التاريخ

مجموعة من الانجازات العلمية تبين حقيقة مكتشفيها

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

الانجازات العلمية التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

-فلم يكن جاليليو بحال أول من بحث في إمكانية دوران الأرض حول محورها، وإنما سبقه إلى ذلك البيروني بنحو ستمائة عام!

كما لم يكن جاليليو كذلك أول واضعٍ لقانون البندول (الرقَّاص)، وإنما سبقه في ذلك – على ما يقول ديفيد يوجين سميث في الجزء الثاني من كتاب "تاريخ الرياضيات" – ابن يونس، حيث إن الفلكيين العرب كانوا يستعملون الرقَّاص لقياس الفترات الزمنية أثناء إجرائهم عمليات الرصد. ويؤكد هذا المعنى جورج سارتون في كتابه "المدخل إلى تاريخ العلم".

حيث يقول : "إن ابن يونس هو بلا شك من عمالقة القرن الحادي عشر للميلاد، وأعظم فلكي ظهر في مصر، وهو مبتكر الرقَّاص" .

 

– ولم يكن مركاتور أول من قاس خطوط العرض الخاصة بالكرة الأرضية، وإنما سبقه إلى ذلك بقرونٍ الإدريسي مفخرة العالم أجمع.

ولا كان ليستر أول من استعمل حمض الكربوليك (الفينول) كمطهِّرٍ للجروح ، وإنما سابقيه كُثُرٌ .

-ولم يكن روس أول من كشف انتقال الملاريا بواسطة البعوض، وإنما كان مانسون، الذي استفاد روس من نتائجه ومن معاونته له .

 

-كما لم يكن باستير وجوليس جوبرت أول من كشف دواءً مضاداً للحيوية Antibiotic وإنما يُنسب هذا الفضل للرازي . وفي ذلك يقول "ريسلر" في كتابه "الحضارة العربية" : "إن علماء العرب هم أول من استخدم عفن الخبز والعشب الفطري في أدويتهم لعلاج الجروح المتعفنة. لذا يجب أن يُنسَب إليهم كشف أول دواء مضاد للجراثيم" .

-ولم يكن جِنَرْ أول من طعَّم الناس بلقاح جدري البقر ليحصنهم ويكسبهم مناعة ضد جدري البشر، وإنما توصّل ابن رشد إلى مثل هذه الفكرة قبله بقرون .

ولم يكن … ولم يكن …

ولكن هؤلاء العلماء طوَّروا تلكم الأفكار والمكتشفات وبلوروها وفرضوها على عالم محجم عن قبولها. وإليهم يرجع أغلب الفضل في أنها أتت ثمارها .

ولكن ليكن معلوماً لنا أن الأفكار الجديدة ليست هي وحدها التي تؤدي إلى الكشف، إذ قليل من الأفكار هو الذي يُعد مبتكراً تماماً .

 

ونحن عندما ندرس أصل فكرة معيَّنة دراسة وثيقة، فإننا عادة ما نجد أن آخرين قد سبقونا إليها هي ذاتها أو ما يشابهها. وقد وصف "شارل نيكول" تلكم الأفكار المبكرة التي لم يتتبعها أحد في مبدأ ظهورها بـ "طلائع الأفكار" .

من كل ماتقدم نخلص إلى نتيجة أساسية وهي أن العلم تراكمي Commulative، وهي خاصية للعلم جد مهمة حيث تدل على زيادة تسارع عجلة الحضارة، إذ بسببها لا يبدأ العلماء – كما رأينا – في تفسيرهم للظواهر أو حلَّهم للمشكلات أو توصلهم للمفاهيم والقوانين من الصفر، وإنما يبدؤون في أغلب الحالات من حيث انتهى الآخرون .

