أسلوب الأستاذ الذكي الذي اتبعه في شرح الفيزياء للناس الغير مختصة بها
1997 عجائب الضوء والمادة تجريباً وتأويلاً
KFAS
كيف أتدبر أمري كي أشرح لكم ما لا أشرحه للطلاب إلا بعد أن يقضوا أربع سنوات في دراسة الفيزياء ؟ سأجيب عن هذا السؤال مستعينا بالتشبيه التالي .
كان هنود المايا يولون اهتماما كبيرا لشروق وغروب كوكب الزُهرة الذي كان يسمونه ((نجمة الصبح)) تارة و ((نجمة المساء)) تارة أخــــــرى ، كان ما يهمهم من الزهرة أن يعرفوا موعد ظهورها في السماء .
وبعد رصدها عدة سنوات توصلوا إلى ملاحظة أن ست دورات زُهرية تعادل تقريبا ثماني ((سنين اسمية)) ذات 365 يوما ( كان حكماء المايا يعرفون أن سنتهم الاسمية لا تساوي بالضبط السنة الحقيقية ذات الفصول ، حتى أنهم حسبوا الفرق بينهما ) .
ولإجراء الحسابات اخترعوا تركيباً من قضبان ونقاط تمثل الأعداد (بما فيها الصفر) ؛ كانوا قد وجدوا منظومة قواعد تتيح لهم التبنؤ بالحساب ، لا بمواعيد شروق الزهرة وغروبها فحسب ، بل وبظواهر سماوية أخرى ، كخسوفات القمر.
في ذلك العصر كان نفر قليل من كهان المايا قادرين على إجراء حسابات على تلك الدرجة من التعقيد. تخيلوا أننا طلبنا من أحد هؤلاء الكهان أن يشرح لنا كيف يجب أن نعمل كي نحسب الموعد القادم لظهور الزهرة كنجمة صبح .
ولنفترض أيضاً أننا لم نذهب قط إلى المدرسة وأننا نجهل عملية الطرح . فكيف يتدبر الكاهن أمره ليشرح لنا كيف نقوم بهذه العملية؟ .
إنه يستطيع حتماً أن يُعلِّمنا كيف تتشكل الأعداد مستعينا بالقضبان والنقاط، ثم القواعد الخاصة بالطرح . لكنه يستطيع أيضا أن يشرح لنا معناها فيقول : (( إذا كنتم تريدون طرح 236 من 584 فخذوا 584 حبة فاصوليا وضعوها في وعاء ؛ ثم أخرجوا من الوعاء 236 حبة وضعوها جانباً ، عدوا بعدئذ الحبات التي بقيت في الوعاء ، عندئذ تجدون نتيجة طرح 236 من 584)) .
عندئد يمكن أن تعترضوا قائلين : يا لها من عملية! نعدُّ حبات الفاصولياء ، ثم نعدُّ حبات أخرى ونضعها جانبا ، ثم نعدُّ … ، يا ويلي من الضجر!)) .
ويجيب الكاهن ((لهذا السبب بالضبط اخترعنا جملة قواعد تعمل بالقضبان والنقاط)) . قد تبدو لكم هذه القواعد مصطنعة؛ لكنها " حِيلَ " تتيح الحصول على النتيجة بشكل أكثر فعالية من عد حبات الفاصولياء .
فالمهم هو أننا نحصل على النتيجة ذاتها بالطريقتين ؛ فنحن نستطيع ، كي نتنبأ بمواعيد الزهرة ، أن نعدّ الحبات ( هي عملية طويلة ومملة ، لكنها سهلة على الفهم) أو أن نطبق القواعد ، ((الحيل)) ( وهي عملية أسرع بكثير، لكنها تستدعي أن نكون قد أمضينا عدة سنوات على مقاعد المدرسة) .
وبموجز القول ، ما دمنا غير مجبرين على أن نعمل فعلاً عملية الطرح ، يمكن أن نكتفي بفهم كيفية إجرائها ، وليس في هذا صعوبة تذكر.
وأنا سأنسج على هذا المنوال : سأشرح لكم ما يعمله الفيزيائيون فعلا كي يتنبؤوا بسلوك الطبيعة ؛ لكنني لن أعلمكم كل القواعد ((الحيل)) التي تتيح لكم أن تفعلوا مثل كل ما يفعلون.
فلكي تتوصلوا إلى نبوءات معقولة في ميدان الإلكتروديناميك الكمومي يجب عليكم ، كما سترون ، أن ترسموا حشداً من الأسهم الصغيرة . ويحتاج الطلاب إلى سبع سنوات جامعية كي يتعلموا اللعب بهذه الأسهم الصغيرة ، بشكل مُجد.
أما نحن فسنقفز فوق هذه السنوات السبع الجامعية دفعة واحدة. وآمل أن أجعلكم قادرين ، بعد أن أشرح لكم مباشرة الإلكتروديناميك الكمومي ، وأن أفصّل لكم ما نعمله فعلاً، على فهم هذه النظرية بأحسن ما يفهم معظم الطلاب ! .
لنعد إلى مثال المايا . نستطيع أن نسأل الكاهن : لماذا تساوي خمسُ دورات زهرية قرابة 2920 يوما ، أي ثماني سنوات؟ إنه يستطيع أن يسرد لنا كوم نظريات تشرح لنا لماذا كان ذلك ، كأن يقول : ((إن 20 عدد مهم في نظامنا العددي ، وإذا قسمنا 2920 على 20 نجد 146 ، والعدد 146 يتلو مباشرة عدداً آخر يمكن أن نتمثله بطريقتين مختلفتين كمجموع مربعي عددين..)) .
لكن الواقع أن هذه النظرية لا علاقة لها بالزهرة . ونحن نعلم اليوم أن نظريات من هذا القبيل لا تقود إلى أي شيء . ومرة أخرى لن نهتم بالنظريات التي تشرح لماذا تتصرف الطبيعة كما تتصرف ، ولا يوجد نظرية جيدة من هذا القبيل .
إن كل ما فعلته حتى الآن هو أنني وضعتكم في جو نفساني يشجعكم على الإصغاء إلي ؛ وهذا ضروري جداً لنجاح مهمتي . حسناً . والآن هيا بنا؟
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]