العلوم الإنسانية والإجتماعية

الاختلافات الواضحة في العمليات العقلية للطفل

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

الاختلافات الواضحة في العمليات العقلية للطفل العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

تعد مرحلة ما قبل العمليات ، المرحلة الثانية من مراحل النمو العقلي عند بياجيه ، ويطلق البعض عليها العديد من المسميات، مثل مرحلة ما قبل المدرسة ، مرحلة ما قبل المفاهيم ، مرحلة التفكير التصوري ، وأخيراً مرحلة ما قبل العمليات وهو الاسم الأكثر تداولاً والمستند إلى استخدام بياجيه نفسه ، والذي سوف نستخدمه في البحث الحالي . 

وتقع هذه المرحلة الثانية على نحو تقريبي في الفترة النمائية التي يتحدد احد طرفيها بنهاية الفترة الفرعية السادسة من مرحلة الذكاء الحسحركي ما بين عام ونصف إلى عامين ، والطرف الآخر عند بناء الطفل للعمليات المحسوسة فيما بين السادسة والسابعة.

ولقد نال الجزء العلوي المتأخر من هذه المرحلة والواقع بين الخامسة والسادسة دراسة تفصيلية دقيقة من طرف بياجيه ، على الأقل بمستوى الدقة الذي وصل إليه من دراسة أي فترة أخرى ما بين الميلاد والنضج أما الجزء الأدنى المبكر من هذه المرحلة والواقع بين الثانية ونهاية الرابعة .

 

فيعد أقل الفترات التي بحثها بياجيه بين فترات النمو المختلفة ، ويعترف بياجيه نفسه بذلك (Piaget, 1955, p. 38) أما إطلاق بياجيه اسم "مرحلة ما قبل العمليات" على هذه المرحلة النمائية.

فيرجع إلى الأساس إلى ما يراه بياجيه من أن طفل هذه المرحلة لا يقوى على القيام بالعمليات العقلية بما يشترطه فيها بياجيه من قابلية للإنعكاس وإمكانية للإنسان في أنظمة ثابتة وفق قواعد وقوانين منطقية محددة . 

والحقيقة أننا لا نستطيع المرور على هذه التسمية بما تشير إليه من مضمون سلبي لخصائص النمو العقلي في هذه المرحلة النمائية دون أن نضع في اعتبارنا ما توصلت إليه أعداد متزايدة من البحوث الحديثة.

 

من أن الطفل في هذه المرحلة يحقق من المكتسبات العقلية والابنية المعرفية المتنوعة ما يساعده وبشكل ملحوظ على إضفاء معنى على ما حوله في حياته اليومية ، هذه الأبنية المعرفية المتنوعة غالباً ما يطلق عليها أسماء مختلفة ، مثل مخططات ، أطر ، هياكل ، طرز ، أشكال ، قوالب ، وهي في مجموعها تساعده على استيعاب ومواءمة المدخلات البيئية المختلفة .

وتجعلنا نتفق في أن الصورة السلبية التي يوصف بها تفكير هذا الطفل ، قد بخست قدرات هذا الطفل وقللت من تقدير إمكاناته وكفاءاته (Flavell, 1985, pp. 71-73) .

ولكي نتعرف على خصائص تفكير الطفل في مرحلة ما قبل العمليات ، لنبدأ في نهايات الفترة السادسة من مرحلة الذكاء الحسحركي ، حيث تبدأ في الظهور سلسلة من التغيرات المؤثرة في تفكير الطفل ، مثل ظهور اللغة ، واستخدام الرموز البسيطة ، التقليد المرجأ ، والصور الذهنية .

 

كما يشرع الطفل في تجريب مخططاته العقلية في أفعاله الخاصة في العالم الخارجي ، هذه المخططات العقلية هي البدايات الأولى للتفكير التصوري والذي يمكن أن يثمر من خلال المزيد من النضج العقلي عن وصول الطفل إلى التفكير المنطقي.

وهذه المخططات العقلية تختلف بشكل أساسي عن المخططات الحسحركيةن سواء في البنية أو المحتوى (Piaget, 1951, p. 54) لكن فيم الاختلاف ؟ وكيف يؤثر على سلوك الطفل أو بكلمات اخرى ، كيف يتحول الطفل من مرحلة الذكاء الحسحركي إلى مرحلة التفكير ما قبل العملياتي ؟

طبقاً لبياجيه ، فإن أهم متطلبات التفكير التصوري (أو تفكير ما قبل العمليات) هو ما اسماه القدرة على التمييز بين الدال والمدلول عليه ، بحيث يستطيع الطفل استدعاء أحدهما بمجرد ظهور الآخر ، أو ما يعرف بالوظيفة التصورية (Piaget, 1951, p. 69.1945, p. 530.

 

ورغم أنه يشير إلى أن طفل المرحلة الحسحركية يستطيع ان يؤدي نوعاً من السلوك الإشاري ، (مثل تعامله مع ما يدركه كمؤشر او علامة على أن هناك حدثاً أو بعض أحداث سوف تقع بعده مباشرة) إلا أنه يشير أيضاً إلى أن هذا الطفل ، غير قادر على الفصل الذكي بين الدال والمدلول عليه التي تحدد طبيعة عملية التصور الرمزي .  الطفل الصغير .

لا يستطيع أن يستدعى داخلياً ، الدال (كلمة – صورة – غيرها) الذي يرمز إلى حادثة مدركة غائبة (المدلول عليه) والتي لا يُعد الدال جزءاً محسوسا منها ، وبكلمات أخرى، فإن هذا التمييز بين الدال والمدلول عليه هو الذي يحدد امتلاك الطفل للوظيفة الرمزية من عدمه ، والتي تسمح له عند حدوثها بالانتقال من مرحلة الذكاء الحسحركي إلى مرحلة التفكير التصوري ، أو التي تسمح له باعتبار قطعة من الخشب ملقاة أمامه سيارة يمكن أن يمارس بها العابه المتنوعة .

 

أن انتقال الطفل من مرحلة الذكاء الحسحركي إلى مرحلة التفكير التصوري بامتلاكه الوظيفية الرمزية يُعد نقلة نوعية بالغة الأثر على مسار نموه العقلي ، حيث تختلف العمليات العقلية بشكل واضح عما كان يمارسه الطفل في سنتيه الأوليتين من عدة وجود يجملها فيما يلي :  (Flavell, 1963, p. 152).

أ- تظهر ملامح الذكاء الحسحركي في الأفعال والإدراكات المتتابعة التي يدركها الطفل الواحدة تلو الأخرى ، أما التفكير التصوري فيظهر من خلال إدراك الطفل مجموعة من الأحداث المنفصلة في صورة واحدة ، أي أن الطفل أصبح يمتلك وسيلة تمكنه من استدعاء الماضي وتمثل الحاضر والتنبؤ بالمستقبل في فعل واحد نظم ومختصر زمانياً .

ب- يستند الذكاء الحسحركي على المكان والزمان الحاضر (هنا والآن) ، أما التفكير التصوري فيستطيع الطفل خلال ان يوسع مجال معرفته إلى مكان بعيد وإلى زمن يتجاوز الماضي والمستقبل القريبين ، أي أنه يتميز بالامتداد في الزمان والمكان .

 

ج- يتصف الذكاء الحسحركي بأنه ذكاء افعال مباشرة ومحسوسة ، أما التفكير التصوري فيتصف بتامل الفعل والبحث عنالمعرفة من خلاله وعن تنظيمه أكثر مما يهتم بالفعل نفسه .

د- يرتبط الذكاء الحسحركي بالفعل في نطاق الحاضر المباشر ، في حين أن التفكير التصوري يمتد إلى خارج نطاق الأفعال المحسوسة الواقعية المباشرة إلى المعالجة الرمزية لأحداث ليست محسوسة .

هـ- تعد أفعال الذكاء الحسحركي أحداثاً فردية خاصة بالطفل الذي يصدرها ، في حين أن أفعال مرحلة التفكير التصوري يمكن ان تصبح اجتماعية من خلال مشاركة الطفل أفراداً آخرين في استخدام مجموعات من الرموز المتفق عليها . 

 

ويؤكد بياجيه على أن ظهور التفكي التصوري ، يؤدي إلى تكوين مخططات عقلية ذات إمكانيات أبعد بكثير من أي صورة من صور الذكاء الحسحركي    (piaget, 1951, pp. 238-239; 1945, pp. 359-361)

كما يرجع تكوين هذه المخططات العقلية بل وتطورها إلى كل من لعب الطفل (استيعاب) وتقليد الطفل للآخرين (مواءمة) ، أو إلى اللعب والتقليد باعتبارهما استيعاب ومواءمة في آن واحد ، ويلفت بياجيه الانتباه إلى حقيقة أن الاستيعاب والمواءمة تزدادان تعقيداً كما اشتملتا على جانب تصوري ، لأن الطفل عندئذ عليه أن يستوعب للحاضر معلومات لمدلول عليه غير حاضرة أمامه.

وأيضاً أن يوائم للماضي من خلال وسيط يتم استدعاؤه من خلال التصور بالمحاكاة او التقليد (Flavell, 1963. P. 145) .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى