِدقُ العاطفةِ والوفاءُ للقادة الذين دافعو عن سيادة الدولة العباسيةِ ضِدَّ الغزاة أو الخارجين عليها.

 

ومن الفنون التي توسَّع فيها البحتري وأبدع، فنُّ الاعتذار والعتاب، ومن أجود قصائده في الاعتذار تلك التي وجَّهَهَا إلى "الفتحِ بن خاقان" وزيرِ الخليفة المتوكل.

ويُمكِنُ القولُ أنَّ البحتريَّ مَهَّد لظاهرتيْن اتضحتا فيما بعد في شعر المتنبي وهما ظاهرة الاعتداد بالشعر، وظاهرَةُ الحِكَم المبثوثة في ثنايا القصيدة دون تكلف.

فالبحتري يَعتَدُّ بنفسه وبشِعره، ويرى أن الجوائز التي يحصل عليها لا تَعدُو أن تكونَ ثمناً بَخْساً لبضاعةٍ نفيسة يُقدِّمُها لممدوحيه. وهو يؤكد هذا المعنى في مثل قوله:

إذا نحن كافأناكمُ عن صنيعةٍ

                                                أنِفْنا فلا التقصير منا ولا الكفرُ

بمنقوشة نقشَ الدنانير يُنتقى

                                                 لها اللفظ مختارا كما يُنْتقى التِّبرُ

تُوَفِّي ديونُ المُنعِمين ويُقْتَنى

                                                لهم مِنْ بواقي ما أعاضتهم فَخْرُ

 

وكان نقاد الشعر منقسمين إلى فريقين، فريق يناصر الشاعر أبام تمام الذي كان يُمثِّل التأثر بالثقافات الأجنبية، ويُعدُّ خارجاً على عمود الشعر، أي طريقةِ الأوائل في نظمه، وفريق آخر يميل إلى البحتري، ويصوره على أنه محافظ على عمود الشعر.

والحق أنَّ البحتري تأثَّر بما طرأ على الشعر العباسي من تطور، ولذلك جاء شعره مُمَثِّلاً لعصـره، وفيه نصيبٌ كبيرٌ من التجديد. وإنْ لم يبلغ جُرأة أبي تمام في الخروج على المألوف باستخدام الاستعارات الغريبة.

ويبدو أنَّ الصّـِراع بين المحافظين من أنصار الثقافة العربية، وعشاق الثقافات الوافدة دفع المحافظين إلى أن يتخذوا من البحتري واجهة أو نموذجاً يتمثلون به لمجابهة دعاة الخروج على المألوف.

 

وقد عُمِّرَ البحتري حتى أشْرفَ على الثمانين عاماً، وفي أيامه الأخيرِة عاد إلى بلدته "مَنْبِج" حيث تُوفِّي فيها سنة 285هـ.

وقد طُبِع ديوان البحتري خَمْس طبعات، آخرها وأجودُها الطبعة التي حقَّقَها حسن كامل الصيرفي، وصَدَرت في خمسةِ أجزاء خُصِّص الجزء الخامس منها للفَهَارس.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى