حالات الإصابة بمرض الجدري في دول متعددة
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
وفي بقاع كثيرة من العالم وخاصة في بقاع توطن الداء كان الناس ولا زالوا – حتى عهد قريب – يؤمنون أن لا حيلة لهم في دفعه وقاية أو علاجاً لهذا آمنوا أنه قدر وإرادة إلهية بل ذهب بعضهم إلى القناعة بأن الجدري آلهة خاصة به يتعبدونها ويطلبون رضاها ويتقون سخطها وأن هذه الآلهة تغضب وتفقد صوابها لو حاول أحدهم أن يحول دون تحقيق رغبتها.
لهذا فإن لها في كل عام ضحايا لا بد أن تنال منهم حتى ترضى، وبهذا تعم السعادة على الناس، والخصب على الأرض، فيهطل المطر وينبت الزرع، ولعل هذا كان من أهم العوائق التي وقفت في طريق التطعيم العام ضد الجدري، الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية، إذ كان الناس يرفضون حملات التطعيم ويخفون مرضاهم عن أعين رجال الصحة.
ففي ارض نيبال مثلاً، وهي القابعة في أحضان جبال الهملايا شمال الهند، هم يعبدون آلهة الجدري ويحذرون غضبها، لهذا كان المريض عندهم يرقد على سرير خشبي، وبجانبه سيف يمنحه القوة، وتحته بعض الأعشاب تمنحه بركة الآلهة، ولكن لا شيء آخر سوى انتظار الموت.
أما على حدود الحبشة حيث تقطن قبائل النوير، فإنهم إذا ظهرت فيهم طفرة من وباء الجدري كانوا يهرعون إلى الكهنة يطلبون تخليصهم من هذه المعاناة، حيث يعتقدون أن غضب الآلهة عليهم، لأنهم لم يقدموا لها القرابين الواجبة، فيتسابقون إلى النهر ليقدموا لأم الآلهة ما يرضيها من الماعز، وهم فرحون مستبشرون راضون ثم بعدها ينزلون جميعاً إلى النهر حيث تسكن الآلهة مع أمها، هكذا كانت تسير الأمور حتى عهد قريب.
إنه يصدق القول لو قلنا إن العصور الوسطى كانت هي سنوات العصر الذهبي لوباء الجدري في كافة أنحاء العالم. فقد كان واحد بين خمسة يموت بسبب الجدري دون استثناء، فقيراً كان أم غنياً، اميراً كان أم صعلوكاً.
فقائمة الضحايا لا تحصى فمثلاً في الحرب الروسية الفرنسية مثلاً أصيب 200 ألف بالجدري مات منهم 25 ألفاً، كما أنه في عام 1520م عندما كان القائد الإسباني كورتيس يلاحق الهنود الحمر في المكسيك بعث لهم ببطاطين ملوثة كان يتدثر بها مرضى الجدري
فأباد بهذا ما يقدر بثلاثة ملايين ونصف من الهنود الحمر المساكين، الذين لم تألف أجسادهم فيروس الجدري وليس لهم به خبرة أو عندهم ضده مناعة!.
أما فيما بين 1617 – 1619م فقد قضى على تسعة أعشار الشعب الهندي الأحمر بسبب إصابات الجدري، ولعل أبشع ما يروى في هذا الصدد أن مدينة تسمى أسنام أصاب الجدري أهلها عام 1763م وكانوا يعدون 1331 نسمة فأصبح تعدادها عام 1765 أربعة فقط وليس غير بعد أن مرت موجة الجدري من هناك.
هذا لا يعني أن الأوروبيين أنفسهم كانوا بمأمن من فتك الجدري، فقد سجل التاريخ أن الجدري قد فتك بحوالي ستين مليوناً من البشر خلال القرن السابع عشر، وأنه في بريطانيا وحدها كان تعداد الوفيات من مرض الجدري يقدر بحوالي 36 ألفاً في كل عام.
كان الموت يتوزع بديمقراطية عادلة جداً؛ لأنه مرض يتساوى فيه الجميع دون تفاوت أو تمييز وكان يصاب الملك به كما يصاب العبد.
لهذا لا غرابة أن يموت 11 من الأسرة المالكة النمساوية من الجدري خلال القرن السابع عشر ولا غرابة أن يسجل التاريخ أن الملك لويس الخامس عشر ملك فرنسا قد خلعه الجدري عن عرشه في عز شبابه لأنه مات به.
ولا تدهش أن تسمع أن ضمن قائمة من وقعوا في شراكة وهربوا بصحبة التشوه والعمى كثيرون، نعد منهم ولا نحصيهم: فولتير أديب ومصلح فرنسا الأشهر، وأبو العلاء المعري شاعر العربية وفيلسوفنا الكبير، الذي سرق منه الجدري بصره.
ولكنه لم يسرق منه بصيرته، وجورج واشنطن رئيس الولايات المتحدة الامريكية الأول، ثم بسمارك الداهية الألمانين وكرمويل ثعلب انجلترا الذي اخترق الحكم الملكي
ألم نقل لك إنها قائمة طويلة لا مجال لحصرها ؟! والطرفة التي تستحق الذكر أن العبد الذي كان يحمل علامات الإصابة بالجدري، كان أكثر ثمناً من العبد السليم لأن الجدري كان يتخذ لضحيته أحد طريقين إما أن يموت المصاب به وإما أن يعيش محصناً ضد الموت من الجدري، لأنه يحمل مناعة أبدية لا يمكن بعدها أن يمرض ثانية، وهنا كان أحد المنعطفات التاريخية التي سجلها تاريخ الطب في أمر وباء الجدري.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]