شخصيّات

نبذة عن حياة الحسين بن عبدالله بن سينا ووصوله لمهنة الطب

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

الطب الحسين بن عبدالله بن سينا شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

في أرجاء الأرض، وعلى امتداد قرون ثمانية، انتشرت نصوص كتب ابن سينا (شكل رقم 7) بالعربية في مكتبات الدنيا، وانتشرت معها ترجماتٌ لها وشروحٌ باللغات اللاتينية والعبرية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والروسية.

وظل كتابه (القانون)، الذي تقارب كلماته المليون، الكتاب العمدة في دراسة الطب بالجامعات الأوروبية إلى القرن السابع عشر الميلادي.

وبسبب عبقرية ابن سينا والمجد الذي حظي به في حياته وبعد وفاته، تنازع جنسيته العرب والفرس والترك والسوفييت، واحتفلوا جميعاً مع بداية العقد الثامن من القرن العشرين بالعيد الألفي لمولده تكريماً لعطائه وذكراه.

وفي تركيا وإلى اليوم ما يزال الأتراك ينسجون حول الرجل وحياته العلمية والسياسية الأساطير الرمزية

 

التعلُّم… من بائع البصل!!

في مدينة بُخارى على نهر زارفشان (جمهورية أوزبكستان حالياً)، استقر الدَّاعية عبدالله بن علي بن سينا وصحب معه زوجته ستارة وولديه الحسين والحارث، فقد عيَّنه الامير نوح بن منصور أمير الدولة السامانية والياً على بُخارى.

وأولى عبدالله ابنه الحسين اهتمامه لما لمح فيه من أمارات الذكاء وحب المعرفة مُذ كان في السابعة من عمره.

فحفظ الحسين القرآن الكريم والكثير من الشعر والنثر على أيدي معلِّمين متخصِّصين.

وذات يوم قال الفتى لأبيه: أريد أن أتعلّم حساب الهند، وقد سمعت أن العالم الرياضي المسلم أبا موسى الخوارزمي قد وضع فيه كتابا، وقد بحثت عنه عند الورَّاقين في بُخاري ولكنني لم أجد له اثراً.

فقال الوالد: ستجده عند صديقنا بائع البصل!  وهو بعلم الحساب خبير فاذهب إليه في السوق.

وأغلق بائع البصل متجره وتفرَّغ للحسين بضعة شهور علَّمه خلالها – في قصر أبيه – كتابين (الحساب الهندي) و (الجبر والمقابلة) وكلاهما للخوارزمي. وأجزل عبدالله العطاء لصديقه بائع البصل تعويضاً له عن إغلاق متجره.

 

اللقب… الجميل

قدم إلى بُخارى عالم مُتَفلسِف هو أبو عبيد الله النَّائلي، ونزل ضيفاً مقيماً في قصر صديقه عبدالله.

وكان الحسين آنذاك مشغولاً بدراسة الفقه على أستاذه إسماعيل الزاهد، كما كان شديد الرغبة في دراسة الفلسفة والمنطق والرياضيات والطبيعيات، وكان أبو عبيدالله لها عارفاً وبها خبيراً وعالماً.

فقال له الحسين: علِّمني كل ما تعلمه ولا تشفق علي فأنا قادرٌ على الجمع بين دراستها جميعاً. وبدأ معه المعلم بعلم المنطق الذي وضع أسسه معلم الإنسانية الأول وفيلسوف اليونان الأشهر أرسطو.

وقسَّم الحسين كل وقته، في نهاره وليله، بين أستاذيه الزاهد والنَّائلي ومجالس العلماء. فأخذ يدرس مع الفقه منطق أرسطو تمهيداً لدراسة علم الهيئة (الفلك) والأصول الهندسية، ثم الارتقاء منها لدراسة الطبيعيات والفلسفة في خاتمة المطاف.

ومرت سنوات ثلاث بلغ الحسين بعدها الرابعة عشرة من عمره، وقد تعلَّم في هذه السنوات الثلاث علم الهيئة لبطليموس والأصول الهندسية لإقليدس، وتعرف على المقولات الفلسفية لجميع فلاسفة اليونان الذين تُرجمت آثارهم إلى العربية.

وتاقت نفس الصبي لدراسة الطبيعيات والإلهيات والطب. واختار عالمين طبيبين يتردَّد عليهما في مسجد بُخارى الجامع وفي قصريهما وهما طبيبا الأمير نوح: الحسين بن نوح القمري وأبو سهلٍ المسيب.

فتنهَّد عبدالله وقال لولده: صرت رجلاً قبل الأوان، فأنت تعرف ما يلزمك وتُحدِّد الطريق إليه. لك ما شئت يا أبا علي. و

فرح الصبي لأن أباه لقبه بلقب (أبي علي)، اللقب الذي كان الناس يخاطبون به الحسين بن علي بن أبي طالب في المدينة المنورة.

 

الطب…أمره هيِّن!!

انقضت سنواتٌ ثلاث أخرى والحسين قد أفرغ نفسه لتعلم الطب على أيدي أستاذيه القمري والمسيب.

ووضع الحسين معرفته بالطب في معالجة المرضى الفقراء في بُخارى، ولكن بغير أجر، ويجري التجارب العملية في بيته على ما عرفه من الكيمياء في العقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية.

فانفتحت له بتجاربه وعلاجاته آفاق جديدة في الطب والكيمياء لا عهد لأحد بها من الأطباء والكيميائيين في زمانه.

وكان يقول لأستاذيه: الطب مثل الكيمياء لا بد أن يقترن في كلٍ منهما العلم بالعمل وترتبط النظرية بالتطبيق.

والطب أمره هيِّن لمن يعطيه حُب القلب وذكاء العقل. ونظر الأستاذان أحدهما إلى الآخر في دهشة، وقال له القمري: لم يكذب أستاذك النَّائلي يا أبا علي حين حذَّر أباك من اشتغالك في حياتك بأي أمرٍ آخر سوى العلم.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى