شخصيّات

نبذة عن حياة العالمة “ماري كوري”

1999 تاريخ الكيمياء

صلاح محمد يحياوي

KFAS

العالمة ماري كوري شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

كيميائية فرنسية بولونية الأصل والمولد (ماري سكلود وسكا SKLODOWHSKA)، خلفت زوجها بيير كوري بعد مصرعه عام 1906م في منصب أستاذ الفيزياء في جامعة باريس، وبذلك كانت أول امرأة تحمل لقب "أستاذ" في تلك الجامعة. 

فازت وزوجها وأنطوان هنري بكرل بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 1903م لعملهم  في حقل النشاط الإشعاعي، ومنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1911م.  لاكتشافها الراديوم والبولونيوم.  وهيوالدة إيرن جيولويو كوري.

كانت "ماري كوري" – العالمة ذات الأصل البولوني – امرأة بالغة الشجاعة، مفعهمة بالعزيمة.  وقد شكلت مع زوجها "بيير كوري" أشهر زوجين علميين في تاريخ العلم.

اكتشف الزوجان معاً البولونيوم العنصر المشع، واكتشفا لاحقاً عنصراً جديداً هو الراديوم، وأثبت عملهُما وجود ظاهرة أطلقت عليها "ماري" اسم "النشاط الإشعاعي" مسهمين بذلك في تدشين عصر الذرة.

 

تركت ماري "فرصوفيا" عاصمة "بولونية" مسقط رأسها عام 1891م لتسيير وراء هوايتها للعلم.  ولكنها لم تستطع الانتساب إلى الجامعة في بولونية، فأخذت تقتصد لتجمع ما يكفيها من المال لتسافر إلى باريس للدراسة في "جامعة السوربون".

عاشت ماري في فقر مدقع كاد أن يبلغ الخواء والضور، لكنها حصلت على أجود التقديرات في دراستها.  وفي عام 1894م، وبعد أن تخرجت حاملة الشهادة الجامعية تعرفت على العالم الفرنسي "بيير كوري" وتزوجا بعد ذلك بعام واحد.

استقبل الزوجان كوري بتأثر بالغ أخبار اكتشاف "هنري بكرل" نمطاً جديداً من الإشعاع تصدره تلقائياً – على ما يبدو – مركبات تحتوي على الأورانيوم. 

واكتشفا عند الشروع ببحوثهما الذاتية أن بعض المركبات تصدر مقداراً من الإشعاع يفوق بكثير ما يتوقع من كمية الأورانيوم التي تحويها تلك المركبات..

كان الزوجان كوري حائرين، وقد سبب لهما تلك الحيرة الارتفاع الشديد في درجة الإشعاع الذي يصدره فلز "البكبلند PECKBLENDE"، فانكبا على تكرير الفلز، وفي عام 1898م قطفا ثمار جهودهما باكتشاف عنصر جديد أطلقا عليه اسم "البولونيوم" تخليداً لوطن ماري.

 

ومع أن البولونيوم كان أشد نشاطاً إشعاعياً من الأورانيوم بمئة مرة، غلا أنه لم يفسر الإشعاع الذي يصدره، "البكبلند"، وكان الزوجان كوري مقتنعين بأن هذا الإشعاع يعود إلى عنصر آخر هو أشد نشاطاً إشعاعياً بكثير من البولونيوم حتى عندما يكون بكميات دنيا.

اطلق الزوجان على هذا العنصر اسم "الراديوم"، وكانا عازمين بإصرار على البرهنة على وجوده، فأمضيا السنوات الأربع التالية يعالجان أطناناً من "البكبلند" آملين في التوصل إلى عينة منه تكون إحدى أعظم ماثرة من مآثر البحث العلمي ملحمةً. 

وكان الزوجان "كوري" يحتاجان في المقام الأول إلى كميات وافرة من الفلز.  وكانت هناك منه – لحسن حظهما – كميات ضخمة في أكداس من بقايا مناجم تشكوسلوفكية.

 

وقد ادعى أصحاب المناجم عندئذ بأنهم لا يتخلصون من تلك البقايا إلا مقابل المال، فوظف الزوجان ماري وبيير كلما كان قد اقتصداه في يومهما الأبيض ليومهما الأسود في شراء جميع ما استطاعا شراءه من الفلز.  

وبعد أربع سنوات طوال، نقيا أطناناً من البكبلند، وأعاد تنقيتها، حاصلين في كل مرة على كميات تصغر شيئاً فشيئاً من مادة يزداد إشعاعها تدريجياً.  لم يكن دقيقاً وكثير التنقية فحسب بل كان مجهداً جداً أيضاً.

إذ كان عليهما أن ينقلا "البكبلند" الثقيل بأيديهما، وما كنت لديهما مصادر للرزق تكفي لشراء ما يسد به الرمق ويبقى على القوى، ومع ذلك كانا من قوة العزيمة ما دفعهما إلى متابعة العمل… إلى أن جاء أخيراً عام 1902م فحصلا من أطنان "البكبلند" على منتج نهائي قدره دسيغرام واحد من العنصر الجديد.

 

ومنح الزوجان ماري وبيير كوري جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903م، بيد أنهما كانا مريضين منهكين جداً فلم يستطيعا الذهاب لتلقي الجائزة.

وكانت ماري مبهورة بالطاقة الضخمة التي تشعها ذرات الراديوم، كما كانت نافذة الصبر ترغب في الشروع بخط جديد من البحث.  لكنها فجعت سنة 1906م بوفاة زوجها إثر حادث طرق أليم.

وتقدمت ماري بالعزيمة والتصميم المميزين لها ترشح نفسها لتشغل وظيفة زوحها، ففازت بمبتغاها وعينت أستاذة في السوربون.

وكانت بذلك أول امرأة تشغل ذلك المركز.  وأخذت تتابع بحوث زوجها، فحصلت في عام 1911م على جائزة نوبل جديدة، بيد أن الجائزة كانت في الكيمياء هذه المرة، وتحولت بذلك إلى أول إنسان في التاريخ يحصل على جائزة نوبل مرتين.

 

وقضت ماري اسنين الأخيرة من حياتها مديرة لمعهد الراديوم في باريس، وسرعان ما تحول المعهد إلى أحد أكثر مراكز الفيزياء النووية والكيمياء النووية شهرة في العالم. 

وشرعت فيه ببعض أولى التطبيقات الطبية للأشعة السينية ولأشعة الراديوم، وسرعان ما غدت المعالجة الإشعاعية في معالجة السرطان – ولا تزال إلى يومنا هذا – تقنية رئيسية في هذا المجال.

لكن القدر كان لماري بالمرصاد إذ دفعت ثمناً باهظاً للإرهاق الذي لحق بها في سنوات الأعمال الشاقة بحثاً عن الراديوم، فقد أثر في دمها تعرضها الدائم إلى الإشعاع، وقضت نحبها بسرطان الدم (اللوكيميا) عام 1934م.

وعندما تُذْكَرث ماري كوري اليوم فليس لاكتشافها الراديوم وإسهامها في معارفنا عن الذرة، بل لأنها رمز لروح الانكباب والتفرغ، تلك الروح التي نادراً ما وجد لها مثيل في تاريخ العلم.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى