نبذة عن حياة عالم اللغة العربية “أبو الأسْوَد الدُؤَليُّ”
1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
اللغة العربية العالم أبو الأسود الدولي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
هو ظالمُ بنُ عمرو بنُ سُفيان من قبيلة كِنَانة، وهي من القبائل العربية المشهورة في مكةَ المكرمة. وُلِدَ في العام الأول قبل الهجرة تقريباً.
عاش أبو الأسود الدُّؤَلي في وسط قبيلته حيث التقط لغتَها العربيةَ الفصيحة، وقد دخل الإسلامَ شاباً، ومع أن إسلامه قد تم أيامَ الرسول، صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يَحْظَ بشـرف لقاء الرسول الكريم، ولذلك أُعْتُبِرَ من كبار التابعين.
فالتابعي هو الذي لم يَلْتَقِ بالرسول ولكنه التقى بالصحابة الذين رافقوا الرسولَ وعايشوه وأخذوا الدينَ عنه.
ومنذ دخولِه في الإسلام أخذ يتفقه فيه، ويشاركُ في بناءِ دولته واشترك في عِدَّةِ معاركَ إسلاميةٍ.
كما تولَّى القضاء، وتولى أيضاً أمر البصـرة واشتغل في التدريس في أيام الخلافة الأموية، وكان بجانب ماسبق كلِّه، شاعراً له شعرٌ كثير تَضَمَّنَهُ ديوانٌ له، ويميلُ شعرُه إلى الدعوة الخُلُقِيةِ وإلى مدحِ العِلْم.
ولقد اشتهر بين الناس بعلمه منذُ أيام عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه، وقد اعتمد عليه في تعليم بعض الأعراب، ويعتبرُ أولَّ من أهتم بقواعِد اللغةِ العربيةِ، وكان فقيها عظيماً في نَشْأةِ عِلْم النحو.
ومن الطبيعي أن يهتمَّ المسلمون بسلامة اللغة العربية لأنه عندما نزل القرآنُ الكريمُ بلغةِ العرب أصبحتْ المحافظةُ على سلامة هذه اللغة أمرا مهما، والحرص عليها واجبا لأنها ارتبطت بسلامة القرآن، ولهذا كان الاهتمامُ شديداً بهذه اللغة.
ومع انتشار الإسلام خارجَ الجزيرةِ العربية، دخل فيه أقوامٌ من غير العرب، وحرصوا على تَعَلُّم القرآن. وأخذ العرب ينتشرون في الخارج مع انتشار الإسلام ويختلطون مع هذه الأمم المختلفة، ويسمعون لُغاتٍ جديدةً غيرَ اللغة العربية هي اللغات الخاصة بهذه الأمم.
وقد ترك هذا الاتصالُ أثرَه في اللغة العربية، فَغَيْرُ العربِ من المسلمين لم يَسْلَمُوا من الوقوع في بعض الأخطاء، بل إن العرب أنفسَهم أخذوا يقعون في الخطأ نتيجةَ اختلاطِهم بهذه الأمم لأن بعضَهم تربَّى في هذه البلدان الجديدة التي وصل إليها نورُ الإسلام.
لذلك أصبح من الصعب الاعتمادُ على سماعِ اللغةِ بسبب الأخطاء الكثيرة. وتَحْكِي الكتب قصصاً تروي لنا بعض هذه الأخطاء وتبين لنا سبب اهتمام أبي الأسود الدؤلي بهذا الموضوع قالوا:
دخل أبو الأسود بيتَه فوجد ابنتَه تتأملُ السماءَ، وكانت مأخوذةً بجمالها وصفائها وحُسْنِ نجومِها، فلما رأت والدَها أرادت أن تنقل إحساسَها بجمال السماء إليه فقالت:
– يا أبتِ ما أحسنُ السماءِ.
وقد رفعتْ كلمةَ "أحسنُ" وكسرت كلمة "السماءِ"، فاعتقد أبو الأسود أنها تسأله عن أحسن شيء، أي أجمل شيء فيها، فقال لها مجيباً على سؤالها:
– نجومُها.
فَرَدَّتْ عليه قائلة:
– إنني لم أُرِدْ أيَّ شيء منها أحسن، وإنما تعجَّبتُ من حُسْنِها. فقال لها: إذن فقولي: ما أحسنَ السماءَ (بفتح كلمة "أحسن" وكلمة "السماء").
وقد دل هذا المثالُ على أن الأخطاءَ في اللغة قد أخذت تكثر، بل إنها وصلت إلى قراءة القرآن الكريم عند الذين لم يتمكنُّوا من سماعِ القرآنِ من العلماءِ والحُفَّاظ الذين يحسنون قراءةَ القرآن.
إذن أصبحت الحاجةُ مُلِحَّةً إلى إيجاد وسيلةٍ يعالجون بها هذه الأخطاء ويحفظون للغة العربية صحتَها وسلامةَ نُطقها عند المتحدثين بها أو القارئين لها.
وعَقَدَ أبو الأسود الدؤلي العزمَ على التصدي لهذه المهمة التي أدرك خطورتَها، واستجابةً لطلب أُولي الأمر الذين شاركوه الإحساسَ بهذا الخطر.
وقد كان أبو الأسود مُؤَهَلاً لهذه المهمة، فهو عربي صميم، فاللغة العربية عِنْدَه كانت سَلِيقَةً وطبيعة، وهو عالمٌ مهتمٌ ومختصٌ بعلوم اللغة، وكان على صلةٍ بالفُصَحاء والمشهودِ لهم بالمعرفة مثل الإمام عليّ بِن أبي طالب، كرم الله وجهه، فاستفاد من علم الإمام الذي كان يعتمد عليه في كثير من الأمور.
وقد عِلِمْنا من قبل أنه قد تولَّى القضاء في البصرة، وقد استعان به كذلك الولاةُ الأمويون الذين جاءوا بعد ذلك. فهو إذن كان الرجلَ المناسبَ لمثلِ هذه المهمة الخطيرة.
وبدأ أبو الأسود في التفكير واهتدى إلى أن، ضبطَ حديثِ الناس لا يتم إلا بالتَعَلُّم، وأن الأخطاء في القراءة إنما تعود إلى نقص في الكتابة المعروفة آنذاك، ولذلك كان نتيجة اجتهادِه والعلماءِ من بعده أن انحصر الإصلاح في أمرين:
– ضَبْطُ الكتابةِ بالشكلِ حتى تَسْهُلِ القراءةُ فلا يخطئ القارئون.
– البدءُ بوضع قواعدَ للغة العربية.
وقد اهتم أبو الأسود بالأمر الأول – أي ضبط الكتابة – وبدأ بالقرآن الكريم، وقد دارت محاورةٌ بينه والوالي زياد، الذي كان والياً على العراق، تُبين طريقتَه في العِلْم. فقد قال لزياد حينما حَثَّه على العمل لإصلاح اللغة العربية:
– لقد أجبتُك إلى ما سَأَلتَ، ورأيتُ أن أبدأَ بإعرابِ القرآن، فابعثْ لي ثلاثين رجلاً فأحضرَهم زيادُ، فاختار منهم عَشْرَةً، ثم لم يَزَلْ يختارُهم – أي ينتقي منهم – حتى اختار رجلا من عَبْدِ القَيْس – وهي قبيلةٌ عربية معروفة – فقال له:
– خُذْ المصحفَ وصبِغاً يخالفُ لَوْنَ المِدَاد (أي السائل الذي يُكتب به) فإذا فتحتُ شفتيَّ فانْقُطْ واحدةً فوقَ الحَرْف، وإذا رأيتَني ضممتُ فمي فاْنقُطْ نقطةً بين يَدَيْ الحرف، وإذا كسـرتٌ فانْقُط نقطةً تحتَ الحرف. فإذا أتْبَعْتُ شيئاً من ذلك غُنَّةً (أي خروج بعض الصوت من الأنف، وبعضه من بين الشفتين بطريقة لَحنِية) فاجعل مكان النقطةِ نقطتيْن.
واستمر يعملُ على هذه الطريقة حتى قام بضبطِ القرآن الكريمِ كله، وقد تطورت هذه العمليةُ حتى وصلت إلى صورتها التي نعرفُها الآن، ونلاحظ أن الكلمات التي استخدمها للدلالة على طريقةِ نُطقه أصبحت هي نفسُها الدالَة على حركات الضَبْط.
فقد قال: "إذا فتحتُ"، وهذا ما نسميه الآن بالفتح، وقال: "إذا ضممتُ" هذا ما نسميه بالضمة، وقال: "كسرتُ"، ويعني هذا الكَسْرَ.
إن هذا العملَ الجليلَ هو العملُ الأول الذي قامَ به، وهو يَهْدُفُ إلى تسهيل القراءة، وهذا يمثل جانبا واحدا من المشكلة.
ومِنْ ثَمَّ كان لا بد من القيام بالعمل الآخر لِيَحُدَّ من أخطاءِ الناسِ في شتّى المجالات من حديثٍ وكتابةٍ وقراءةٍ، ولهذا واصلَ عمَله لخدمة العربية مهتما بوضع قواعدَ يتعلمها الناس.
وكانت جهودُه تمثل المراحلَ الأولى لهذا العلم. ويقال إن أولَّ شيء لَفَت نظرَه هو "التعجُّبُ" فنحن نذكر حواره مع ابنتِه حينما أخطأت في هذا الباب حينما لم تستطع أن تفرقْ بين صيغةِ السؤالِ وصيغة التعجب.
فكان من المُتَوَّقَع أن يهتم بهذا الجانب. ولا يُستبعد أنه قد تنبه – كما تروى الروايات – إلى الفروق بين الأسماء والأفعال والحروف. ولعله حدَّد كذلك المبتدأ والخبر والمضافَ والمضافَ إليه.
وقد جاء بعد أبي الأسود تلاميذُ له تَلَقَّوْا العلمَ على يديه، وهكذا بدأت نشأةُ النحوِ العربي الذي نما وأصبح على الصورة التي نعرفها الآن.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]