أساليب التصوير الفلكي
2014 دليل النجوم والكواكب
السير باتريك مور
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
إن التقدم في مجال التصوير الفلكي سريع كما هو الحال في مجالات البحث الأخرى.
فقد مر زمن، ليس بالبعيد، حين كان بإمكان الراصد الذي يمتلك منظاراً متوسط الحجم (مثل منظار عاكس ذي قطر يبلغ 30 سنتيمتراً) أن يرى ويرسم بتفصيل يعادل التفصيل الذي يمكن الحصول عليه بالتصوير وباستخدام معدات أكبر حجماً بكثير، وخاصة فيما يتعلق بسطوح القمر والكواكب.
هذا الأمر بات غير صحيح، ولكن هناك أيضاً تطور مهم جداً. فكما تفوق التصوير على المشاهدات البصرية قبل حوالي قرن، في يومنا تفوق على التصوير أجهزة إلكترونية.
انظر، مثلاً، إلى صورة لكوكب زحل في الأسفل التي تتفوق على أي شيء يمكن تسجيله على فيلم عادي. والصورة التقطها هاو اسمه داميان بيتش باستخدام أسلوب نبائط الشحن المزدوج على منظاره العاكس ذي القطر 28 سنتمتراً.
لا يدخل موضوع الأجهزة الإلكترونية ضمن نطاق هذا الكتاب، ولكن من المؤكد أن الفلكيين الهواة في الوقت الحالي منخرطون لدرجة كبيرة وبشكل فعلي في «العصر الإلكتروني.»
هناك نقطة واحدة من الجدير ذكرها هنا في البداية. نحن الآن معتادون على رؤية صور رائعة لأجسام مثل السدم والمجرات التقطها ليس المحترفون فحسب بل والهواة أيضاً.
الألوان رائعة ولكن لن تستطيع رؤيتها باستخدام منظار، حتى لو كان منظاراً كبيراً، نظراً لأن مستوى الضوء منخفض جداً.
والمثال الكلاسيكي على ذلك هو أن تقف تحت القمر وهو بدر وأن تنظر إلى سيارتين، إحداهما حمراء والأخرى زرقاء. كلتاهما سوف يبدوان وكأنهما رماديتان، إنما يختلفان في شدة هذا اللون.
ولكي ترى اللون الأحمر أو الأزرق فإنك بحاجة إلى كمية من الضوء أكبر بكثير، آخذين بعين الاعتبار أننا نحتاج إلى نحو نصف مليون بدر لكي نعادل ضوء الشمس.
لا يدخل موضوع الأجهزة الإلكترونية ضمن نطاق هذا الكتاب، ولكن هناك شيء من الجدير ذكره فيما يتعلق بالتصوير « بالأسلوب القديم» الذي من الممكن أن يكون مثمراً للغاية.
فهذا الأسلوب ليس عال الكلفة، إذ إن كاميرا متواضعة الجودة، إذا ما استخدمت بطريقة صحيحةٍ، يمكن تعطي نتائج جيدة بشكل مدهش. ولهذا دعونا في البداية نناقش التصوير باستخدام أسلوبٍ بسيط كالكاميرا العادية، هذا شريطة أن تستخدم هذه الكاميرا لالتقاط التعريض الزمني.
أحد الطرق الجيدة لتبدأ هي أن تلتقط صور اقتفاء النجوم. استخدم فيلماً سريعاً إلى حد ما، وذلك بمجرد فتح حاجب الكاميرا وتوجيهها إلى سماء معتمة تضيؤها النجوم.
إذا ما كنت تستهدف القطب السماوي ( الذي يحدده في نصف الكرة الشمالي النجم القطبي الساطع، وبصعوبة نسبية في الجنوب لعدم وجود نجم مماثل).
وسوف تلاحظ كيف أن هذه الاقتفاءات تطول بازدياد البعد عن القطب. أما نجم القطب الشمالي الذي يتغير درجة واحدة من النقطة القطبية، فهو بالكاد يتحرك. فليس هناك حد واضح للتعريض الزمني، إلا أنه بعد فترة زمنية ملموسة سوف تظهر مشكلة درجة تكثيف العدسات.
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام لهذا النوع من الصور هو أنها تظهر ألوان الصور بشكل متقن فعلاً؛ فالنجوم الحمراء مثل نجم منكب الجوزاء في مجموعة الجبار النجمية تبرز مباشرة.
أما التقاط الصور للمجموعات النجمية بدون اقتفاء الآثار فهي طريقة أقل مباشرة. ومن الإنصاف القول هنا أن الآثار تصبح واضحة بعد فترة زمنية تقدر بحوالي ثلاثين ثانية، ولهذا إذا أردت أن ترى النجوم كنقاط، إما أن تستخدم فيلماً أكثر سرعة أو أن تحرك الكاميرا بحيث تعوض عن حركة دوران الأرض.
الأسلوب المتبع هنا هو أن تثبت الكاميرا على منظار وتستخدم محرك.
بالطبع قد تكون محظوظاً حين يلمع أحد الشهب ضمن مجال الرؤية أثناء اللقطة. أثناء زخة شهابية، وهذا ليس بالأمر غير الشائع وحين توجه الكاميرا قرب مركز الزخة في ذروة نشاطها، ولن يحالفك الحظ إن لم تلتقط صورة لشهاب أو شهابين.
وإذا ما ظهر شهاب ساطع جداً فعليك تدوين الزمن بدقة، لأن رصدة من هذا النوع قد تصبح فيما بعد قيمة جداً.
يمكن أن تستخدم كاميرا ثابتة لتصوير بريق السماء، خاصة الهالة القطبية والضوء البروجي. وتعزى الهالة القطبية (الهالة القطبية الشمالية في نصف الكرة الشمالي والهالة القطبية الجنوبية في النصف الجنوبي) إلى جسيمات مشحونة ترسلها الشمس.
وتقطع مسافة 150 مليون كيلو مترٍ وتدخل الغلاف الجوي العلوي بحيث تجعله يتوهج بحركة لولبية.
(هذه العملية ليست مباشرة كما كان الاعتقاد السائد، لكن النتائج واضحة تماماً). لأن الجسيمات تكون مشحونة فإنها تنزع لأن تهبط بشكل لولبي نحو القطبين المغناطيسيين للأرض، ويكون كل قطب محاطاً «بقوس هالي قطبي» تتكرر فيه هذه المشاهدات، وتمر المنطقة الشمالية بكل من ألاسكا وأيسلندا وشمال النرويج.
أما اسكتلندا فهي تقع على أطراف المنطقة بينما تقع مدينة لندن خارجها. فالكثير من هذا يعتمد على حالة الدورة الشمسية، فكل 11 عاما أو نحو ذلك تكون الشمس في أوج نشاطها بحيث تصدر الوميض الشمسي وتطلق الانفجارات فتكون الهالة القطبية في أشد وهجها وكثرة تكرارها.
ففي المتوسط وعلى مدى دورة شمسية كاملة تُشاهد الهالة القطبية في 240 ليلة كل سنة في شمال ألاسكا وشمال كندا وأيسلندا وشمال النرويج، وتشاهد في 25 ليلة كل سنة على امتداد الحدود بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية وفي وسط أسكتلندا، ويشاهد في ليلة واحدة فقط كل سنة في وسط فرنسا.
بالنسبة لدول البحر الأبيض المتوسط هناك دولة أو دولتان فقط يمكن أن يكون فيها عرض كل قرن من الزمان.وهذا المشهد نادر للغاية قرب خط الاستواء.
ومن جنوب إنجلترا كان هناك مناظر رائعة للهالة القطبية في 25-26 يناير 1938، 13 مارس 1989، 8-9 نوفمبر 1991، كما كان هناك مشهد آخر في نوفمبر 2003، الذي كان مثيراً للدهشة نظراً لأن الذروة الشمسية حدثت قبل ذلك بثلاث سنوات.
بالطبع التصوير الملون ضروري للهالة القطبية، وإذا ما كان المشهد ساطعاً جداً فإن بضع ثوانٍ من التعريض الزمني كافية، حيث تتغير أشكال الهالة بسرعة مذهلة. بينما تحتاج الهالة القطبية الأقل نشاطاً إلى فترة أطول من التعريض الزمني، وفي هذه الحالة قد يؤدي اختيار أفق مناسب إلى التقاط صور فنية وجذابة.
يختلف الضوء البروجي تماماً، فهو يأخذ شكل مخروط من ضوء خافت ممتد على الأفق إما بعد الغروب أو قبل الشروق، وهو يمتد بعيداً عن الشمس ويستمر لفترة قصيرة فقط بعد أن تغرب الشمس أو قبل شروقها.
في أفضل حالاته قد يكون الضوء البروجي أكثر لمعاناً من مقطع متوسط من مجرة درب التبانة.
ويعزى هذا الضوء إلى جسيمات تبعثرت في النظام الشمسي على امتداد المستوى الرئيسي وقريباً منه، وتلتقط هذه الجسيمات ضوء الشمس وتصدر وهجاً.
ولا يمكن أن يكون مرئياً من بريطانيا، وإذا رغبت في رؤيته بشكل واضح عليك أن تتوجه إلى دولة ذات سماء أكثر صفاءً وأقل تلوثاً ضوئياً.
يحتاج تصوير الضوء البروجي فترة تعريض زمني طويلة إلى حد ما- أي عدة دقائق على الأقل أو على الأرجح ربع ساعة أو أكثر. على عكس الهالة القطبية،
لا يغير الضوء البروجي شكله وينقله بسرعة، وبهذا لا يوجد بهذا الصدد مشكلة. لأن ضوء البروج يمتد على مدى دائرة البروج (ومن هنا سمي بهذا الاسم) فإن أفضل مشاهدة له حين تكون دائرة البروج متعامدةً مع الأفق، أي في الأشهر من فبراير حتى مارس، ومن سبتمبر حتى أكتوبر.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]