وفي ضوء هذا يمكننا تشبيه العلم بصرح يسهم في بنائه العلماء من أزمنةٍ وأمكنةٍ وتخصصات وجنسيات وأيديولوجيَّات مختلفة، كلٌ يضع لبنته فوق ما بناه السابقون عليه والمتقدمون.

انظر إلى النظرية الذرية أو اختراع المصباح الكهربائي مثلاً، فالأولى شارك فيها علماء مذ فجر التاريخ، من قبل الميلاد بقرون أربعة وحتى العصر الحديث، من بلادٍ مختلفة: اليونان، وإنجلتر ، وإيطاليا، وفرنسا، والسويد، والدانمارك، وألمانيا، وأمريكا، ومن تخصصاتٍ مختلفة: فلاسفة، وفيزيقيين، وكيميائيين، ومهندسين.

 

والثاني شارك في اختراعه علماء من دولٍ مختلفة كذلك: إيطاليا، والدانمارك، وألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، وأمريكا على مدى تسعين عاماً تقريباً، ومن تخصصاتٍ مختلفة: بيولوجيا، وفيزيقيا، ورياضيات .

هذا، وقد اشتُهر عن نيوتن قوله : "ما رأيت بعيداً إلاّ لأنني كنت أقف على أكتاف الآخرين". وهو قولٌ يعبّر تماماً عن فلسفة الخاصية التراكمية للعلم، تلكم الخاصية التي تتطلب من كل مشتغلٍ بالعلم – كي يتقدم العلم بسرعة ويرتقي – أن يقف على أعمال أترابه المعاصرين منهم والسابقين.

فماذا لو لم يطلع إديسون مثلاً على كل ما تقدَّم من مكتشفات واختراعات، هل كان بمقدوره أن يخترع المصباح الكهربائي وفي نفس العام الذي اخترعه فيه؟! وماذا لو لم يقض مندلييف عشرين عاماً يطَّلع فيها على كل ما كُتب عن العناصر ويجمَّع ويُرتَّب ويستوثق، هل كان بمقدوره وضع جدوله الدوري وبالشكل الذي قدَّمه؟!

بل ماذا لو لم يتم تنقيح هذا الجدول وتطويره على أيدي من لحقوا بمندلييف وتلوه؟!. وماذا لو لم يطلع داروين على خبرات  من سبقوه وخصوصاً مالثوس الذي قدَّم له المفتاح لمفاهيم أساسية في نظريته؟! وماذا لو لم يتواصل الفكر الإنساني حول بنية الذرة قروناً من قبل الميلاد وحتى الآن .

 

وماذا ؟ … وماذا ؟ …

ونود أن نشير هنا إلى أن هناك عوامل تساعد الآن على زيادة معدلات سرعة التراكم العلمي ومقداره مما أدى إلى ظاهرة نعرفها اليوم بظاهرة "التفجر المعرفي"  Scientific Explosion . ومن تلك العوامل: تأصيل الطريقة العلمية في البحث، وتقدم فن الطباعة، وتيسير سبل النشر، وابتكار وسائل اختزان المعلومات واسترجاعها، وسهولة الاتصال بين العلماء .

ولعل من الأمثلة التي تشير بوضوح إلى تلكم الظاهرة ، ذلكم المثال المستمد من ميدان علم الحياة. إذ تشير الإحصائيات إلى أن المعرفة البيولوجية في عام 1930 قد تضاعفت إلى أربعة أمثال ما كانت عليه عام 1900 وأنها قد تضاعفت في عام 1960 إلى 16 مرة.

ويُتوقَّع أن تتضاعف في عام 2000 إلى نحو 100 مرة عما كانت عليه في بداية هذا القرن. ومعنى هذا أن حصيلة المعرفة في ميدان واحد من ميادين المعرفة الإنسانية، وخلال قرنٍ واحدٍ من الزمان، تقدر بـ 100 مرة قدر معرفة الإنسان لها في 19 قرناً من الزّمان ويزيد. وقس على ذلك بقية الفروع!! .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى