الفنون والآداب

مؤلَّفات أبو بكر الرَّازي الطبية

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

مؤلَّفات أبو بكر الرَّازي الطبية الفنون والآداب المخطوطات والكتب النادرة

اشتهر الرَّازي بمقدرته الهائلة على التصنيف، إذ بلغت مؤلَّفاته نيفاً ومائتين!

وكان يتميز في تأليفه بميزتين: الأولى اتباعه الطريقة العلمية البحتة، والثانية نزاهته العلمية المتمثلة في إعطاء كل ذي حقٍ حقه،

إذ عندما كان يستخدم مرجعاً هندياً أو فارسياً أو يونانياً أو عربياً نوَّه عنه في صُلب ما يؤلَّف.

وله في الطب مؤلَّفاتٍ كثيرة ثرية، نشير إلى أهمها فيما يلي:

 

1- (الجامع الكبير) أو (الحاوي في الطب) أو (الحاوي في علم التداوي):

وهو أجل كتب الرَّازي وأعظمها في صناعة الطب. تجلَّت فيه مقدرة عالمنا الفائقة على ابتكار التشخيص والمعالجة لكثيرٍ من الأمراض، وقد أودعه مفكراته السريرية التي كان يدونها عن مرضاه بشكلٍ مباشرٍ أولاً بأول.

وقد نُشر الحاوي والترجمة اللاتينية له عام 1486، وكان واحداً من كتبٍ تسعة أساسية تكونت منها مكتبة مدرسة الطب بباريس بأكملها في القرن الخامس عشر، وظل مصدرا للعلوم الطبية، وخاصة فيما يتعلق بالعلاج في أوروبا إلى ما بعد عصر النهضة بزمنٍ طويل.

وقد بلغ تقدير علماء أوروبا لهذا الكتاب أن اتفق أن جامعة باريس الطبية أرادت في القرن الرابع عشر أن تقوم ببعض الترميمات، وأعوزها المال، فلم تجد من يسلفها إلا بعد أن استودعته حاوي الرَّازي مرتين، ولم يصل المقرض أثمن من هذا المؤلَّف!.

والحاوي من الكتب الكبار، أذ يتألف من ثلاثين مجلداً، توفي الرَّازي دون أن ينقحها، وكان ابن العميد سبباً في إظهاره، إذ طلبه من أخت الرَّازي وبذل لها مالا كثيرا حتى أعطته مسوّدات الكتاب، وفرضه على تلاميذ مؤلَّفه الذين كانوا بالري آنذاك، فنقحوه ما استطاعوا، ورتبوه،وخرج على ما هو عليه من الاضطراب.

وقد ترجم الحاوي إلى اللاتينية في صقلية أو في نابولي (فرج بن سالم) للملك (شارل دانجو)، وقد مضى في ترجمته العمر كله، وانتهى منها عام 1279. وطبع في بريشيا شمالي إيطاليا عام 1486. وهو أضخم الكتب التي طبعت بعد اختراع الطباعة مباشرة، وتمت طباعته مرارا في القرن السادس عشر.

 

وتتجلى في صفحات الحاوي مهارة الرازي الطبية، ودقة ملاحظاته، وغزارة علمه، وقوة منطقه في استخراج النتائج وإصدار الأحكام من معطيات البحث الإكلينيكي.

والجزء الأول من الكتاب يقع في نحو ثلاثمائة صفحة، وهو يختص بأمراض الرأس، ومقسم إلى أبواب عشرة: يبحث الأول منها في السكتة والفالج والرعشة وعسر الحس وبطلانه والاختلاجات والمانخوليا وكيفية علاج الرأس من كل هذه الأمراض.

ويتحدث الثاني عن الرعشة التي تعقب المرض وأوجاع العصب واسترخائه. ويعرض الثالث للأغذية الدوائية. ويتناول الرابع قوى الدماغ. أما الخامس فيما ينقي الرأس بالعطوس والسعوط والشموم.

والسادس يتحدث عن القوة وانخلاع الفك واشتباكه. والسابع عن الصرع والكابوس والتفزع من النوم. والثامن عن التشنج والتمدد وتعقد العصب والمفاصل. وهكذا في بقية أبواب الكتاب المقسَّمة إلى مقالات.

 

2-(المنصوري في التشريح):

ويقع في عشرين مجلدا. وقد لخص جورج شحاتة قنواتي في كتابه المشار إليه أهم محتويات المنصوري، نورده نقلا عن علي عبدالله الدفاع في كتابه (إسهام علماء العرب والمسلمين في علم النبات): المدخل في الطب وفي شكل الأعضاء، في تعريف فراج الأبدان وهيئتها والأخلاط الغالبة عليها واستدلالات وجيزة من جامعة من الفراسة، في قوى الأغذية والأدوية، في حفظ الصحة، في الزينة، في تدبير المسافرين، في صناعة الجبائر والجراحات والقروح، في السموم، في الأمراض الحادثة من القرن إلى القدم، في الحميات. موضوعات عشرة رئيسة.

وقد سُمِّي الكتاب بـ (المنصوري)؛ لأن الرازي قد صنفه لأبي منصور بن نوح بن نصير بن إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان، أحد ملوك السامانية، فنُسب الكتاب إليه.

 

3- (منافع الأغذية):

وقد ألَّفه الرَّازي نظراً لأهمية موضوع الأغذية من حيث نفعها وضررها بالنسبة للإنسان ولاهتمامات أطباء العرب والمسلمين. و (المنافع) يقع في تسعة عشر بابا، أوردها علي عبدالله الدفاع عن جورج شحاتة قنواتي في كتابيهما المشار إليهما.

وهذه الأبواب هي: في سبب تأليف الكتاب، في منافع الحنطة والخبز والمتخذ منها ومضارها وما يدفع به تلك المضار وصنوف الخبز والأوفق منها في حال دون حال، في منافع الماء المشروب، في منافع الشراب المسكر ومضاره، في الأشربة غير المسكرة، في منافع اللحوم ومضارها، في القديد والنمكسود (أو النمكسون وهو اللحم المجفف بالملح)، في السمك ومنافعه ومضاره، في أعضاء الحيوان واختلافها وطبائعها ومنافعها ومضارها، في ألوان الطبيخ والبوارد ومنافعها، في الجبن العتيق والقنبيط والزيتون والمخللات ونحوها، في منافع اللبن وما يكون منه ويجري مجراه، في البيض، في البقول نيئها ومطبوخها، في التوابل، في الفواكه الغضَّة، في الفواكه اليابسة، في الحلوى، في الأسباب التي من أجلها يفسد الاستمرار وإن كان الطعام جيدا ومقاومة كل سبب منها ودفعه.

 

4- (بُرءُ الساعة):

لتأليفه قصة يرويها الرَّازي: (كنت عند الوزير أبي القاسم بن عبدالله، فجرى بحضرته ذكر شيء من الطب، وهناك جماعة ممن يدَّعوه، فتكلَّم كل منهم بمقدار ما بلغه في ذلك علمه، حتى قال بعضهم: إن العلل من مواد تكون قد اجتمعت على مر الأيام والشهور، وما يكون هذا حاله، لا يكاد أن يبرأ في ساعة، بل يكون في مثل ذلك من الأيام والشهور!.

كل ذلك يريدون به الذهاب والمجيء إلى العليل وأخذ الشيء منه! فعرَّفت الوزير أن من العلل ما تجتمع في أيام وتبرأ في ساعة، فتعجَّبوا من ذلك. فسألني الوزير أن أؤلَّف له كتاباً يشمل جميع العلل التي تبرأ في ساعة، فبادرت إلى منزلي وعملت هذا الكتاب، واجتهدت، فيه وأسميته بُرءُ الساعة).

و (بُرءُ الساعة) مؤلَّفٌ ضخم يقع في سبعة وعشرين بابا، أوردها علي عبدالله الدفاع في كتابه المشار إليه على النحو التالي: الصداع، في هيجان العين، في الزكام، في وجع الأسنان، في قلع الأسنان بغير حديد، في دواء البخر، في الخوانيق، في العلق إذا تشبث بالحلق، في الشقيقة، في الصرع، في الدوي والطنين في الأذن، في الرعاف، في البواسير، في النواصير، في الجراحات العتيقة، في الجراحات الطرية، فيما يذهب بالوجع عن الأعضاء، في حرق النار ووجعه، في القولنج، في زحير الصِّبية (إسهال الأطفال)، في حلقة الصبية، في وجع القلب، فيما يعقل البطن، في عرق النسا، في الاعياء والتعب.

 

5- (الحصبة والجدري):

وهو كتابٌ نفيسٌ بل ليعتبر من روائع الطب الاسلامي. وصف فيه الرَّازي كلاً من مرضى الحصبة والجدري وأعراضهما وكيفية التفريق بينهما. بينما كان سلفه ومعاصروه يحسبونهما مرضاً واحداً! كما بيَّن كيفية علاج كلٍ منهما.

والكتاب يعد الأول من نوعه ضمنه الرَّازي ملاحظات وآراء لم يسبقه إليها أحد من قبل. وهو يلح فيه على أهمية الفحص الدقيق لكلٍ من القلب والنبض والنفس والبراز عند مراقبة تطور المرض.

وقد لاحظ أن ارتفاع الحرارة يساعد على انتشار الطفح، كما أشار إلى وسائل وقاية الوجه والفم والعين وتجنب الندوب الكبيرة.

وقد تُرجم الكتاب إلى اللاتينية بعنوان (De Pestilentia De Peste) في وقتٍ مبكر، ثم تُرجم في عصورٍ لاحقة إلى لغاتٍ أخرى عديدة في مقدمتها الإنجليزية، وأعيدت طباعته أربع مرات فيما بين عامي 1489 و 1866.

 

6- (الفاخر):

وهو بمثابة موسوعة طبية تحتوي على معظم آراء الذين اشتغلوا بالطب من علماء العرب والمسلمين وغيرهم.

يقول علي عبدالله الدفاع في كتابه المشار إليه نقلا عن محاضرة لسامي حداد عن (مآثر العرب في العلوم الطبية): (كتاب الفاخر للرَّازي كتاب فيه وصف الأمراض من الرأس إلى القدم).

وقال عنه مؤلِّفه) : (إنه جمع فيه آراء الفلاسفة المتقدِّمين في أنواع الأمراض ومعالجتها بالأغذية والأدوية ليكون دستوراً يُرجع إليه عند الحاجة. وقد نُسبت كل مقالة فيه إلى صاحبها).

ويستطرد سامي حداد قائلا: (وقد قابلنا ما نقله الرَّازي من المصادر التي أخذ عنها فوجدناه ينقل حرفيا بخلاف ابن ربن الذي كان يختصر ما ينقله. ومن المصادر التي أخذ عنها الرَّازي: ثابت بن قرة، سرانبون، فولس، ديسقوريدس، جالينوس، ماسرجويه، ثيادون، حنين بن إسحاق، أهيرن، بختيشوع، جورجيوي بن بختيشوع، السَّاهر يوحنا بن ماسويه، أشمعون، الطبري، فرانيطس، أبقراط. وهذا يدل بالقطع على اجتهاده وسعة اطلاعه).

كانت تلكم أهم ستة في كتب الرَّازي الطبية، ولكن لا زالت له مؤلَّفات طبية أخى تبلغ خمسين مصنَّفاً، منها : الطب الملوكي، تقسيم العلل، من لا يحضره الطبيب، محنة الطب وكيف ينبغي أن يكون، المرشد في الطب، القراباذين الكبير، القراباذين الصغير، القولنج، النقرس، الفالج، أطعمة المرضى، في هيئة القلب، في هيئة الكبد، الروماتيزم، حصوات المثانة والكلى، إلخ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى