خصائص حركة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شملتها دولة الكويت
2004 التدريب أثناء الخدمة
د. فهد يوسف الفضالة
KFAS
المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية دولة الكويت العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
لقد مر المجتمع الكويتي بتغيرات اقتصادية واجتماعية ذات خصائص مميزة ارتبطت بحركة التغيير ذاتها.
إن جهود التنمية البشرية استهدفت الوفاء بمتطلبات الاقتصاد والمجتمع الكويتي وتلبية تطلعات أفراده حيث استندت جهود التنمية المقصودة منذ انطلاقتها إلى فلسفة غايتها بناء دولة الرفاه بالاعتماد على الفوائض المتحققة من تصدير النفط والتي أحدثت تغيرات جذرية وعلى نحو غير مسبوق.
وشملت كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الكويت وصاحبها اعتماد مبدأ الدعم أو الرعاية كوسيلة لإعادة توزيع الثروة مع استبعاد أدوات إيرادية أخرى للدخل العام كنظام المحاسبة الضريبية مما أتاح لأفراد المجتمع التمتع بمستويات حياتية راغدة.
هذه الجهود قد نجحت وفقاً لهذه الرؤية في الارتقاء بمؤشرات الرفاه الاجتماعي والاقتصادي إلى نحو ما يسمى طفرة في مستويات المعيشة وتعدد أنماط الإنفاق الفردي في مستويات تفوق في كثير من الأحيان مستويات الدول المتقدمة.
ومع أن الكويت وإن كانت قد استكملت المقومات اللازمة لتأمين مسيرتها التنموية وانطلاقها في ركب التقدم والتطور ، إلا أن هذه الانطلاقة قد أفرزت جوانب سلبية وأوضاعاً معوقة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالاقتصاد الكويتي ، وأثرت في استمراره على مسيرة التنمية ، وذلك للاعتبارات التالية :
– الاقتصاد أحادي المورد :
يشكل النفط المصدر الوحيد للدخل إضافة إلى عوائد الاستثمارات الخارجية لذا فإن المسيرة التنموية للكويت ترتبط بهذا المصدر الريعي وهذا يجعل من الصعب في كثير من الأحيان على صانعي السياسات والمخططين التحكم به.
فغالباً ما يتأثر سعر النفط بحركة أسواق الطاقة عالمياً وعدم استقرار السوق والمتغيرات الدولية الأخرى مما يلقي بظلاله على مستويات الدخل العام للدولة وارتباط مستويات الإنفاق والتشغيل لمشاريع التنمية بذلك ، حيث تشكل الإيرادات النفطية ما نسبته 89.2% من إجمالي الإيرادات العامة كما هو في عام 1995
كما يعتبر اختلال الهيكل الإنتاجي سمة مصاحبة للاقتصاديات أحادية المورد وسيطرة القطاع الواحد على الهيكل الإنتاجي وضيق القاعدة الإنتاجية.
إذ يعني ذلك ضيق ومحدودية فرص العمل أمام الموارد البشرية حيث أن تنوع مصادر الدخل ما زال في مراحله الأولى.
– سيطرة القطاع الحكومي وهامشية دور القطاع الخاص
اتصفت حركة النشاط الاقتصادي للدولة بخاصية الإنفاق العام لتوافر عوائد مالية ضخمة ومتطلبات بناء البنية الأساسية للدولة .
وقد نما هذا الارتباط الناتج من سياسة الدعم والإنفاق الحكومي إلى الدرجة التي تعاظم خلالها تأثير دور الدولة على غالبية الأنشطة الاقتصادية مما حدد من فاعلية آليات السوق ، ولقياس مدى تنامي وهيمنة دور الدولة على المؤسسة الاقتصادية باتت الدولة مالكة لأكثر من 42% من القيمة الاسمية لأسهم الشركات الصناعية والخدمية في الكويت .
وترتب على ذلك استمرار تزايد الإنفاق العام وعجز الموازنة العامة للدولة . كما تدنى مستوى مشركة القطاع الخاص في توليد الناتج المحلي لاعتماده على الإنفاق الحكومي بشكل كبير في تحديد توجهاته الاستثمارية .
ومن جانب آخر لم يقتصر دور الدولة على دعم الخدمات الأساسية للمواطن كالصحة والتعليم والإسكان بل امتد لتوفير فرص العمل لكل مواطن ، وقد أدى ذلك إلى تضخم الجهاز الإداري للدولة حيث تدفقت عليه أعداد من الموظفين تفوق احتياجاته الفعلية وإمكانياته الحقيقية وهو الأمر الذي تسبب عنه اختلال إداري أيضاً على مستوى القطاع الحكومي.
– اتساع الفجوة في هيكل السكان وقوة العمل :
نظراً لما تمثله قضايا السكان وقوة العمل من تداخل وتكامل لا يمكن فصلهما عند التعرض لتحليل تأثيراتهما المتباينة على الجوانب الاقتصادية والتحولات الاجتماعية التي واكبت مسيرة التنمية البشرية في الكويت ، فإن من الأهمية بمكان التفصيل في هذا الجانب .
لقد سعت الدولة بشكل متواصل لتنمية الموارد البشرية الوطنية ، وبذلت محاولات مستمرة للارتقاء بمعدلات مساهمة المواطنين في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي.
وقد واكب ذلك معدلات متسارعة لفتح أبواب العمل للعمالة الوافدة لسد الاحتياجات المتنامية لقطاعات العمل المختلفة.
وقد شكلت العمالة الهامشية والعمالة المنزلية والشريحة العائلية معدلات مرتفعة سواء من خلال مشاركتها كقوة عمل متدنية الإنتاج أو كنسبة تواجد سكاني مرتفعة ، ويتضح ذلك من خلال تشغيل عمالة رخيصة متدنية الأجر والإنتاج ساهمت بتحديد حجم وجنسية قوة العمل والتركيبة السكانية في البلاد.
وأضافت أعباء متنوعة يتحملها اقتصاد الدولة ، إضافة إلى حجم التحويلات المالية لهذه الشريحة للخارج . وقد سعت الدولة لمعالجة هذه الظاهرة المتمثلة في تزايد مشاركة قوة العمل الوافدة في مختلف قطاعات المهن في النشاط الاقتصادي وخاصة بالقطاع الخاص ، إلا أن دلالة هذه النسب لصالح قوة العمل غير الوطنية لا تحتاج إلى أي توضيح .
ومن ثم يمكن القول إن قوة الدفع للاقتصاد الكويتي تتحرك بعوامل داخلية وأخرى خارجية . لكن هذه الأخيرة تأثيرها أشد . وهذا الاختلاف النسبي بين قوى الدفع الداخلية والخارجية له تكلفة اجتماعية مرتفعة .
والجدول التالي يوضح تطور التوزيع النسبي الإجمالي لقوة العمل حسب القطاع الحكومي والمشترك والخاص والعائلي في بيان مقارنة بين قوة العمل الكويتية (الوطنية) وبين قوة العمل غير الكويتية في الفترة من 1995 / 1999 وكذا بيانات المتعطلين من الجانبين .
ويتضح من الجدول مدى المنافسة والمزاحمة من قوة العمل الوافدة لقوة العمل الوطنية في القطاع الخاص لانخفاض التكلفة المباشرة لاستقدام وتشغيل الوافدين عنه من تشغيل المواطنين.
كما يمكن رصد عدد من الأسباب الجوهرية لاستمرار وجود فجوة في العرض المحلي لقوة العمل الوطنية والاستخدام المتزايد لقوة العمل الوافدة منذ بداية التجربة التنموية في دولة الكويت والتي من أهمها :
– ارتفاع نسبة صغار السن للكويتيين إلى 50.6% من عدد السكان ضمن الفئة العمرية تحت سن العمل مما يبقي معدلات مشاركة منخفضة ومحدودة نسبياً في عرض العمل الوطني .
– انخفاض المشاركة النسبية للمرأة الكويتية حيث تمثل 32.4% من قوة العمل الوطنية .
– محدودية الإنفاق العام للتوسع في أنشطة اقتصادية ديناميكية أخرى كالصناعة والزراعة والصناعات التحويلية نظراً لسيطرة المورد الأحادي (النفط) على القاعدة الإنتاجية الأمر الذي يحد من مشاركة أكبر لقوة العمل الوطنية .
كما يمكن رصد أسباب أخرى لانخفاض مشاركة قوة العمل الوطنية في قوة العمل وبصفة خاصة في القطاع الخاص والتي ترجع إلى الفرد الكويتي ذاته كالارتفاع في مستويات دخول المواطنين والتحسن المستمر في معيشتهم.
وتأثير الوظيفة الحكومية ذات المميزات الخاصة لاستقطاب أعداد كبيرة منهم وتأثير النزعة الاستهلاكية فضلاً عن استقرار بعض القيم الاجتماعية السلبية تجاه الوظائف المهنية والحرفية التي يتطلبها القطاع الخاص .
مما سبق ، تتضح حقيقة هامة وهي أن مواجهة مثل تلك النتائج تتطلب إعادة النظر في سياسة تنمية الموارد البشرية المواطنين في الكويت ترتكز على منظور اجتماعي يقوم على تغيير اتجاهات الأفراد نحو مسايرة مقتضيات التنمية وذلك بتبني اتجاهات وقيم جديدة تعمل على تجنب سلبيات الحاضر وتعطي للمورد الوطني دوراً أساسياً في الإسهام ببناء مجتمعه على أسس من المشاركة الإيجابية .
كذلك ترتكز على منظور اقتصادي يقوم على توفير المناخ اللازم لتدريب وتأهيل الموارد البشرية وتشجيعها للعمل ومزاولة مختلف الأنشطة والمهن والحرف ودعم وتحفيز القطاع الخاص نحو إعادة توجهاته الاستثمارية وتوجيه طاقته وتنوع مشروعاته لبناء القاعدة الاقتصادية من أجل مشاركة واستيعاب المزيد من قوة العمل الوطنية .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]