الشروط الواجب توافرها لتحقيق مفهوم “العمليات العقلية” لدى بياجيه
1995 مستويات النمو العقلي
الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري
KFAS
مفهوم العمليات العقلية لدى بياجيه العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
يعتبر اكتساب العمليات العقلية من وجهة نظر بياجيه هو الهدف النهائي والأعلى للنمو العقلي ، وكل النشاطات والتغيرات التي تحدث خلال المرحلة الحسحركية وخلال مرحلة ما قبل العمليات ، ما هي إلا تحضير لدخول الطفل إلى عالم العمليات العقلية.
والعمليات العقلية هي الشيء العظيم الذي يمتلكه الكبار لكن صغار الأطفال لا يمتلكونه ، إن مفهوم العمليات العقلية هو الملمح المتفرد الذي لا يقبل الجدل في مدخل بياجيه لفهم الذكاء .
وإذا كانت نظريات الذكاء يمكن أن تصنف بالجروع إلى القدرات التي يعتقد أنها جوهر الذكاء ، فإنه بالنسبة لبياجيه تعد العملية العقلية هي أعلى خصائص الذكاء ويعد اكتسابها هو الشيء الهام الذي يحدث خلال الطفولة بالنسبة لمجال النمو العقلي . (Brainerd, 1978, p. 96) ومن الملفت للنظر أن كلمة Operation ترد في كتاب بياجيه Six Psychological Studies بمعدل مرة على الاقل في كل صفحة.
كما لو كانت هذه الكلمة تمثل محتوى النظرية كلها ، (وقد يكون الامر كذلك بالفعل) ، ولكن ماذا يعني الفكرة بالضبط وما هي شروطها؟ وكيف تؤثر على النمو العقلي المعرفي للطفل .
رغم أن مفهوم العملية قد تطور تدريجيا مع تطور كتابات بياجيه ، إلا أن هذا التعريف ظل محل اتفاق أكثر من كتبوا عنه ، فمثلا " العمليات هي أفعال تتصف بكونها قد استدخلت وكذلك تكاملت مع غيرها من الأفعال لتكون نظما عامة قابلة للانعكاس (Piaget & Inheder, 1958, p. 6) وأيضا " أي عمل تصوري ذهني يكون جزءاً لا يتجزأ من ، أو متكاملاً مع شبكة من الأعمال المترابطة، يمكن اعتباره أساسا عملية ". (Flavell, 1963, p. 166).
أما قاموس مصطلحات بياجيه فيرد فيه تعريف العملية على أنها ، " العمليات هي الأفعال أو النشاطات التي استدخلت أو التي يمكن استدخالها ، والتي تتصف بالقابلية للانعكاس وبكونها قد نسقت وتكاملت في تراكيب كلية " (Battro, 1973., p. 121)
وهناك أيضاً " العملية فعل يتم تمثله عقلياً (وليس إدراكاً ، ولا أثراً للذاكرة ولا تخيلاً) ويخضع لمجموعة من القواعد المنطقية للتنظيم ، ويرتبط بالعمليات الأخرى ليكونوا نظماً متكاملة محكمة تعرف بالبنى الكلية". (Brainerd, 1978, p.990
واخيراً ، " العملية هي في الحقيقة فعل تم استدخاله بحيث أصبح قابلاً للانعكاس وأصبح متناسقاً مع عمليات اخرىن في مجموعة محكومة بقوانين الظام ككل". (Voyat, 1982, p. 4)
ورغم ما قد يبدو من تفاوت في التعبير عن المفهوم في التعريفات سالفة الذكر ، إلا أنها تتفق جميعاً على أن فهم مصطلح العمليات العقلية كما استخدمه بياجيه لا يتحقق إلا إذا تناولنا أربعة شروط محددة هي :
أ- تعتبر العملية فعلاً تم استدخاله عقلياً ، اي تم تمثله في العقل ، أي أنه تم في العقل إجراء خطوات تعميم وتجريد تسمح بتطبيق نفس العملية على كافة الاشياء الممكنة وليس فقط على الشيء الذي تداولته حواس الفرد وقت حدوث الفعل .
ولتوضيح ذلك ، لو أن طفلاً اضاف مجموعة من شيئين مع مجموعة من ثلاثة أشياء مكوناً مجموعة من خمسة اشياء فهذه ليست عملية طبقاً لبياجيه ، لكنه لو اضاف 2+3 وحصل على خمسة بدون محسوسات ، كما يفعل في الحساب الذهني.
فقد تكون هذه عملية لو توافرت بقية الشروط ، أي أن بياجيه ينظر للعملية على أنها فعل مرادف للتفكير . والحقيقة أن بياجيه يفترض ثلاث خطوات يتم عبرها الاستدخال :
– ينمو لدى الطفل بداية القدرة على أداء سلوك ظاهر معين (العد مثلاً) .
– من خلال التكرار فإن تتابع السلوك يصبح أكثر دقة ويعمم حتى يصبح مخططاً عقلياً مستقراً لهذا الفعل .
– أخيراً الخصائص المشتركة في كل السلوكيات المفردة التي يتم تكوين المخطط العقلي منها تتفاعل مع بعضها مكونة العمليات العقلية ، ويشير بياجيه إلى أن كل العمليات العقلية يتم استدخالها بنفس الطريقة .
ب- من الجدير بالذكر أن اشتراط بياجيه أن يتضمن تعريف العملية العقلية أنها تشنأ أصلاً من خلال الافعال المستدخلة عقلياً ، يستبعد ثلاثة ظواهر عقلية مهمة من تعريف العملية.
وهي بالتحديد التذكر والإدراك والتخيل ، ذلك أنه في معظم النظريات النفسية ينظر إلى الإدراك ، التذكر ، التخيل على أنها ظواهر تمثيلية ، لكننا لو رجعنا لما اتفق عليه من تعريف لكل من هذه الظواهر الثلاث لوجدنا أنه ليس فيها.
إلا القليل لتقديمه للمخططات العقلية كما يستخدمها بياجيه ، فإذا كان الإدراك مثلا يعرف تقليديا بأنه تمثيل صادق ومباشر لما يظهر للحواس ، وإذا كانت الذاكرة تعرف تقليدياً كاستقبال وتخزين واسترجاع للأحداث السابقة.
وإذا كان التخيل يعرف تقليديا بتخزين الإحساسات الثابتة بصرياً وسمعياً عادة ، فإن كلا من هذه الظواهر الثلاث تتفق على ما فيها من تأكيد سلبي للأحداث بدون تدخل لتفسيرها ، في حين أن بياجيه يؤكد على أن العملية فيها تفسير نشيط للحقيقة.
وهذا ما يجعلنا نؤكد على أن بياجيه ينظر للنشاط على أنه محور ارتكاز وخاصية أساسية لمدخله في فهم وتفسير الذكاء ، ومن المعروف أن بياجيه إنتقد عبر السنين النظريات الأخرى بسبب إهتمامها بالعمليات التي ينظر هو إليها على أنها عمليات سلبية .
ج- الخاصية الثالثة من خصائص العملية العقلية عند بياجيه هي أنها منظمة (Piaget, 1929, p. 42) بمعنى أنها تخضع لنظم وقواعد مجرد محددة ، من بين هذه القواعد أو ربما أهم هذه القواعد هي القابلية للانعكاس.
وهذا معناه ببساطة ، أنه يمكن أداء الحدث في اتجاهين ، على سبيل المثال ، يمكن أن نجمع لكن يمكننا أيضاً أن نطرح ، يمكن أن نربط كما يمكننا أيضاً أن نفصل ، ويعرف (Piaget & Inheldr, 1958, p. 258) القابلية للانعكاس "يكون فعل ما قابلاً للانعكاس ، عندما يمكن إلغاؤه تماماً بفعل مضاد له".
ومن الملاحظ أنه ليس كل فعل قابل للانعكاس في حين أن هناك أفعال قابلة للانعكاس ، فمثلا ًتدخين سيجارة فعل غير قابلة للانعكاس ، حيث لا يستطيع إرجاع ما دخنه ، في حين أن صب الماء من الكأس (أ) إلى الكأس (ب) فعل يمكن أن يكون قابلاً للانعكاس حيث يستطيع الفرد أن يعيد صب الماء من الكأس (ب) إلى الكأس (ا) .
كما يلاحظ أن هناك نوعين من القابلية للانعكاس… أولهما القابلية للانعكاس بالنفي ، والأخرى القابلية للانعكاس بالتعويض مثلما يحدث في عمليات الجمع والطرح (نفي) ، الضرب والقسمة (تعويض) .
وتعتبر فكرة القابلية للانعكاس ، أحد أفكار بياجيه الأساسية في التمييز بين التفكير العملياتي وما يسبقه من أنواع التفكير ، فضلاً عن ارتباطها مباشرة بمفهوم الاحتفاظ وقدرة الطفل على فهم الحالة الساكنة وحالات التغير التي تتعرض لها الاشياء وما يترتب عليها من تطبيقات متعددة وبالغة الاهمية (Voy-at, 1982, p.7).
د- الخاصية الرابعة والاخيرة من خصائص العملية العقلية عند بياجيه هي أنها محكومة بمنظومة من العمليات التي تتجمع بنفسها في أنساق متكاملة ومنظمة وتلك التي يسميها بياجيه Structures d’ensemble او البنى الكلية ، وهذه بلا شك الاصعب والأقل فهماً في الخصائص الأربعة للعمليات العقلية .
إن أول البراهين على أن البنى الكلية مفهوم يصعب التعامل معه يتمثل في أن مختلف الباحثين قد توصلوا إلى استنتاجات وتنبؤات متناقضة حول هذا المفهوم ، ويمكن أن نضرب مثالاً على ذلك من كتابات (Brai-nerd, 1975) كتابات (Bingham – Newman & Hooper, 1974) ممما يكشف عن أن البنى الكلية ليست محددة ولا هي نهائية فضلا ًعن عدم الموافقة حول معناها بالنسبة لمن يدعون أنهم يعرفون معناها الصحيح .
وبالرغم من ذلك كله فإن المهم بصدد العمليات العقلية هو أن هذه العمليات لا تحدث أبداً في معزل عن بعضها البعض ، وأنها دائماً تتجمع في انظمة وأنساق موحدة ، وخلال هذه الأنظمة هناك إمكانية كبيرة لربط كل علمية محتملة بكل عملية حقيقية أو قائمة.
بحيث تكون كل منها جزءاً من نظام مترابط من العمليات وبالرجوع إلى بياجيه نفسه نجد " يحدث التكامل البنائي عندما تضم العمليات العقلية معاً في كل متكامل ، تكون له خصائصه المحددة ككل ، وكذلك عندما تعتمد العمليات العقلية المكونة له ، جزئياً أو كلياً على صفات البنى الكلية.
ومن أمثلة البنى الكلية نجد عمليات مثل التصنيف ، التسلسل ، وغيرها (Piaget & inhlder, 1958, pp., 272-273).
ويضيف فلافل توضيحاً " لا بد وأن نتذكر جيداً أن المبدأ الاساسي والضروري لفهم نظرية بياجيه ، هو أن التطور المعرفي عنده ما هو إلا عملية تنظيم ، وأن ما ينظم فيها هي عمليات عقلية نشطة ، ويتم تنظيمها في نظم ذات تركيب محدد وخصائص يكن تعريفها ، وأن تنظيم العمليات المعرفية وتكاملها في هذه النظم هو لب وجوهر التطور المعرفي طبقاً لبياجيه" (Flavll, 1963, p. 168).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]