العلاقة بين اختبار بياجيه وكل من اختبارات الذكاء والتحصيل الدراسي
1995 مستويات النمو العقلي
الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري
KFAS
اختبار بياجيه اختبارات الذكاء والتحصيل الدراسي العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
قد لا يحتاج الباحث إلى الحديث عن أهمية اختبارات الذكاء أو محتواها ولا عن اختبارات التحصيل الدراسي وأنواعها ، فهذه أمور ربما تندرج تحت عناوين المسلمات في تراث علم النفس.
لكن ونحن بصدد الحديث عن العلاقة بين اختبارات بياجيه وكل من اختبارات الذكاء والاختبارات التحصيلية قد تكفي الإشارة إلى انه قد ساد الاعتقاد – خاصة في الولايات المتحدة الأميركية – في اختبارات الذكاء القياسية سواء في التربية أو علم النفس ، إعداداً ، وتطبيقاً ، وتحليلاً ، إلى الدرجة التي يصعب معها أن نجد نظاماً مدرسياً أو دورية مهنية تلقى الاحترام دون أن تأخذ في اعتبارها اختبارات الذكاء.
وكل جديد يتصل بها ، ولقد تحدى الكثيرون اختبارات الذكاء ومدى صدقها في قياسها للذكاء نذكر منها على سبيل المثال (McClelland, 1973) الذي قادته مراجعاته لما كتب حول الموضوع إلى القول بأن الارتباط العالي بين الدرجة على اختبار الذكاء والدرجة على مقاييس مختلفة للنجاح المهني أو التكيف للحياة ، قد ترجع في اغلب الاحتمالات لاسباب اخرى اكثر من احتمال إرجاعها للذكاء .
كما تعرضت اختبارات التحصيل للهجوم أيضا على يد (Kohlberg & mayer, 1973) اللذين وجدا من خلال مراجعتهما لما كتب حول الموضوع أن الاختبارات التحصيلية تتنبأ فقط بمزيد من التحصيل وتفشل في التنبؤ بأي شيء آخر مثل النجاح الوظيفي أو المهني .
ولقد ترتب على مثل هذه المراجعات وغيرها ، وما اسفرت عنه من آراء ، أن تزايدت المطالبة بالبحث عن بدائل ، وكانت الأنظار موجهة نحو البديل البياجي بطبيعة الحال سواء لاختبار الذكاء او لاختبارات التحصيل (DeVries, 1974, P. 746) باعتباره البديل الذي يستحق الدراسة في هذا المجال.
والحقيقة أن الباحث لا يستطيع التوقف عند قضية مترامية الاطراف بهذا الشكل ، إذ يكفي أن نحدد الموضوع في : هل هناك فروق نظرية او تطبيقية بين الاختبارات البياجية للذكاء والاختبارات السيكومترية للذكاء ؟
وهل هناك فوارق نظرية أو تطبيقية بين اختبارات التحصيل الدراسية والمعرفة كما تقاس بمهام بياجيه وهل مثل هذه الفرق – إن وجدت – يمكن أن تساعد في تجنب المشكلات التي تسببت في تحدي كل من اختبارات الذكاء والاختبارات التحصيلية ؟
اختبارات الذكاء ليست مستقاة من أي نظرية للذكاء ، لكنها قائمة بدلاً من ذلك على افتراضات معينة حول الذكاء ، إذ يفترض واضعو اختبارات الذكاء ، أنه كلما كانت إجابات الفرد أصح بالمقارنة مع إجابات أقرانه ، كان هو أكثر ذكاء.
نسبة ذكاء الفرد إذن يتم تحديدها في ضوء الفروق الفردية ، ومع الاخذ في الاعتبار مدى واسع من البنود ، التي لا تحمل معنى نظري في حد ذاتها ، وعلى النقيض من ذلك فإن مهام بياجيه مستقاة من نظرية قائمة على بحوث معنية بالتوصل إلى ماهية الذكاء وجوهره اكثر من تكميمه.
هذه المهام البياجيه معنية بكيف يرى الفرد الحقائق وكيف يستخدم عقله وأبنيته المعرفية في تفسيرها ، وكل مهمة عند بياجيه لها معنى وهدف محدد ، وهي في حد ذاتها تميط اللثام عن شيء ما في مجال تطور الذكاء لدى فرد معين ، ومهام بياجيه ليست معنية فقط بالإجابات الصحيحة.
لكن أيضاً بالإجابات الخاطئة لما لها من أهمية في الكشف عن المستوى الذي وصل إليه الفرد ، وهكذا فإن الذكاء عند بياجيه إنما يحدده موقع فرد ما في تتابع عام ينتهي بوصول هذا الفرد إلى مستوى العمليات العقلية المنطقية الشكلية .
نتائج البحوث التي تناولت العلاقة بين السيكومتريين والبياجيين في مجال اختبارات الذكاء ، جاءت مختلفة وغير واضحة الاتجاه ، ففي حين كان الارتباط بينهما منخفضاً في بعض البحوث مثل (Beard, 196) ، (Dodwell, 1960, 1962) نجد بحوثاً اخرى توصلت إلى ارتباطات أعلى مثل (Almy, 1960, 1970)، (Elkinf, 1970) ، (Dudek, lester, Kohlberg & Dyer, 1969)، (Kohlberg, 1963)، (Stephens, mclaughin, miller & llass, 1972)، (Haway, 1973).
والصورة العامة التي يمكن استخلاصها من هذه النتائج ليست واضحة كما أنها لا تدل على وجود تداخل أو عدم وجود تداخل بين قياس البياجيين والسيكومتريين للذكاء .
أما عن العلاقة بين البياجيين والسيكومتريين في مجال اختبارات التحصيل ، فإن وجهة نظر بياجيه في المعرفة تبدو أكثر اتساعاً من تلك التي تعكسها اختبارات التحصيل الدراسي بشكل عام ، حيث يرى بياجيه تطور المعرفة وتطور الذكاء وكأنهما نفس الشيء.
وفي هذا الصدد يشير (Piaget, 1964) إلى أن التطور المعرفي العام أو النمو العقلي العام هو الذي يجعل تعلماً محدداً أمراً ممكناً ، وطالما أنه من المعروف أن هناك ارتباطا عالياً بين اختبارات الذكاء واختبارات التحصيل الدراسي.
فإن السؤال الذي يثار هو ، هل هناك تداخل بين مهام بياجيه المعرفية واختبارات التحصيل الدراسي ؟، وعلى سبيل المثال هل يمكن التنبؤ من نتائج الاحتفاظ بالعدد عند بياجيه بالتحصيل في الرياضيات ؟
والحقيقة أن نتائج البحوث لا تكشف إلا عن القليل حول العلاقة بين مقاييس بياجيه ومقاييس السيكومتريين للتحصيل وهي في أغلبها توضح انهما يقيسان أنواعا ًمختلفة من المعرفة ، وعلى سبيل المثال يقرر (Almy, 1966) أن الاطفال بين 5-7 القادرين على الاحتفاظ بالعدد.
جاءت درجاتهم مرتبطة ارتباطاً متوسطاً في اختبار للاستعداد للقراءة ، لكنها ارتبطت ارتباطاً ضعيفاً أو حتى سالباً في اختبار للمفردات ، والصورة العامة التي تقدمها مثل هذه البحوث ليست واضحة من جانب ، وتشير إلى عدم التداخل بين الاختبارات البياجية والاختبارات التحصيلية من جانب آخر.
إن عدم وضوح نتائج البحوث سواء في مجال العلاقة بين اختبارات الذكاء أو بينها وبين اختبارات التحصيل ، هو الذي دفع الباحث للتوقف أمام بحثين قد يكون لهما قدر من الأهمية في هذا المجال ، البحث الأول قامت به (DeVries, 1974) على عينة بلغت 143 طفلاً في أعمار من 5-7 ومن درجات ذكاء متنوعة وطبقت عليهم من الأدوات : 15 من مهام بياجيه فيها الاحتفاظ ، تضمين الفئات ، العدد وغيرها.
بالإضافة إلى California Mental Maturity Test وأيضاً metropolitan Achievement Test وأشارت النتائج إلى أن مهام بياجيه يبدو أنها تقيس ذكاء مختلفاً وتحصيلاً مختلفاً عن ذلك الذي يقيسه السيكومترين ، وفي مناقشتها لهذه النتائج ، ومحاولة توضيح الفروق بين نوعي القياس بالذات اقترحت دي فرايس.
ضرورة الاهتمام بفحص وتحديد طبيعة الفروق والنتائج المترتبة على قياس الذكاء لكل من الاسلوبين وذلك بالنسبة للعملية التربوية ككل ، وبالنسبة للبحث في مجال الطفولة على وجه الخصوص (DeVries, 1974, P. 755) ، خاصة وقد أكدت أكثر من مرة في مناقشتها لنتائج البحث.
أنه يبدو ان مهام بياجيه توفر نظرياً وتطبيقاً قياساً للذكاء أكثر صدقاً مما توفره المقاييس السيكومترية ، كما أشارت إلى أن اختبارات التحصيل المدرسي تكاد تكون غير مرتبطة على الإطلاق بتطور العقل أو المعرفة كما تقيسه مهام بياجيه ، الأمر الذي دفعها إلى اقتراح بضرورة إعادة تقييم الأهداف التربوية برمتها ، بحيث تبنى منظوراً نمائياً عاماً بدلاً من تبنيها لمجرد التحصيل الدراسي .
البحث الثاني ، استهدف إعداد اختبار بياجي للذكاء العام وقام به (Hum-phreys, Rich, Davey, 1985) تكون العينة من 150 طفلاً ، 50 في كل مجموعة عمرية 6-10، 11-14، 15-18 ، نصف العينة في كل مجموعة كانت عادية ، والنصف الآخر معاقين بدرجة متوسطة ، وتمثلت الادوات في اختبار يتكون من 27 فقرة من مهام بياجيه.
مقياس وكسلر باختباراته الأحد عشر، ثم Wide Range Achievement. ولعل من أهم ما كشفت عنه نتائج هذا البحث ، وقد سبقت الإشارة إليها ، هو أنه يمكن اعتبار اختبار بياجيه صحيحاً كاختبار للذكاء العام مثله في ذلك مثل اختبار وكسلر.
وأن النتائج الكلية لاختبار المهام البياجيه بارتباطها العالي مع نتائج اختبار وكسلر اللفظي والعملي ، لا تقيس الذكاء العام فقط بل إنها تفعل ذلك بكفاءة عالية.
وأخيراً فإن اختبارا يعد على أساس مهام بياجيه وتتوافر لفقراته خصائص الاختبار الجيد ، يمكن أن ينتمي بثبات لمجال القياس السيكومتري للذكاء ، وهذها هو ما تبناه الباحث فعلياً في بحثه الحالي .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]