قصة تعارف العالمة “ماري” بشريك حياتها وزواجها منه
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
ماري كوري وقصة زواجها التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
شريك الحياة
"بيير كوري … بيير كوري" (شكل رقم 235) اسم حملته ماري سكلودوفسكا وأصبحت منذ ارتباطها به تنتسب إليه. ولكن ما هي القصة؟
بعد حصولها على الماجستير ذهبت ماري إلى بولندا لقضاء عطلة قصيرة، ورجعت بعدها إلى باريس. وكانت بعد اندفاعها الأول غير الموفق إلى دوَّامة الميول العاطفية ، قد نذرت أن تكرس بقية حياتها لنوع واحد من الحب، حُب العلم، وقرَّرت أنها ليست بحاجة إلى الرجال! . وفي المقابل كان هناك من قد كرَّس حياته للعلم هو الآخر وقرَّر أنه ليس بحاجة إلى النساء!
ولعب القدر لعبته. وتقابل الإثنان ذات يوم من أيام عام 1894 في مسكن أحد الأساتذة البولنديين خلال زيارته لباريس .
الصدفة غريبة واللقاء عجيب "… عندما دخلت الحجرة كان بيير واقفاً أمام النافذة بجوار باب يؤدي إلى الشرفة. وقد بدا في نظري حديث السن جداً على الرغم من أنه كان في الخامسة والثلاثين.
وقد تأثرت كثيراً بالصراحة التي تطل من عينيه وبما يبدو على قامته المديدة من مظاهر الإهمال الخفيف. وأحببت كلماته البطيئة المتروية وبساطته وابتسامته التي كانت تمتزج فيها الحكمة بالشباب.
وبدأنا نتحدَّث في شؤون العلم، ثم خرجنا منه إلى بعض القضايا الاجتماعية والأدبية. وقبل أن نعرف ما حدث كنا قد أصبحنا حبيبين!" – تلك كانت كلمات ماري عن ذلك اللقاء .
ولكن من ذلك الشاب بالضبط؟ أصله، فصله، مؤهلاته، أعماله، إلخ. إنه ابن طبيب فرنسي. وقد حصل على درجة البكالوريوس في العلوم وهو في سن السادسة عشرة وعلى درجة الماجستير في الطبيعة وهو في سن الثامنة عشرة.
وعندما قابل ماري كان قد أصبح رئيس المعمل في مدرسة البلدية للكيمياء والطبيعة في باريس التي أسَّسها وكان يديرها العالم شوتزنبرجر. وكان ما حقَّقه من نجاح وانتصارات قد وضعاه في الصف الأول من علماء فرنسا.
لقد صاغ قانون التماثل في تركيب البلورات، واكتشف – بالاشتراك مع أخيه جاك – ظاهرة بيزو الكهربائية (تولد الكهرباء عن طريق الضغط) ، وابتكر جهازاً جديداً لقياس الكميات الصغيرة جداً من الكهرباء قياساً دقيقاً، وصنع آلة فائقة الحساسية سُميَّت "مقياس كوري" لمراجعة نتائج التجارب العملية .
وكم راتبه؟ كانت الدولة الفرنسية تمنحه في مقابل كل تلك الأعمال العظيمة راتباً زهيداً لا يتجاوز ثلاثمائة فرنك شهريا ! .
كان بيير قد كتب وهو في الثانية والعشرين: "النَّابغات بين النساء نادرات. أما المرأة المتوسطة الذكاء فلا ريب أنها عائق كبير لعالم متميِّز"، والآن هو في الخامسة والثلاثين واتصاله بالحياة قد غيَّر آراءه.
ولما تحوَّلت معرفته بماري إلى حُبٍ انقلبت آراؤه في النساء رأساً على عقب. وكانت هي قد فتنت بما عرفته في العالم كوري من صفات الشاعر والحالم فضلاً عن علم غزير، ومن ثم لم تلبث أن استأذنت الاستاذ شوتزنبرجر في أن تصبح مساعدة لبيير في معمله فأذِن لها .
وقدم بيير على استحياء يعرض الزواج على مدموازيل سكلودوفسكا معتمداً على راتبه الضئيل وأعماله العظيمة. ووافقت ماري على استحياء كذلك. وتزوجا في يوليو عام 1895 .
ولم تكن مسألة إعداد بيت الزوجية مسألة خطيرة في نظر اثنين لا تهمهما التقاليد المرعيَّة. فاستأجرا ثلاث غرف تشرف على حديقة، وابتاعا أثاثاً قليلاً يفي بحاجتهما الضرورية.
وفي خلال ذلك عُيِّن بيير استاذاً للطبيعيات في مدرسة البلدية المذكورة، وكان مرتبه ستة آلاف فرنك في السنة، فتمكنَّت زوجه من مواصلة دروسها، ولكن دخلها لم يسمح لها بشئ من الكماليات سوى درَّاجتين ابتاعاهما لقضاء رحلاتهما الأسبوعية في الريف .
وقد اتضّح فيما بعد – وهذا للتاريخ – أن ذلك الزواج لم يكن مجرد زمالة فقط بين عبقريين، وإنما كان رفقة حُب وعشرة عُمْرٍ، وقد تم بطريقة هي في حد ذاتها تعتبر ثورة على التقاليد، فقد كان كلاهما مفكراً حرّاً لم يلجأ إلى محامٍ أو قسيس لإتمام إجراءات زواجه .
وتمتعا بشهر عسل فيه من النعومة والطراوة، وفيه من التحرر والإنطلاق ما يمهد لهما السبيل لعملٍ مضنٍ يجلب المجد ويُخلَّد الذكرى …
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]