تعريفات متعددة لـ”حماية البيئة” وعلاقة مشكلة حضارة العصر بها
2007 في الثقافة والتنوير البيئي
الدكتور ضياءالدين محمد مطاوع
KFAS
حماية البيئية البيئة علوم الأرض والجيولوجيا
ولكن ماذا تعني حماية البيئة؟ وكيف تشكل حضارة العصر مشكلة لها؟
حماية البيئة أسلوب للتعامل معها يأخذ في الحسبان اتزانها، ومحدودية مواردها حتى تبقى مأوى مريحا للإنسان.
فقد بدأ عصر الحضارة الحديثة بدخول الثورة الصناعية، وقبلها كانت النشاطات البشرية في حدود إمكانات البيئة، ولم تنشأ آنذاك مشكلات من النوع الذي يؤثر في طبيعة الحياة. فعندما كان الإنسان صيادا جامعا للطعام كان تأثيره في بيئته هينا.
وعندما اختارت بعض المجتمعات أسلوب حياة أكثر استقرارا، واتجهت إلى الزراعة والحياة الحضرية، أصبح تأثير الإنسان أكثر وضوحا. فتوصل إلى تكنولوجيا زراعة بسيطة عن طريق الزراعة التبادلية لأصناف من المحاصيل، وطور الري والصرف، وأزال الغطاء الغابي الطبيعي، وتلك امثلة لبعض الطرق التي كان يغير بها الإنسان بيئته منذ عدة آلاف من السنين.
وكان تأثير تلك التغييرات محدودا (إلى حد كبير)، وقد ترتب على ذلك تناقص الغطاء الغابي في حوض البحر البيض المتوسط، وحدوث تغير بيئي محدود كان للإنسان دور فيه.
وحتى مائتين أو ثلاثمائة عام مضت، لم تكن أجزاء كبيرة من سطح الأرض تحمل بعد سوى علامات قليلة من تأثير الإنسان، وخاصة أفريقيا واستراليا والأمريكتين، فكانت الغابات الإستوائية المطرية متوافرة، وكانت أراضي المراعي في العالم ماوى لأعداد كبيرة من الحيوانات البرية أكثر منها مسكنا للجماعات البشرية، وكان ذلك حتى في المنطقة المعتدلة التي ضمت مساحات واسعة من الغابات لم تمس.
وللتغيرات التي تلت ذلك (التي تعد لحظية من حيث نطاقها الزمني) عدد من الأسباب المترابطة بتطور التكنولوجيا الصناعية وانتشارها كاستجابة للطلب الناجم عن التزايد السريع في السكان.
فتغيرت البيئة البشرية بسرعة، وبطرق لم يكن لأحد التنبؤ بها. وإلى جانب هذه التغيرات السريعة في طبيعة علاقة الإنسان ببيئته، حثت تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية لا تقل خطرا.
فالتقدم الاقتصادي والاجتماعي – أو باختصار "التنمية" – ما هو إلا قوة الدافع الرئيسة للتقدم البشري الذي به تتحسن نوعية الحياة وتتحقق كرامة الحياة البشرية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين ومطالع القرن الحادي والعشرين نموا وجهودا مكثفة للتنمية البيئية لصالح الجنس البشري حتى تتحسن فرصة بقائه. فحماية البيئة اليوم مشكلة حضارية وتحدٍّ حقيقي.
فهي لا تعني أن نترك كنوز الأرض التي وهبها الله لنا مدخرة في مواقعها، ولا تعني التحريم المطلق لصيد حيوانات البر والبحر، ولا تعني التحريم المطلق لقطع الأخشاب للصناعة والإنشاءات.
إن حماية البيئة تعني الاستثمار دون إسراف أو استنزاف الموارد البيئية من حيوانات برية وبحرية يتم اصطيادها في مواسم خاصة، وفي حدود عملية تسمح بالحفاظ عليها، واستمرارها في إطار اتزان بيئاتها.
ويقصد بالاستفادة المثلى من الاشجار أنه إذا ما أزيل بعضها وجب زراعة أشجار تحل محلها حتى تظل موردا متجددان كما تعني حسن استثمار الثروات المعدنية اقتصاديا، إلى أن تتمكن التكنولوجيا من إيجاد بدائل لها.
وحماية البيئة تعني أيضا عدم إرهاق الانظمة البيئية بمخلفات لا تقدر على استيعابها في دوراتها الطبيعية. كما تعني الموازنة بين القدرة الإنتاجية للبيئة والنمو السكاني.
وتشمل القدرة الإنتاجية احتياجات البشر من مأكل وملبس ومسكن وعلاج ومتطلبات التنزه والترويح، وهي الأساسيات التي تحفظ للحياة البشرية كرامتها، ولكن أين حماية البيئة وحضارة العصر؟
صحيح أن هناك من ينادي اليوم بوقف معدل النمو السكاني الذي وفرت له الحضارة العلمية كل أسباب التفجر ولكن هل استجاب كل الناس للنداء؟
قلة من البلدان انخفض النمو السكاني فيها إلى الصفر، وفي عدد قليل انخفض المعدل عن مستواه المعتاد، ولكن في غالبية دول العالم ما يزال هناك نمو متزايد في معدلات السكان.
إن حماية البيئة من التفجر السكاني مشكلة حضارية بالفعل، فعلى الحضارة المعاصرة توفير الحقوق المشروعة للإنسان مهما كانت أعداده. فللإنسان الحق في أن يأكل وله الحق في أن يشرب ماءًا نقيا وله الحق في ان يتنفس هواء نظيفا وله الحق في العيش في بيوت جيدة وغير مزدحمة.
وله الحق في التمتع بجمال الطبيعة وله الحق في تجنب التسمم من المبيدات الكيميائية، وله الحق في التخلص من تهديد الحروب النووية، وله الحق في تحديد عدد أفراد عائلته، وله الحق في إنجاب الأبناء.
حقوق الإنسان المشروعة مطلب لا تلبيه الحلول ذات الطابع التكنولوجي المحض، فالأمر يقضي كذلك التصدي للعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي يعزى إليها أيضا نشوء المشكلة السكانية وغيرها من مشكلات البيئة الطبيعية والاجتماعية..
وفي الواقع فإن الذين يطالبون بحقوق الإنسان المشروعة يتمنون أن يصبح عدد سكان العالم فيحدود نصف بليون نسمة حتى يمكن للبيئة أن تلبي كل الحاجات البشرية، دون أن تظهر مشكلات تهدد صحة الإنسان وطبيعة حياته.
وهؤلاء الناس يرجعون كل مشكلات البيئة إلى كثرة السكان، ويرون حماية البيئة في تخفيض عدد السكان، ومع وجاهة هذا الرأي إلا أن الحل ليس سهلا ولا ميسورا في الحال، ومن الممكن أن تبدأ الجماعات البشرية في الحد من معدل النمو السكاني إلى أن تصل به إلى مرحلة استقرار.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]