العلوم الإنسانية والإجتماعية

الإجراءات والأمور الواجب على أفريقيا اتباعها لتطوير ذاتها

1998 تقرير1996 عن العلم في العالم

KFAS

التطوير والبحث افريقيا وتطوير ذاتها العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

على عكس ما يتوقع المرء فإن القارة الأفريقية الغنية بالثروات الطبيعية الهائلة (البيولوجية والمعدنية) لا تزال تعاني فقراً شديداً، في حين أن الأمم الأخرى والوكالات الأجنبية التي تعمل في أفريقيا ازدهرت اقتصاديا نتيجة إفادتها من الثروات الطبيعية الأفريقية نفسها.

لهذا فإن ما تحتاج إليه أفريقيا هو الانطلاق من هذه المسلمة، وعليها أن تتبنى في المستقبل مقاربة استراتيجية تحكمها التقانة المبنية على العلم وذلك في ما يتعلق بنموها الاقتصادي وتطورها الاجتماعي.

إن الصيغة النهائية للاتفاقية العاملة للرسوم والتجارة (GATT) التي تم التوصل إليها عام 1994 وبعد سبعة أعوام من المفاوضات، والتي تحولت في العام التالي (1995) إلى منظمة التجارة العالمية World Trade Organization تعد التجارة العالمية بدعم حاسم.

ولكن ليس من المحتمل أن تخص أفريقيا بعون استثنائي، ذلك أن هذه القارة عولت تقليديا على تصدير المواد الخام والسلع الأولية برسوم دنيا أو حتى من دون رسوم، في حين أن المعاملة الخاصة التي تتمتع بها حالياً وفقاً لاتفاقية لومه Lome Convention سيتم التخلي عنها خلال العقد القادم.

 

وبتبنيها مقاربةَ التنمية المرتكزة على العلم كي تصبح قادرة على التصدير المنافس للسلع المعالجة أو المصنعة وللخدمات المتطورة القائمة على ثرواتها الطبيعية، فإن أفريقيا بحاجة إلى إنتاج منافس وتسويق فعال، ويتأتى ذلك بترسيخها على الأقل خمسة إجراءات:

– ان ابتعاد أفريقيا عن الاعتماد التقليدي على السلع الأولية (من الزراعة والغابات والأسماك والمناجم)، يحتم عليها أن تحدد بدقة أسواقا ارتكازية ملائمة للمنتجات والخدمات ذات القيم المضافة، وللمواد اللاتقليدية الخاصة بالإنتاج القائم على المعرفة المعمقة.

– على القارة أن توسع نطاق شامل بناها التحتية للعلم والتقانة وتُحدث هذه البنى كشأن ذي أفضلية أولى، وأن تحافظ عليها في مستوى فعال يفوق الكلفة عبر أي من آليات العملية الملائمة المتاحة، سواء أكانت حكومية أم خاصة، أم مزيجا من القطاعين.

 

– على الحكومات الأفريقية أن تلغي النصوص التشعيرية والإجرائية التي تعيق الاستثمار ذا المصادر المحلية أو الإقليمية أو الأجنبية بحيث يتناول هذا الاستثمار الاقتصاد الوطني والإقليمي.

فعندما تختفي هذه الممارسات بشكل نهائي، عندئذ فقط ستسعى المؤسسات التجارية المحلية اللارسمية وغير المترسخة، وكذلك رؤوس أموالها المدخرة، لإيجاد تجارة أكثر منهجية ومخارج مصرفية أوسع، تتيح نشوء ونمو مؤسسات تجارية أفريقية متعددة الجنسيات.

ويملك فرع البنك القانوي المعياري بلا شك أوسع شبكة في أفريقيا وذلك منذ أن رسخ نفسه في تلك القارة قبل 130 عاماً، ويليه بنك باريس الوطني الذي يمتلك شبكة واسعة في أفريقيا الناطقة بالفرنسية.

ومن المرجح أن يغطي الإكوبنك Ecobank (الذي أنشأه اتحاد غرف أفريقيا الغربية والمصارف المنتمية له في بينين وساحل العاج وغانا ونيجيريا وتوكو) تدريجياً بلدان الجماعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية (ECOWAS) (Sudarkasa, 1993).

وانضم حديثاً إلى هذه البنوك الرائدة ذات النشاط المصرفي المتعدد البلدان بنك الاستيراد والتصدير الأفريقي African Export-Import Bank (AFREXIMBANK) الذي يكفله البنك الأفريقي للتنمية (ADB)، ومقره القاهرة بمصر، ورأس ماله الأولي مئة مليون دولار أمريكي.

 

– إن أفريقيا بحاجة إلى تنويع البلدان التي تصدر لها. وتتم معظم تجارة أفريقيا حالياً مع البلدان المستعمرة السابقة (بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال والمملكة المتحدة) واتسعت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي. وإثر الاستقلال، دخلت الولايات المتحدة السوق الأفريقية بقوة لتشتري %20 من البضائع المصدرة، يليها في ذلك ألمانيا.

ويتعاظم بالتدريج دور اليابان كبلد مستورد مهم. بيد أن آسيا ككل تظل بمنأى عن أن تكون شريكاً تجارياً ثنائي الاتجاه رئيسيا، وكذلك الأمر في ما يتعلق بأمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية وآسيا الأوروبية.

 

– تحتاج أفريقيا أيضا إلى تطوير أسواق رؤوس أموالها (باستثناء سوق الأوراق المالية "بورصة" بجوهانسبرك). وفي حين أن سوق الأوراق المالية بجوهانسبرك يشتمل على 700 شركة برأس مال قدره 180 بليون دولار أمريكي.

فإن الأسواق الاثنتي عشرة الأخرى، ومعظمها فتى جداً وتوجد في القاهرة (مصر) ولاكوس (نيجيريا) ونيروبي (كينيا) وبولاديو (زيمبابوي) وكذلك الأسواق الأخرى الصغيرة جداً وتوجد في الدار البيضاء– كازابلانكا (المغرب)، وأبيدجان (ساحل العاج)، وأكرا (غانا)، وبورت لويس (موريشيوس)، وكابورون (بتسوانا) ولوزاكا (زامبيا) ولويه (توكو) وكامبالا (أوغندا)، تبلغ رؤوس أموالها ستة بلايين دولار أمريكي فقط وتغطي نحو ألف شركة.

ومع أن هذه المبادلات المضمونة بسندات مالية تظل عملياً غير فعالة، فإن الهيئة المالية الدوليةInternational Finance Corporation (IFC)، وهي عضو في مجموعة البنك الدولي، تعتبرها من بين أفضل العمليات المالية في العالم أداء. فمثلاً، ثمنت السندات في زيمبابوي في عام 1990 وبالدولار الأمريكي بأعلى من %90 عما كانت عليه في العام السابق (وتقدر هذه النسبة بالعملة المحلية بما يعادل %163).

 

ويوضح هذا المثال أن أسواق رؤوس الأموال في أفريقيا تخطو باتزان لتؤدي دوراً مهماً في تعبئة الثروات الاستثمارية، ويؤمل أن تؤدي الدور نفسه في مرحلة ما قبل الاستثمار، أي في مرحلة البحث والتطوير في مشروعات عمادها التقانة المتقدمة.

ولعل حقل طب الأعشاب التقليدي المبني على المعرفة يمثل نطاقاً رئيسياً  يمكن أن تستثمر فيه هذه الشبكة المتكاملة من الاستثمار غير المباشر (Okogun, 1985).

ومما يثبت وجهة النظر هذه أن مقداراً غير متكافئ (نحو 80%) من الرعاية الصحية في البلدان النامية يقوم على طب الأعشاب (WRI, IUCN & UNEP, 1992) يضاف إلى ذلك الإقرار بأن الأمراض الاستوائية الرئيسية، كالملاريا (البرداء) وداء الليشمانيات وداء المثقبيات لا تحظى بالاهتمام الكافي من قبل الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات، حيث ترى هذه الشركات أن السوق الأفريقية محدودة وفقيرة.

 

ومن جهة ثالثة، فإن من المسلم به أن قاعدة المعرفة التقليدية الأفريقية في هذا الخصوص لم تستثمر استثماراً منهجياً، كما لم يتم مشاركتها عضوياً من قبل الوارثين التقليديين لهذه المعرفة من جهة، ومن قبل الكيميائيين التحليليين والتركيبيين، والكيميائيين الدوائيين، والممارسين الطبيين من جهة أخرى، وذلك كما فعل الصينيون (Eisenberg and Wright, 1995).

فإذا ما حدث وخُطط لهذا البرنامج عبر تطوير مشروع دستور الأدوية الأفريقي مثلاً الذي ترعاه هيئة العلوم والتقانة والبحث التابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية (OAU/STRC)، أو عبر شركة ذات علاقة بالتقانة الحيوية تُنشأ خصيصاً لهذا الغرض، فقد تبرهن على جدارتها كنقطة انطلاق استراتيجية وكمؤسسة عصرية للتصنيع الأفريقي، فتختلف بذلك عن طراز التصنيع الآسيوي الحالي، وعن الطراز الأصل للقرن التاسع عشر الذي تمخضت عنه الثورة الصناعية الأوروبية، حيث اعتمد الطرزان الأخيران على الصناعات الثقيلة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى