كيفية اكتشاف العلماء لـ”الغازات النبيلة”
2002 في رحاب الكيمياء
الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي
KFAS
لم تكن الغازات النبيلة معروفة لمندليف حينما أوضح جدوله الدوري للعناصر ، ولذلك فهو لم يضمنها في هذا الجدول .
لكن اكتشافها فيما بعد أثار جدلاً علمياً كبيراً وساهم مساهمة جليلة في فهمنا للسلوك الكيميائي للعناصر .
وقد صدرت الإشارة الأولى عن هذه الغازات خلال عام 1890 في مختبر عالم الفيزياء الإنجليزي اللورد رايلي Rayleigh .
وكان في ذلك الوقت مستغرقاً في إجراء قياساً تتعلق بكثافة الغازات البسيطة . وفي أثناء هذه الدراسة اكتشف تناقضاً واختلافاً في كثافة النتروجين الذي مصدره الهواء والنتروجين الناجم عن تفاعل كيميائي مثل انحلال غاز الأمونيا إلى النتروجين والهيدروجين .
ولقد وجد آنذاك أن كثافة النتروجين بعد فصل جميع الغازات الأخرى المعروف من الهواء تساوي 1.2572 غرام/ لتر عند درجة الصفر السليزية والضغط الجوي العادي .
لكن كثافة النتروجين الناجم عن تفاعل كيميائي بلغت 1.2506 غرام/ لتر عند نفس الظروف السابقة ، وعلى الرغم من ان الفرق بين الكثافتين كان بسيطاً ، إلا أنه بقي فرقاً ثابتاً كلما أعيدت نفس التجربة.
وفي شهر نيسان / أبريل عام 1894 نشر العالم الفيزيائي رايلي بحثاً حول كثافة النتروجين المستخلص من الهواء والناجم عن تفاعلات كيميائية . ولقد أثار هذا البحث فضول عالم كيمياء بريطاني هو السير وليام رامزي (W. Ramsay) ، ودفعه إلى البدء في دراسة نتروجين الهواء الجوي .
واستنبط كل من رايلي ورامزي أن الهواء بدا أنه يحتوي على مكون لم يسبق اكتشافه ، وتمكنا من عزل كمية من هذا المكون ودراسة خواصه . ولقد وجد أن هذا الغاز هو عنصر جديد له الوزن الذري 39.95 ، الأمر الذي أوجد مشكلة في إيجاد مكان لهذا العنصر في الجدول الدوري فعلى أساس من وزنه الذري ، لا بد وأن يقع هذا العنصر بين البوتاسيوم والكالسيوم ، لكن وضعه في هذا المكان ليس له معنى من الناحية الكيميائية .
وبالإضافة إلى ذلك وجد العلماء آنذاك أن هذا العنصر خامل تماماً لا يتفاعل مع العناصر الأخرى تحت أي ظرف كان ، من هنا أطلقوا على هذا العنصر اسم "آرغون" Argon والتي تعني باليونانية "الكسول".
وقد أعلن رايلي ورامزي عن اكتشاف الآرغون في آب / أغسطس عام 1894 . ولقد وجد الكيمائيون آنذاك صعوبة في تصديق وجود مثل هذا العنصر ، ووضع الكثيرون منهم تفسيرات مختلفة لطبيعة هذا العنصر الجديد تميز العديد منها بالعبقرية والخطأ في آن واحد .
وفي كانون الثاني / يناير عام 1885 ، ألقى رامزي بحثاً حول اكتشاف الآرغون أمام الجمعية الملكية ، حضره أكبر جمهور عرفته قاعات الجمعية في ذلك الوقت ، إذ بلغ عدد الحضور ما يقرب من ثمانمائة مستمع .
وفي آخر العام نفسه 1895 تمكن رامزي من فصل غاز الهيليوم وهو أخف الغازات الخاملة ، وذلك من خامات اليورانيوم .
إذ يتكون الهيليوم في هذه الخامات حينما تلتقط جسيمات ألفا ، الناجمة عن الانحلال الإشعاعي لليورانيوم ، الإلكترونات . وخلال ربيع عام 1889 وصيفه ، تمكن رامزي ومعاونوه من فصل ثلاثة غازات نبيلة أخرى من الهواء وهي النيون ، والكربتون ، والزينون .
ولقد ساهم اكتشاف هذه العناصر جزئياً في حل معضلة إيجاد مكان للآرغون في الجدول الدوري . إذ أصبح واضحاً أن هناك عائلة كاملة من العناصر الكيميائية التي تتميز بعدم نشاطها الكيميائي .
وباستثناء الآرغون ، فإن الغازات النبيلة أمكن وضعها جميعاً بعد الهالوجينات في الجدول الدوري دون أية مشكلة . وبقيت مشكلة الآرغون قائمة من ناحية وضعه ومكانه في الجدول الدوري .
لكن هذه المشكلة ما لبثت أن انتهت بعد ظهور أبحاث هنري موسلي (H. Moseley) عام 1913 والتي أدت إلى تنظيم العناصر في الجدول الدوري بحسب أعدادها الذرية بدلا ًمن أوزانها الذرية .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]