شخصيّات

نبذة عن حياة العالم “جوهانز كبلر”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

العالم جوهانز كبلر شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

لعل الأساس الذي تقوم عليه شهرة كبلر (شكل رقم 41) هو اكتشافه للناموس الذي يحكم حركة الكواكب.

والحق أن سيرة هذا العالم الفذ من أعجب السير. فحياته من المهد إلى اللحد كانت سلسلة متصلة الحلقات من الضعف الصحي والإفلاس المادي والنكد العائلي. ولكنه أثبت فيها كلها إخلاصاً للعلم ونبوغاً في الفلك والرياضيات رفعه إلى ذرى الابداع.

أضف إلى ذلك أن الرصد الفلكي كان متعذراً عليه لأنه أصيب في صغره بداء ترك غشاوة على عينيه.

فالمرقب، وغيره من أدوات الرصد، كانت (ثماراً) محرَّمة عليه، ولكنه مع ذلك فاز.

وكان فوزه في ميدان الهندسة والإحصاء حيث تمكن بحساباته الدقيقة وجلده الغريب وصبره على النوائب من الوصول إلى الصف الأول بين أساطين العلم وعمالقته.

 

طفولةٌ..بائسة!

ولد جوهانز في مدينة ويل جنوبي ألمانيا في 21 ديسمبر عام 1571. وقد أصيب إصابة حادة بالجدري وهو في الرابعة من عمره وتركه هذا المرض ضعيف النظر عاجز اليدين.

وكان والده جنديا مرتزقا، وأمه بنتا لأحد بوابي الفنادق، جاهلة نزقة الطبع.

وبالرغم من أن الصغير جوهانز كانت تعوقه ظروف عديدة: فأبوه مخمور، وأمه مختلة عقليا، ونظره مصاب، وبنيته ضعيفة، ويداه عاجزتان، إلا أنه كان تلميذاً مجداً من أوائل دراسته!.

 

العمل في ..خمارة!!

أُرسل جوهانز إلى المدرسة ولكنه لم يلبث بها طويلا لأن أباه كان قد ضمن صديقا بمبلغ من المال وثبت أن هذا الصديق مختلس فاضطر لأن يكفله، ففقد بذلك كل ما يملك واضطر لأن يفتح حانة يرتزق منها وأسرته، مستخدماً فيها ذلك الطفل السقيم.

وهكذا أُرغم جوهانز أن يترك المدرسة ويعمل في خمارة أبية.

وظل كذلك سنواتٍ ثلاثاً توسط في نهايتها نفر من أصدقاء أبيه ومكنوا الفتى من الالتحاق بمدرسة الدير في بلدة ملبرن.

وفي المدرسة أظهر من النبوغ والبراعة ما مكنه من دخول جامعة توبنجن وهو في السابعة عشرة من عمره.

 

الزواج.. المشؤوم!

انتظم جوهانز في الجامعة يتلقى علومه على أستاذه في الرياضيات ميخائيل ميستلن.

وأدرك الأستاذ النبوغ الكامن في تلميذه فأدناه منه ووجَّه إليه عناية خاصة. وكان ميستلن من أتباع مذهب كوبرنيكوس القائل بأن الشمس هي مركز نظامنا الشمسي وما الأرض إلا سيارٌ يدور حولها.

فنشأ كبلر على هذا المذهب وصار فيما بعد من أشد أنصاره، فذاعت شهرته في علم الفلك، ولما خلا منصب أستاذ الرياضيات في جامعة جراتس عرض عليه فقبله متلكئا.

وفي عام 1597، وهو في السادسة والعشرين، تزوج من سيدة كان قد سبق لها الزواج مرتين! وكان زواجاً مشؤوماً. ولما ولد له من هذه المرأة ثلاثة أبناء ارتبكت أحواله ارتباكاً أقلق باله وأقضَّ مضجعه.

 

الخلف.. والسلف

عمل كبلر- بعد أن ترك توبنجن- أستاذا للفلك في جامعة جراتس كما تقدم. وهناك أصدر أول مؤلَّفاته عن الفلك في عام 1596.

وعلى الرغم من أن النظرية التي كتب عنها كبلر في ذلك الوقت لم تكن صحيحة على الإطلاق، إلا أن هذا المؤلَّف أثبت أصالة عالمنا الفكرية وعبقريته الرياضية.

وقد أُعجب به العالم الفلكي تيكو براهى، فدعاه مساعداً له في مرصد برانج. وانضم إليه كبلر سعيدا في يناير 1605.

ولما توفى براهى في العام التالي، أصدر الإمبراطور رودلف ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة قراراً بأن يخلف كبلر براهى في وظيفة مستشار الإمبراطور للشؤون الرياضية. وقد ظل كبلر في هذا المنصب حتى مات.

ووجد خليفة الفلكي الكبير كل التقارير العلمية التي تركها سلفه في متناوله.

 

وإذا علمنا أن براهى كان آخر الفلكيين الكبار قبل اختراع المنظار المقرب وأنه قد بلغ شأناً كبيرا في دقة الرصد وقوة الملاحظة، لقدرنا القيمة العظمى للسجلات التي تركها.

وأيقن كبلر – بفطنته- أن هذه السجلات وحدها هي التي ستفصل في قضية دوران الكواكب: هل دورانها حول الشمس كما رأى كوبرنيكوس؟ أم حول الأرض كما قال بطليموس؟ أم أن هناك احتمالاً ثالثاً؟

وبعد دراسةٍ مستفيضةٍ لذلك الأمر ومتأنية، أدرك كبلر أن سجلات سلفه لا تتفق وهاتين النظريتين.

وقد أدرك كبلر أن الخطأ الذي وقع فيه، هو والفلكيون الآخرون، أنهم تصوروا أن مدارات الأفلاك دائرية، في حين أنه اكتشف أنها إهليلجية أو شبه دائرية.

وهنا نشير إلى ارتباط الخلف بالسلف، وأن كلاً منهما قد كمَّل الآخر. فتيكو براهى كان بارعاً في الرصد ضعيفاً في الرياضيات، بينما كان كبلر على الضد نابغاً في الرياضيات عاجزاً في الرصد.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى